الحركة الشعبية لتحرير السودان – SPLM

 

النشأة و التطوُّر

 

الحركة الشعبية لتحرير السودان، كتنظيم، لم تبرز إلى حيزالوجود بمحض بالصدفة، بل كان ذلك نتاجاً لأفكار تُعبِّر عن بُعد نظر الثُوار من بنات و أبناء السودان، فقد كانت وليدة تخطيط  واعي و تنسيق و عزيمة لرموز سياسية و عسكرية، و كانت إستجابة لنداء عام في ظل نظام سياسي أصبح يتداعى ويحتضر، و تجلت مظاهر الإحتضار في الإضطرابات العسكرية و المدنية خاصة في جنوب السودان.

لقد هيأت تلك الأحداث والتطورات كانت مُناخاً ملائماً لقيام الثورة، و لم ينقصها إلا بروز قيادة مقتدرة تقود الشعب في الإتجاه الصحيح، و قد كانت الخُطة هي : إما أن تكون هنالك ثورة عامة بواسطة الحاميات العسكرية في جنوب السودان، أو اللجوء إلى خيار نضال مُسلَّح طويل الأمد.

كانت الخطة (أ) تقوم على إندلاع ثورة واسعة النطاق من المُتوقَّع أن تشمل عدة حاميات عسكرية  في جنوب السودان، و التي كانت معظمها تحت قيادة ضُبَّاط عسكريين من حركة الأنانيا الأولى الذين تم إستيعابهم في صفوف الجيش السوداني،  و إذا نجحت الثورة في السيطرة على الحاميات العسكرية بما فيها مطار جوبا، كان من المُتوقَّع أن تنتشر حرب التحرير لتشمل بقية مناطق الجنوب، و كل أنحاء السودان.

الثورة التي تم التخطيط لها حسب الخطة (أ) كانت في معظم الحاميات العسكرية في جنوب السودان و كانت تشمل الكتائب التالية :

الكتيبة (116) جوبا: تحت قيادة جيمس لورو،

الكتيبة (110) أويل: تحت قيادة بول أكول أكول،

الكتيبة (117) كبويتا: تحت قيادة ستولينو أريكا،

الكتيبة (111) رمبيك

الكتيبة (104) أيود: تحت قيادة وليم نيون بانج،

الكتيبة (105) بـور: تحت قيادة النقيب ألير منقار،

حامـية  فشلا: تحت قيادة النقيب كاربينو كوانيين بول،

حـاميـة  بيـبور: تحت قيادة النقيب كاربينو كوانيين بـول،

حـامية أكـوبـو: تحت قيادة الملازم فنست كوانج والعريف بول كور.

لم تنجح الخطة (أ)، و يمكن إرجاع الفشل إلي سوء التنسيق و عدم الإلتزام الكامل من بعض الضُباط المُكلفين بتنفيذ الخطة، و كما تبيَّن من الأحداث فيما بعد، فإن بعض الضُباط قد أصابهم الملل و الخوف من أن تنكشف الخطة فقرَّروا التحرُّك من تلقاء أنفسهم، و نتيجة لذلك حدثت حركات تمرُّد مُنفصلة في بعض الأماكن مثل حادث أكوبو عام 1975 بقيادة الملازم/ بنسـنت كوانج  و العريف/ بول كور، كذلك هناك حادث آخر هو حادث مطار جوبا في فبراير 1977 بقيادة المُقدَّم/ إسماعيل يعقوب، و زكريا عبد الله، و يُقال إن الضباط في حادث مطار جوبا قد تمت مساندتهم بواسطة الرقيب/ بول فوك رث، و العريف/ دينق كوال بول.

كل هذه الأحداث المُنفصلة يمكن إعتبارها علامات تُشير إلى فشل الثورة حسب ما كان مُخطط لها في كل الحاميات العسكرية في جنوب السودان و لم يبقَى إلاَّ خيار النضال المُسلَّح طويل الأمد.

