سِفر ورو او ذاكرة الشم

كتبها : علي زين العابدين علي عمر

(رواية في حلقات)

ورو المنبوذ

أسمحوا لى ان احييكم جميعا سادتى وسيداتي

هي المرة الاولى التى ساحكي فيها ما حدث

وحدها الشجرة الذابلة بجانب المقعد الحجري بالحديقة من يشعر بذهول وجدي

كنت اتمني لو اكتشف علمائكم وحدات لقياس كثافة القدر،لكانت قصة حياتي ستحقق المعدل الاقصي

رغم ان الالم يعتصر قلبي ، وافيض حزنا ،  لكنني اشعر أننى نفسي تواق لان أسمعها بذات حماسكم لسماعها ، فمتلازمة حياتي هى (عدم القول) ، كم تمنيت ان اسمع نفسي تتحدث.

أستطيع ان ابداء روايتي منذ تلك الليلة اللعينة التى لم تكن ماطرة كسابقاتها ، القمر مغمض العين وغافي ، صمت اكثر من الصمت ، ليس سوي نقيق ذكور الضفادع ينبعث من كل مكان بلا إنقطاع ، كل انواع وفصائل ورتب الحشرات الطائرة والعائمة واللاسعة مدعوة لحفل ساهر في هذا الظلام ، رائحة العفن المنبعثة من بقايا الحيوانات الميته ممتزجة برائحة سمك النهر تشعرنى بالغثيان

ظللت جالسا الي جانب أبي قريبا من النهر،بين الاعشاب الغزيرة والنباتات المتلاصقة المتضافره متجنبا الاحتكاك بسيقان نبات الويكه ذو الشراشف الشوكيه

 كان أبى يحدق وسط العتمة المديدة تجاه ضفة النهر باهتمام , يبدو انه كان مترصدا وصول ذلك الزائر الليلي

كما توقعتم يا سادتي

نعم هو الكائن النهري العظيم

 خرج متثاقلا بجسده الاسطواني الاملس وتجول علي الضفة

 ليته لم يلج الى داخل السياج

لم اكن أعلم وانا اساعد أبي وبعض الرجال نهار ذلك اليوم صناعته من سيقان الاشجار والاشواك،أنني اساعد في نسج ماساتي

 اسرع أبي حذرا واغلق عليه الباب

 رجعنا سويا مع بداية تدفق الشمس و انبلاج أول خيوط الصباح الي مسكننا

 استقيظت امي التى اصبحت عمياء منذ عامين بعد تفشى مرض العمى في القرية على وقع صوت اقدامنا ونباح كلبنا الصغير ، لم تعد عيناها الواسعتان السوداوان تري ، تتالم من الم مستمر في البطن زاد من نحولها الشديد دون أن تئن ، فهي تعتقد ان المجاهرة بالانين واظهار الضعف يسئ الى روح اسلافها المحاربين الاقوياء

 لم ارها من قبل ذابلة واهنه هكذا

 كان تشع من جسدها روائح المواد الدهنية التي تصنعها لتمسح بها ساقيها وذراعيها لتمنع عنهم لسع الحشرات ، صارت تلك الرائحه جزء من جغرافيا البيت

ضمتني اليها وقبل ان تقرا على رأسي التعويذة اليومية سألت بهمس حزين وبلغة لا يفهم ابى جلها ان كنا قد نجحنا؟

 توليت انا مهمة نقل معني كلماتها اليه ، كعادتى دائما في المرات القليلة التي ياتى فيها لزيارتنا

فقد كان يتحدث لغة اخري هى لغة البلاد البعيدة التى أتى منها ، حكيت لها قصة الصيد الناجحة ، فوضعت كلتا يديها علي رأسها ، وشاحت بوجهها تجاه الارض وبصقت ، وهي تفعل ذلك كلما انتابتها حالة تشاؤم.

ذهبت في الصباح مع والدي الي منزل الرجل الكبير

كان بيتا على مساحة عظيمة من الارض محاطا بالجنود المعمعمين المدججين بالبنادق ..حيوا أبي وسمحوا له بالدخول ، وكانوا ينادونه ب(عبدالرحمن)

على مقربة من المنزل الذى كان يسكنه جدى والد امي سلطان الدغليين الذى توفى قبل سنوات ، وبعدها رحل الى مسكن أخر، اذ صار مسكنه الجديد الذى بناه بعد موته هو  العش الكبير أعلي الشجرة الكبيرة التى تتوسط بيتنا ، بعد  تحوله لنسر جارح أسود ذو منقار معقوق وعينين صفراوين كما ذكرت لى امي ، وكان اكثر ما يقلقها في الاونة الاخيرة غيابة عن الشجرة لعدة ايام ، فاعتبرت ذلك نذير شؤم وسيطر عليها القلق.

 تبادل ابى مع الرجل الكبير حديثا بلغة البلاد البعيدة فهما قد أتيا الى هنا سويا مع بقية الجنود

تزوج أبى بأمي ، بعد ان نشات علاقة بينه ووالدها سلطان الدغل ، نمت العلاقة حتى أقام له جدي طقس عهد الإخاء والوفاء الي الأبد، جلسا على الارض وشربا اللبن سويا من اناء واحد ، جرحا أنفسهما ومزجا دمائهما معا ، منح بعدها ابى اسما دغليا هو (اوريو) واعطى الامان الكامل ، واقيمت المادب والولائم وذبحت الذبائح ، وشق صوت النقارة عنان السماء

بعدها تزوج ابى بامى وانجباني قبل اثني عشر عاما من دخول فرس النهر الى الفخ ، عفوا أرجو ان تسمحوا لي بان استخدم التقويم الخاص بي (د.ف.ن.ف) أي (دخول فرس النهر الى الفخ) ،أطلقت على أمى اسم (ورو) ، اما أبي فيناديني ب(حميد)

بعد ان فرغ ابى من حديثه مع الرجل الكبير ارسلنى لأجلس علي باب الحظيرة التي استقر بداخلها فرس النهر

تعليق 1
  1. محمد كافى يقول

    جميل جدا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.