العدالة والمحاسبة التاريخية (1- 10)

بقلم: متوكل عثمان سلامات

 

مدخل:
ظلت الدولة السودانية منذ خروج المستعمر حتى لحظة كتابة هذا المقال ولحظة التوقيع على إتفاق سلام جزئي أمس الإثنين 31/8/2020م بين الجبهة الثورية بمساراتها (جزء من دارفور، عقار، الشرق، ووسط) وحكومة الفترة الإنتقالية لجمهورية السودان تعيش في دوامة الصراعات والفشل في الإنتقال أو خلق بيئة مناسبة للإنتقال السياسي حتى بعد الإقتلاع الجزئي للنظام الدكتاتوري العسكري التسلطي ، ذلك الإنتقال الذي يجب أن يفضي إلى سلام حقيقي شامل وعادل يعالج جذور المشكلة السودانية بإقامة دولة علمانية، تفصل فصل تام بين الدين والدولة والإعتراف الكامل بالتنوع والتعدد الديني والعرقي والإثني والثقافي وإتخاذ ما يلزم من تدابير وإجراءات لحسن إدارته، وليس مواصلة الإنتهاكات الإنسانية والقتل على أساس عنصري كما تفعل مليشيات الدعم السريع بقيادة نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي ومن ثم تفلت من العقاب وفي ذلك إمتداد للنظام الديكتاتوري العسكري التسلطي المنطلق من المركزية الإسلاموعروبية التي تعمل على الأسلمة والتعريب القسري والوحدة القسرية ولا تعترف بالتنوع والتعدد، وبالتالي لا ترى ضرورة للعدالة والإنصاف والمساواة بين المواطنين السودانيين.
العدالة والإنصاف من المبادئ والقيم الإنسانية والأهداف السامية التي تطالب بها الشعوب السودانية، ولم تخرج يوماً من مطالب الشعوب على إمتداد التجارب الإنسانية العالمية، لذا كانت ومازالت العدالة من الأسس والمرتكزات التي يقوم عليها مشروع السودان الجديد، ولن تتحقق العدالة والإنصاف إلا بتحرير الشعوب السودانية من الظلم والتفرقة العنصرية وعقلية المُستلِب والمُستلَب ثقافياً والإضطهاد والإزلال وكل أشكال الممارسات والمفاهيم السالبة الحاطة من الكرامة الإنسانية، كما أن العدالة والإنصاف لايمكن أن تتحقق دون محاسبة تاريخية وإخلاقية للدولة والأفراد نتيجة المظالم والإنتهاكات الإنسانية التي إرتكبوها ضد الشعوب السودانية.
وفي هذا الإطار تأتي سلسلة مقالات العدالة والمحاسبة التاريخية بإعتبارها جوهر عملية العدالة الإنتقالية لمعالجة هذا الإرث الضخم من الإنتهاكات الإنسانية معالجة صحيحة تؤدي إلى الإستقرار والسلام الدائم، ونتمنى أن يشكل هذا الجهد إضافة إن لم يكن مخرج لمحاولات تجربة العدالة الإنتقالية في الدولة السودانية.
تأتي أهمية هذه المقالات في تقديرنا كونها ستساعدك عزيزي القارئ على معرفة رؤية الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال حول معالجات قضايا الإنتهاكات الإنسانية في الفترة ما بعد الصراع في الدولة السودانية.
وطبيعة الإنتهاكات الإنسانية التي تمارسها الحكومات السودانية والتي تجاوزت المستوى المحلي إلى مستويات إقليمية ودولية ميزها عن غيرها من تجارب الإنتهاكات الإنسانية في دول أخرى.
كما سنحاول من خلال هذه المقالات أن نتعرف معاً على العدالة الإنتقالية وعلاقتها بقوى السودان القديم وكذلك علاقتها بمفاهيم مشروعية العقد الإجتماعي ووحدة الدولة السودانية وحقوق الإنسان وإعادة كتابة التاريخ، والحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية. سنتعرف كذلك على أسس وأدوات تحقيق العدالة الإنتقالية من لجان الحقائق التاريخية وجبر الضرر وغيره.
سنحاول من خلال هذه المقالات أن نحقق أهداف العدالة الإنتقالية في الدولة السودانية من خلال تجربة شاملة وتاريخية فريدة (العدالة والمحاسبة التاريخية) وفق المعايير الدولية بحيث تشمل:
التوعية بالعدالة والمحاسبة التاريخية كجوهر للعدالة الإنتقالية،
إجراء تحقيق نزيه حول الإنتهاكات الإنسانية وكشف الحقائق التاريخية،