و على كل حال، فقد إندلع تمرُّد أكوبو في 1975 في مُجابهة مناورات نميرى و محاولاته المنتظمة لإلغاء إتفاقية أديس أبابا من جانبه. فإتَّحدت بعض عناصر هذا التمرد مع بعض المفصولين السابقين من أنيانيا (1) و أعلنت عن تشكيل ما عُرف باسم أنيانيا (2) – أي الثانية – في أعالي النيل. و لاحقاً في 1982 تكوَّنت أيضاً حركة للمقاومة المُسلَّحة تحت قيادة مُختلفة و لكنها تبنَّت نفس الإسم في بحر الغزال. كما واصل ضُباط أنيانيا البارزين المُستوعبين تنظيم أنفسهم من داخل القوات المُسلَّحة السودانية بغرض تصحيح الوضع إما بالهجوم  و الإستيلاء على جوبا أو الإنسحاب إلى الأحراش و تدشين نضال شعبي مُسلَّح طويل الأمد. بيد أن الخرطوم أمسكت بزمام المبادرة و هاجمت حاميتي بور و البيبور، و لكن، لاحقاً تمكَّنت حامية أيود من مهاجمة قوات الخرطوم التي تم إرسالها لإعتقال قائد الحامية السابق الذي إلتحق بالأنيانيا، فكانت الشرارة التي أشعلت الفتيل.

و بالتزامن مع هذه المقاومة المُسلَّحة قامت بعض القيادات السياسية الجنوبية البارزة و الطلاب في تنظيم العديد من الحركات السِرية لتعبئة جماهير الجنوب ضد إلغاء الإتفاقية.

شملت هذه التنظيمات المعارضة : National Action Movement (NAM); Movement for Total Liberation of Southern Sudan (MTLSS); Juwama African People’s Organization (JAPO); Council for the Unity of Southern Sudan (CUSS); and South Sudan Liberation Front (SSLF) و التي بدأت فعليا في شن حرب عصابات في 1982 وصلت ذروتها في يوليو 1983 عندما ألقت القبض على مجموعة من الأجانب في جبل بوما.

مع بداية عام 1983 توفَّرت الظروف الضرورية لإنطلاقة الثورة. فمعركة بور (تحت قيادة الرائد كاربينو كوانين بول)، و البيبور (بقيادة النقيب رياك) و معركة أيود (تحت قيادة الرائد وليم نيون بانج) قادت إلى حالات فرار جماعية من الوحدات العسكرية في القيادتين الجنوبية و الشمالية. و دفعت هذه الأحداث بالطلاب و قطاعات واسعة من المدنيين إلى الإنضمام للنضال الشعبي المُسلَّح مما تسبَّب في تدفُق اللاجئين إلى البلدان المُجاورة، خصوصاً إثيوبيا. توحَّدت كل عناصر التنظيمات السياسية و العسكرية سالفة الذكر و أسَّست الجيش الشعبي لتحرير السودان و الحركة الشعبية لتحرير السودان في 16 مايو 1983.

و بالرغم من أن الحركة الشعبية تكوَّنت أصلاً لمواصلة النضال المُسلَّح للحركات السابقة، لكنها إقتربت من معالجة الأزمة السودانية من منظور مُختلف. فهي ترى أن خلاص السودان يكمُن في حل مشكلتي القوميات و الدين في إطار سودان مُوحَّد ديمقراطي و علماني. للظروف التاريخية والإعتبارات الموضوعية بدأت وتكونت الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحريرالسودان وإتخذت من جنوب السودان قاعدة لإنطلاق عملياتها، إلاَّ أنها هدفت في الأساس نشر رسالة التغيير وتحقيق رؤيتها في كل أنحاء السودان.

كانت قوات حركة أنانيا (2) بقيادة شول دينق ماجويك جاهزة مُسبقاً في بحر الغزال، كما أن مجموعة (NAM) بقيادة باقان أموم، و لوكورينانق مُستـعدة في أعالي النـيل، و كـان بـول نياوان مُستعداً في مناطقه ببانـتيـو، هذه القوات كانت خارج سيطرة الحكومة.

أما في الجانب السياسي، فإن نظام جعفر نميري قد بدأ يظهر فيه كثير من علامات الضعف من خلال إنتشار الإضطرابات المدنية، لذلك فإن مظاهرات الطلاب بجوبا عام 1974م ضد حفر قناة جونقلي و التي قُتل فيها أحد الطلاب قد أظهرت التناقضات داخل الحكومة.

