قوانين السودان الجديد

التشريع في فترة الكفاح المسلح:

 

وبما أن مرحلة الحرب أي النضال المسلح هي مرحلة إستثنائية وإنتقالية وبالتالي جاءت السلطة المدنية للسودان الجديد كحكومة إنتقالية، لذا وردت الأحكام الخاصة بتنظيمها في الأحكام الإنتقالية المادة(107) بفقراتها الثلاث من دستور الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال. عليه سنقسم السودان الجديد إلى مرحلتين إنتقاليتن، المرحلة الأولة وهي مرحلة الحرب الأولى والتي بدأت بتاريخ 31/يوليو1983م وإنتهت بإتفاقية السلام الشامل سنة 2005م، المرحلة الثانية وهي مرحلة الحرب الثانية والتي بدأت بتاريخ 6/6/2011م وحتى الآن.

المرحلة الإنتقالية الأولى:

تأسست الحركة الشعبية لتحرير السودان وأعلنت بيانها السياسي (المنفستو) في 31 يوليو 1983 والذي يعتبر المرجع التشريعي الأول للحركة الشعبية، وبناءاً عليه أصدرت قيادة الحركة الشعبية قانون عقابي ينظم الجيش الشعبي ويضبط سلوكه والذي أصبح فيما بعد قانون الجيش الشعبي.

في سنة 1984م تم تشكيل لجنة برئاسة ماجور قاي وجوزيف أودوهو لوضع مشروع قانون العقوبات، وفي سنة 1995م تم تشكيل لجنة من (23) من القادة لصياغة مجموعة من القوانين مع التركيز على القوانين الأساسية كالعقوبات والإجراءات الجنائية والمدنية، حيث تمت التوصية بـ(16) قانون تم طباعة (4) أربعة منهم فقط وبعيوب مطبعية.

وكان قد إنعقد المؤتمر الأول للحركة سنة 1994م، وتمت فيه إجازة أول دستور للحركة الشعبية والذي يعتبر تطوراً كبيراً في مسيرة النضال والعمل التشريعي للحركة.

في سنة 2002 شكل رئيس الحركة الشعبية لجنة لمراجعة القوانيين التى تم إعدادها في سنة 1994، برئاسة مفوض الشئون القانونية والتنمية الدستورية، مولانا/ مايكل مكوي لوث، وأعضاء من لشرطة والحياة البرية والسجون، وتمت مراجعة 16 قانون، وقدمت اللجنة 7 سبعة مشاريع قوانين جديدة، لتصبح جملة القوانيين 23 قانوناً، وعقدت ورشة بخصوص هذه القوانيين لمدة أربعة اسابيع في رمبيك، أصدرها الرئيس بأوامر في عام 2003، وعرفت بقوانيين السودان الجديد لسنة 2003، ولم تكن لها أي طابع ديني أو عرقي.

ظلت هذه القوانيين سارية حتى إنتهاء المرحلة الإنتقالية الأولى بتوقيع إتفاقية السلام الشامل في سنة 2005، وأصبحت هذه القوانيين فيما بعد نواة لقوانين حكومة جنوب السودان ودولة جنوب السودان.

المرحلة الإنتقالية الثانية:

وهي مرحلة الحرب الثانية والتي إندلعت في 6 يونيو 2011، حتى الآن على الرغم من أن الحركة الشعبية أبقت على قوانيين سنة 2003 الا أنها تراجعت كثيراً تشريعياً حتى بعد صدور دستورها في سنة 2013م، والذي تجاهل بعض جوانب السلطة المدنية وأحدث إشكالاً هيكلياً، وأصبحت هناك تشريعات قومية تنظم السلطة المدنية في حين لا وجود لهذه السلطة المدنية على المستوى القومي، وفي الوقت نفسه حدث تطور تلقائي للسلطة المدنية على مستوى إقليمي جبال النوبة والنيل الأزرق شكلت حكومات إقليمية، وما ذاد الأمر سوءاً هو صدور دستور دون أن يكون هناك منفستو كأول مرجعية تشريعية ثورية قبل الدستور.