تشجيع طرق بديلة تحقق الإنصاف للضحايا بدلاً عن طرق الثأر والإنتقام،
الإهتمام بعملية التوثيق للإنتهاكات الإنسانية،
إعادة ثقة المواطنيين الضحايا في مؤسسات الدولة بعد الإنتقال،
معاقبة الجناة ووضع حد نهائي وإلى الأبد للإفلات من العقاب،
تعويض الضحايا من خلال برامج جبر الضرر،
تسليط الضؤ على النوع الإجتماعي والعدالة الإنتقالية،
ضمان عدم تكرار أي إنتهاكات إنسانية مستقبلاً،
إعادة كتابة التاريخ والعدالة الإنتقالية،
تدور الأفكار الأساسية لهذه المقالات حول مجموعة من التساؤلات، الإجابة عليها هنا أو في أي مدونات أخرى يمكن أن تساعد في إنجاز العدالة والمحاسبة التاريخية في الدولة السودانية جراء الإنتهاكات الإنسانية الكبيرة التي مورست على الضحايا، وتأتي هذه الأسئلة على النحو التالي:
هل العدالة الإنتقالية يمكن أن تتحقق في السودان؟
هل نتوقع أن يكون نموذج السودان فيما يتعلق بالإنتهاكات الإنسانية وتدابير العدالة الإنتقالية مختلف؟
هل الإنتهاكات الإنسانية التي تستهدفها عملية العدالة الإنتقالية، تشتمل على جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية؟
كيف لأدوات العدالة الإنتقالية المحلية أن تضمن عدم الإفلات من العقاب، في الوقت الذي تفشل أو تتراخى فيه أدوات العدالة الدولية؟
كيف لآليات تحقيق العدالة الإنتقالية في الدولة السودانية أن تحقق الإنصاف للضحايا في الوقت الذي تشكل فيه جزء من أدوات القمع والقهر والإضطهاد ضد الضحايا؟
هل المتهمين بإرتكاب جرائم حرب وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية من قبل آليات السلم والأمن والعدالة الدولية يدخلون ضمن إختصاص عمليات العدالة الإنتقالية الوطنية؟
هل ستتم عملية العدالة الإنتقالية في الفترة الإنتقالية، أم أنها ستتم بعد التحول الديمقراطي وقيام حكومة منتخبة؟
ما هي رؤية الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال لعملية العدالة الإنتقالية في الدولة السودانية؟
هل عملية العدالة الإنتقالية ستشمل الإنتهاكات الإنسانية منذ فترة خروج المستعمر وحتى اليوم، أم فترة حكم ما سميت بثورة الإنقاذ الوطني، أم هناك فترات محددة بعينها؟ وماذا عن فترة الإستعمار؟
هل ستستطيع الحكومات السودانية المتعاقبة، أو حتى حكومة الإبادة الجماعية برئاسة المجرم عمر حسن أحمد البشير أو حكومة الفترة الإنتقالية أن تعلن بالأرقام أو بالأسماء عدد أبناء الشعوب السودانية وبالأخص أبناء مناطق الحروب الذين تم إرسالهم إلى محارق الموت في الحروبات الأهلية وحروبات الإرتزاق في الخليج العربي والمغرب العربي ولقوا حتفهم، أو الذين أختفوا قسرياً، أو الذين تم إعتقالهم تعسفياً أو تعذيبهم في سجونها؟
هل ستستطيع آليات التحقيق أن تعلن عن أسماء المتهمين؟
ماهي التحديات التي يمكن أن تواجه عملية العدالة الإنتقالية في الدولة السودانية؟
هل بإمكان كل الملفات التي سيتم تقييدها بإعتبارهم ضحايا إنتهاكات من قبل الآلية الخاصة بذلك الحصول على الإنصاف أو التعويضات؟
ماهي الآثار التي يمكن أن تترتب على عدم الوفاء بالتعويض؟
هل يمكن أن يكون هناك ضحايا خارج الملفات المقيدة رسمياً؟
هل بإمكان الجناة أن يتسللوا إلى صفوف الضحايا ويطالبون بالعدالة و التعويض؟
ما الذي يجعل أو يمكن أن يجعل عملية التعويض غير عادلة وناجزة؟
هل الدولة قادرة على رصد ميزانية كافية لتضميد هذه الجراحات، أم أنه لابد من دعم دولي؟
نتيجة لتأثير الأديان والأساطير في حياة الكثير من السودانيين، هل ستعتبر عملية المصالحة إستجابة لنداء ديني يرتكز على الصفح والعفو؟، أم ستعلو قاعدة عدم الإفلات من العقاب؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.