هنالك ضعف سياسي آخـر بدأ يظهر من قبل النظام و ذلك بإصدار قرارات كثيرة لحل مجالس الشعب و أخيراً قرار إعادة تقسيم الإقليم الجنوبي إلى ثلاثة أقاليم في 6 نوفمبر 1983، مما أدَّى إلى إنهيار الثقة بين الشعب و النظام الحاكم، و لذا أصبح هنالك شعور عام بالحاجة إلى نظام بديل لتصحيح الوضع السياسي.

هكذا تطوَّرت المقاومة إلى حركة ثورية، حيث تولَّى الرائد كاربينو كوانين بول الذي كان في منطقة بـور في ذلك الوقت قيادة حامية “بـور” العسكرية من النقيب/ ألير مناقور، بالإضافة إلى وليـم نيون في “أيــود”. كل هذه التحرُّكات وضعت حجر الأساس للثورة و بعد ذلك وصلت إلى ذروتها بتكوين الحركة الشعبية و الجيش الشعبي لتحرير السودان.

أما العقيد الـدكتور/ جون قرنق دي مبيور فقد كان في مُقدمة كل هذه الأحداث حيث كان يقوم بالتنسيق مع القائد/ وليم نيون، و القائد/ كاربينو كوانين من الخرطوم مُباشرة، و قد تحرَّك شخصياً إلى منطقة بــور لإدارة العمليات.

فى يوم 16 مايو عام 1983 صدرت الأوامر من قيادة القوات المُسلَّحة إلى الحامية (116) بجوبا بمهاجمة الكتيبة : (104) أيود، بقيادة  وليم نيون بانج، و الكتيبة : (105) بور، تحت قيادة كاربينو كوانين بول، و ذلك بعد رصد الخرطوم لتحرُّكات الكتيبتين و إيقانهم بنوايا الثورة،  فبدأت المعارك بين الطرفين، و في 18 مايو 1983 قرَّرت القوات الثائرة و بوجود الدكتور/ جون قرنق ديمبيور الإنسحاب إلى منطقة (بلفام) العسكرية على الحدود السودانية الأثيوبية  و التي كانت مقراً لقوات الأنيانيا (2). و تحرَّكت كل القوة بالإضافة الى الطلاب و الموظَّفين نحو منطقة (بلفام). و كان الرائد/ أروك طـون أروك، و النقيب/ سلفاكير ميارديت، اللَّذان كانا ضابطين في الإستخبارات، قد إنضما إلى القوات المُنسحبة أيضاً، و كانت قوات حركة أنانيا (2) تحت قيادة القائد/ أكوت أتيم، و القائد/ قاي توت موجودة مُسبقاً في (بلفام). لذلك أصبح موضوع كيفية توحيد القوتين من المواضيع العاجلة لكي يتم تكوين جيش الثورة تحت قيادة عسكرية و رؤية سياسية مُوحَّدة.

كانت مجموعة العقيد الدكتور/ جون قرنق  قد عقدت عدة إجتماعات مع ممثلي حركة أنانيا (2) بهدف توحيد القيادة و لكنها باءت بالفشل، و ذلك لإختلاف المجموعتين حول الرؤية و الإستراتيجية العسكرية، و قد أدَّت تلك الخلافات إلى الإنشقاق بين المجموعتين في 3 سبتمبر 1983، و هذا كان بداية الصراع  بين الثُوَّار، فقد كانت مجموعة  قرنق تريد النضال من أجل سودان علماني إشتراكي مُوحَّد، بينما المُعارضون كانوا يريدون إنفصال جنوب السودان عن الشمال. و في حقيقة الأمر، إن المفاوضات بين المجموعتين كانت محكومة بالفشل منذ بدايتها لكونها كانت بين طرفي نقيض يصعب الوفاق بينهما.

 تأسيس الحركة الشعبية و الجيش الشعبي لتحرير السودان – SPLM/A – 1983:

 

أصرت مجموعة أنانيا (2) على موقفها  لذلك تعرَّضت لهجوم مُشترك بواسطة الكتيبة (104) و الكتبية (105) بقيادة/ وليم نيون بانج، حيث تم طردهم تماماً من منطقة (بلفام).  و بعد أن حقَّق القائد/ وليم نيون هذه الإنتصارات أصبحت منطقة (بلفام) رئاسة للحركة الشعبية و الجيش الشعبي لتحرير السودان.