وبالرغم من صدور قوانين إقليمية عديدة في هذه المرحلة التى  شابها خلل تنظيمي واضح إلا أن العملية التشريعية لم تخرج عن فلسفة التشريع في السودان الجديد.

وفي أكتوبر 2017 إنعقد المؤتمر العام الإستثنائي للحركة الشعبية  وهو أول مؤتمر لها بعد فك الإرتباط، وجاء تتويجاً للثورة التصحيحية التي أفشلت مخطط عقار وعرمان الإنقلابي وإنتخب المؤتمر الرفيق/ عبد العزيز ادم الحلو تلو رئيساً للحركة الشعبية وقائداً عاماً للجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال ورئيس السلطة المدنية للسودان الجديد بعد أن أجاز المنفستو والدستور كوثائق مرجعية، وتمخض عن ذلك تنظيم وهيكلة الحزب والسلطة المدنية للسودان الجديد بأجهزتها الثلاث، و لأول مرة في تاريخ الثورة يجيز مجلس التحرير القومي قوانيين السودان الجديد بعد أن تم تخويله سلطة التشريع والرقابة على السلطة التنفيذية، وبناء على تلك الإجازة أصدر الرئيس (29) قانون ولائحة لسنة 2018م.

قوانين وتشريعات السودان الجديد متصلة بإحتياجات وتطلعات شعوب أومجتمعات السودان الجديد، كشعوب أو مجتمعات تناضل من أجل التغيير وتكافح لتغيير التشريعات على أساس الفصل بين الدين والدولة.

قوانين السودان الجديد والتنوع المعاصر

أنواع القوانين في السودان الجديد:

يمكن تقسيم أو تصنيف القوانين في السودان الجديد إلى أنواع مختلفة على النحو التالي:

أولاً: قوانين تنظم العلاقة بين الآفراد أي المواطنين والسودان الجديد وتشمل:

  • تلك القوانين التي تنطم الطريقة التي توضع بها القواعد واللوائح ويتمثل في القانون الإداري.

  • القوانين التي تنطم الحياة السياسية للأفراد في علاقتهم مع السودان الجديد – القانون الدستوري.

  • القوانين الجنائية التي تحمي السودان الجديد (الحق العام) وحقوق مواطني السودان الجديد (الحق الخاص) – قانون العقوبات.

  • القوانين التي تنطم حقوق وواجبات العامل وصاحب العمل – قانون العمل.

  • القوانين التي تنظم الحقوق والمسؤليات الإقتصادية بين المواطنين والسودان الجديد – قوانين الضرائب، والجمارك.

ثانياً: قوانين تنظم حقوق المواطنين مع بعضهم وتشمل:

  • حقوق المواطنين في إبرام إتفاقيات – قانون العقود.

  • معالجة الخسارة الناتجة عن إنتهاك حقوق المواطنين بالتعويض – قانون المعاملات المدنية.

  • حقوق ومسؤليات المواطنين المتعلقة بالزواج والطلاق والميراث – قانون الأسرة.

ثالثاً: القوانين التي تنظم الأحداث أو الأفعال التي ينتج عنها فعل جنائي ومدني أو أكثر في آن واحد – قانون المرور.

رابعاً: قوانين تنظم حماية ورعاية الشرائح الضعيفة – قانون الطفل.

بالإطلاع على فلسفة التشريع في السودان الجديد والسمات العامة لبعض قوانين السودان الجديد مقارنة مع فلسفة التشريع في السودان القديم والقوانين التي شرعت على أساسه نجد أنها فلسفة مشوهة لاتحترم حقوق الإنسان ولا تراعي التنوع والتعدد وتعمل على التمييز العنصري وبالتالي لاتهتم بوحدة الدولة السودانية.

لقد تطور التشريع في السودان الجديد أي المناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية وعانق الإنسانية في أحدث تجلياتها وتقدم لمسافات بعيدة عن التشريع في السودان القديم الذي مازال قابعاً في العصور الوسطى، لذا فإن البديل الحقيقي والحتمي للمرجعية الفلسفية للتشريع في السودان القديم هو المرجعية الفلسفية للتشريع في السودان الجديد وقوانينها.