و هكذا تم تكوين الحركة الشعبية  و الجيش الشعبي لتحرير السودان كحركة تحرُّر وطني في عام 1983 بعد أن أعلنت بيانها التأسيسي (المنفستو) في 31 يوليو 1983م، و يُعتبر هذا اليوم هو التاريخ الرسمي لتأسيس الحركة الشعبية و بعد ذلك تم تكوين القيادة السياسية و العسكرية العليا، و كان المؤسِّسون على النحو التالي :

 

1/ العقـيد الـدكتور/ جـون قـرنـق ديمبيور : رئيس الحركة الشعبية، و القائد العام للجيش الشعبي لتحرير السودان.

2/ المُقدَّم/ كاربينو كوانيين بول : نائب رئيس الحركة الشعبية، و نائب القائد العام للجيش الشعبي لتحرير السودان.

3/ المُقدَّم/ وليم نيون بانج : رئيـس هيـئـة الأركـان.

4/ النقيب/ سلفاكير ميارديت : نائباً لرئيس هيئة الأركان للأمن و العمليات.

5/ الرائد/ أروك طون أروك : نائباً لرئيس هيئة الأركان للإدارة و الإمداد.

تطوُّر و تمدُّد الحركة الشعبية و الجيش الشعبي لتحرير السودان في المناطق الأخرى:

تمدُّد الحركة الشعبية و الجيش الشعبي في جبال النوبة :

في عام 1985 تطوَّرت الحركة الشعبية لتحرير السودان بصورة كبيرة وإنتشرت عملياتها العسكرية إلي مناطق عديدة في جنوب السودان. و في عام 1986 وصلت إلى جبال النوبة / جنوب كردفان أول مجموعة تتبع للجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة ملازم أول/ عوض الكريم كوكو تيه و ملازم أول/ تلفون كوكو أبو جلحة بغرض الإتصال بمناديب الحركة الشعبية و الجيش الشعبي لتحرير السودان. و تهيئة المناخ لإستقبال القوات القادمة من الجنوب. و في 30 يونيو 1987 دخلت سرية من كتيبة سوباط إلى جبال النوبة تحت قيادة ملازم أول/ يوسف كرة هارون. و في 27 يوليو 1987 دخلت كتيبة البركان (Volcano) إلى الجبال بقيادة القائد يوسف كوة مكي، و قامت بتشتيت قوات العدو في معركة الرملة و وصلت إلى سرف الجاموس وتم تأسيس الرئاسة في (أشرون). و بعد ذلك تم تحرير مناطق “أم دورين” و “أم دولو”. و قد تم إستقطاب عدد خمسة آلاف (5,000) من الشباب و إرسالهم، في شكل دفعات، إلى مراكز التدريب في جنوب السودان. و قد عادت هذه القوة إلى الجبال عام 1989 بإسم قوات كوش.

تمدَّد الحركة الشعبية و الجيش الشعبي في إقليم الفونج (النيل الأزرق) :

في عام 1986 وصلت قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان إلى إقليم الفونج (النيل الأزرق) بقيادة ملازم أول/ جبريل كُرمبة أومونق/ و القائد/ بيتر كوما لوين و آخرين من أبناء الفونج من بينهم القائد/ جوزيف توكا علي. و كان مالك أقار إير قد إنضم إلى الحركة الشعبية و الجيش الشعبي لتحرير السودان في العام 1985. و ترقَّى إلى رتبة قائد بعد المؤتمر العام الأول في شقدوم عام 1994 و أصبح عضواً مناوباً في القيادة العليا للحركة و حاكماً لإقليم النيل الأزرق.

تمدُّد الحركة الشعبية و الجيش الشعبي في دارفور :

وصلت قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان إلى دارفور بقيادة القائد/ عبد العزيز آدم الحلو و القائد/ داؤود يحيى بولاد في نوفمبر عام 1991، و خاضت القوات معارك ضارية ضد القوات الحكومية و مليشيات الجنجويد و تمكَّنت من تدميرها. و قد إنسحبت قوات الجيش الشعبي إلى الجنوب بسبب قسوة الأحوال الجوية.

تمدُّد الحركة الشعبية و الجيش الشعبي في شرق السودان :

تم إنشاء لواء السودان الجديد في عام 1995 و وصلت قواته إلى شرق السودان بقيادة القائد/ عبد العزيز آدم الحلو في نفس العام. و قد تمكَّنت قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان من الإستيلاء على مدن و حاميات عسكرية عديدة  و السيطرة عليها.

إنشاء الإدارة المدنية و العسكرية المُشتركة :

و نتيجة للتوسع في الأراضي المُحرَّرة  و ضم الكثير من المناطق إلى الحركة الشعبية و الجيش الشعبي لتحرير السودان، تم إبتداع شكل من الإدارة المشتركة في الأراضي المُحرَّرة تُسمَّى الإدارة المدنية العسكرية المُشتركة (CMA) و تضم : ضُبَّاط عسكريين، المناديب، الإدارة الأهلية، و مُمثِّلي المنظمات الجماهيرية.

المؤتمر العام الأول (مؤتمر شقدوم 1994) :

عقدت الحركة الشعبية لتحرير السودان مؤتمرها العام الأول في شقدوم عام 1994. و قد كان المؤتمر بمثابة نقلة نوعية في العمل السياسي للحركة الشعبية و الجيش الشعبي لتحرير السودان، حيث أوصى المؤتمرون بوضع دستور للحركة الشعبية و الجيش الشعبي لتحرير السودان، و الذي تم إصداره لاحقاً في عام 1998 و كانت قد حدثت تغيُّرات عديدة بعد حل القيادة السياسية و العسكرية العليا للحركة الشعبية و الجيش الشعبي لتحرير السودان و تقسيم المناطق المُحرَّرة  إلى خمس جبهات على النحو التالي:

1/ الجبهة الأولى : أعالى النيل.

2/ الجبهة الثانية : بحر الغزال.

3/ الجبهة الثالثة : الإستوائية.

4/ الجبهة الرابعة : جبال النوبة.

5/ الجبهة الخامسة : النيل الأزرق.

و في مؤتمر شقدوم تم إنشاء الجهاز التشريعي للحركة الشعبية لتحرير السودان و هو مجلس التحرير القومي (NLC). و كان يتكوَّن من (110) عضواً، كما تم في المؤتمر فصل الخدمة المدنية من الجيش و كذلك تم فصل السلطة القضائية و التي صار لديها قوانين خاصة. و كان أهم ما يُميِّز الهيكلة في تلك المرحلة هو فصل السلطات و إنشاء الأقاليم الخمسة.

الفترة الإنتقالية بعد توقيع إتفاقية السلام الشامل (2005) :

تم توقيع إتفاقية السلام الشامل بين الحركة الشعبية لتحرير السودان و حكومة جمهورية السودان في 9 يناير 2005 مما تطلَّب تغيير النظام الإداري للحركة الشعبية و الجيش الشعبي لتحرير السودان كنتيجة حتمية تقتضيها إنشاء نظام فيدرالي يمنح بموجبه حكم ذاتي لجنوب السودان  و وضعيات خاصة لإقليمي جبال النوبة / جنوب كردفان و الفونج (النيل الأزرق) و منطقة أبيي.  إقتضت الإتفاقية تحوُّل الحركة الشعبية و الجيش الشعبي لتحرير السودان من تنظيم سياسي / عسكري، إلى تنظيم سياسي. فكان الإعلان عن تكوين الهيكلة الإنتقالية التي تتماشى مع هذه التحوُّلات التاريخية. حيث أصدر الدكتور/ جون قرنق ديمبيور رئيس الحركة  الشعبية، و القائد/ العام للجيش الشعبي لتحرير السودان قراراً كلف بموجبه القائد/ باقان أموم أوكيج – مُشرفاً و مسئولاً عن الحركة الشعبية (قطاع الجنوب) – و القائد/ عبد العزيز آدم الحلو – مشرفاً و مسئولاُ عن الحركة الشعبية (قطاع الشمال). و صدر الدستور الإنتقالي للحركة الشعبية لتحرير السودان  لعام (2006) بعد إجتماع قيادة الحركة الشعبية في مدينة “رومبيك” و بموجبه تم تنظيم الحركة الشعبية  في جميع ولايات السودان الخمس و عشرين (25)، و بذلك أصبح هنالك تنظيم سياسي مدني ينشر رؤية و مشروع السودان الجديد في كافة أرجاء البلاد.

عقدت الحركة الشعبية لتحرير السودان المؤتمر العام الثاني في مايو 2008 بمدينة جوبا ليكتمل بذلك البناء التنظيمي وفقاً للدستور الذي أُجيز في ذلك المؤتمر و ظل سارياً حتى حلول إستفتاء جنوب السودان الذي نتج عنه قيام دولة جنوب السودان المُستقِلة في يوليو 2011.

فك الإرتباط بين الحركة الشعبية لتحرير السودان في الجنوب و الشمال :

بتاريخ 15 فبراير 2011 قرَّر المكتب السياسي للحركة الشعبية لتحرير السودان فك الإرتباط  سياسياً و تنظيمياً  و إدارياً  و عسكرياً بين الحركة الشعبية لتحرير السودان في الجنوب، و الحركة  الشعبية لتحرير السودان في الشمال  بعد دمج ولايتي جبال النوبة / جنوب كردفان و الفونج (النيل الأزرق) – اللتان كانتا تتبعان لقطاع الجنوب – مع قطاع الشمال. و أوصى المكتب السياسي بإستمرار حركتين شعبيتين في دولتي السودان.

حرب التحرير الثانية في جبال النوبة/ جنوب كردفان و الفونج (النيل الازرق) :

منذ توقيع إتفاق السلام الشامل في 2005 كان المؤتمر الوطني يعمل على تقويض الإتفاقية فيما يخص (بروتوكول المنطقتين). و كان المؤتمر الوطني يرتكب عدة خروقات للإتفاقية، إذ قام بتسليح المليشيات القبلية و خلق الإضطرابات المُستمِرة في المنطقتين خاصة في جبال النوبة.  و كان قد قام بتزوير التعداد السكاني الذي يُعتبر حجر الزاوية في عملية الإنتخابات التي يُفترض إنها تؤسِّس للمشورة الشعبية. و لم يكتفِ بذلك. بل قام بتزوير الدوائر الإنتخابية و السجل الإنتخابي. و لاحقاً قام بتزوير الإنتخابات.

و كانت الحكومة السودانية (نظام المؤتمر الوطني البائد) قد حشدت عشرات الآلاف من القوات المُسلَّحة، قوات الإحتياطي المركزي، مليشيات الدفاع الشعبي و قوات جهاز الأمن، و قامت بنقل كميات ضخمة من العتاد الحربي و الأسلحة الثقيلة إلى عاصمة الولاية كادقلي و مُدن أخرى مثل “الدلنج”  و “تلودي” و “أبو جبيهة” و “أم دورين”، بالإضافة إلى مدينة الدمازين و ما حولها من المدن في النيل الأزرق، في خرق واضح لنصوص بروتوكول الترتيبات الأمنية. وكانت قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان (الأم) قد أكملت عملية الآنسحاب جنوب خط 1 يناير 1956 وفقاً لبنود إتفاقية السلام الشامل بإستثناء عدد (3,000) مقاتل يتبعون للوحدات المشتركة المدمجة (JIUs) حسب نص الإتفاقية، الأمر الذي يؤكِّد أن النظام كان يريد العودة إلى الحرب.

بتاريخ 23 مايو 2011 و في خرق واضح لبروتوكول الترتيبات الأمنية الذي ينص على أن تبقى القوات المُشتركة المُدمجة (JIUs) حتى التاسع من أبريل 2012 في حال إنفصال الجنوب، أصدر الفريق أول/ عصمت عبد الرحمن رئيس هيئة أركان القوات المُسلَّحة السودانية (SAF) أوامره للفرقة (14) مُشاه في كادقلي بالبدء الفوري في تجريد سلاح أفراد الجيش الشعبي بالقوات المُشتركة إبتداءً من  1 يونيو 2011.

بتاريخ 6 يونيو 2011 إستأنف نظام الخرطوم الحرب مُجدَّداً بقصف قواته المتواجدة في كادقلي لمنازل قيادات الحركة الشعبية لتحرير السودان والدستوريين لتصفيتهم، كما هاجمت مكون الجيش الشعبي في القوات المشتركة المدمجة  في محاولة لتجريده من السلاح. وكانت تقديرات الحكومة وقتها حسب خطتها أن يتم سحق قوات الجيش الشعبي وتجريدها من السلاح خلال 72 ساعة من بداية الهجوم، ولكن كانت المفاجاة تمكن قوات الجيش الشعبي من تحرير أكثر من 61 حامية عسكرية خلال إسبوع واحد من إندلاع الحرب. أثناء ذلك قامت قوات الحكومة بقتل مئات المدنيين في كادقلي و الذين تم دفنهم في مُقابر جماعية، مما إضطر قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان الأم التابعة لجبال النوبة  المتمركزة  في بحيرة جاو  للتَّدخُّل لحماية المدنيين.

منذ ذلك التاريخ توسَّعت الحرب و شملت معظم أرجاء ولاية جنوب كردفان و إتخذت قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال مواقع دفاعية لحماية المدنيين. و إستطاعت بعدها أن تشن هجوما منظماً على مواقع القوات الحكومية، كما تصدت لعدد من المتحركات العسكرية الضخمة ودحرها وحققت إنتصارات كاسحة، و حرَّرت العديد من الحاميات العسكرية.

 

بدء الحرب الثانية في إقليم الفونج (النيل الأزرق) :

في ليلة الثاني من سبتمبر 2011 شنَّت القوات المُسلَّحة السودانية هجوماً واسعاً على مناطق تمركز قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان في الوحدات المشتركة المدمجة (JIUs) داخل مدينة الدمازين حيث إضطَّر مُقاتلو الجيش الشعبي لتحرير السودان إلى الإنسحاب من المدينة خشية تعريض حياة المدنيين للخطر. و قد قصفت القوات المسلحة منازل قيادات ودستوريي الحركة الشعبية. وقامت الأجهزة الأمنية التابعة للنظام بعمليات مداهمة و إعتقالات واسعة شملت كل من يشتبه في ولائه للحركة الشعبية أو متعاطف معها.

المؤتمر العام الإشتثنائي (كاودا –  2017):

 

في مارس 2017 سحب مجلسا تحرير إقليمي جبال النوبة والنيل الأزرق الثقة من الرفيق السابق ياسر سعيد عرمان والرئيس السابق مالك عقار إير و تمت إقالتهما من منصبيهما في قيادة  الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، وذلك على خلفية الإنحراف بمسار التفاوض ومحاولة تصفية الكفاح المسلح بدمج قوات الجيش الشعبي وتسليم سلاحه. و قد تم تكليف القائد/ عبد العزيز آدم الحلو – رئيساً للحركة الشعبية، وقائداً عاماً للجيش الشعبي إلى حين إنعقاد المؤتمر العام الإستثنائي.

و في أكتوبر 2017 عقدت الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال المؤتمر العام الإستثنائي في المناطق المُحرَّرة بكاودا و تمت إجازة الوثائق الأساسية (المنفستو والدستور) والهياكل والمؤسسات و إنتخاب القيادة. كما إنتخب المؤتمر العام الإستثنائي

و في أول جلسة إنعقاد أجاز مجلس التحرير القومي ترشيحات رئيس الحركة الشعبية، والقائد العام للجيش الشعبي لتحري السودان – شمال  للمناصب القيادية التالية:

  1. القائد/ جوزيف توكا علي – النائب الأول لرئيس الحركة الشعبية، ونائب القائد العام للجيش الشعبي.

  2. القائد/ جقود مكوار مراده – نائب رئيس الحركة الشعبية.

  3. القائد/ التجاني تما الجمري – رئيس مجلس التحرير القومي.

  4. القائد/ عمار أمون دلدوم – السكرتير العام للحركة الشعبية.

في دورة إنعقاده الثانية في أغسطس 2018 إعتمد مجلس التحرير القومي ترشيحات رئيس الحركة الشعبية لملئ هياكل الحركة الشعبية القضائية والتنفيذية على المستوى القومي، كما إعتمد ترشيحات السكرتير العام لملئ الشكرتارية القومية للحركة الشعبية. وبنهاية دورة الإنعقاد أجاز المجلس قوانيين السودان الجديد وعدداً من اللوائح.