إبراهيم مرمطون، رمزا ومرموزا للفجيعة والدمار.

يحيى فضل الله

 

في إبريل 1988 كانت هنالك أكثر من 100حالة إعتقال في كادوقلي وكان الجنود التابعون لميلشيات (الأنانيا 2) -القوات الصديقة- المساندة للحكومة قد تمركزوا في كادوقلي وقد كانت الاستخبارات العسكرية تستخدمهم كجناح إضافي لقوات الأمن.
في سبتمبر 1988 زعم الحاكم (عبدالرسول النور) بأنه قد كشف عن وجود منظمة سرية تسمى (نحن كادوقلي)، ضحايا كثر لزعم الحاكم هذا وكان من هولاء الضحايا الأخ الصديق (رمضان جكسا)، مدرب فريق (الشبيبة)، قبلها تم اختراع منظمة تخريبية لأبناء النوبة تسمى (الصخرة السوداء) بقيادة يوسف كوه.
في يونيو 1989 تم حرق ثلاثة لواري تابعة لمؤسسة جبال النوبة الزراعية وأغلقت جميع المشاريع الزراعية بمطلع العام 1990 مما أدى إلى انهيار سوق العمالة المحلية.
إنها كادوقلي في نهايات الثمانينات من القرن المنصرم، كادوقلي من مدينة آمنة تنام على الموسيقى وتصحو على الضحكات -كما وصفها أستاذي (الزاكي جمعة) أستاذ التاريخ بمدرسة كادوقلي الثانوية العليا (تلو) في السبعينات –كادوقلي تتحول إلى منطقة عمليات يعربد فيها حد الخراب المسلحون من الجيش السوداني والاستخبارات العسكرية، القوات الصديقة (الأنانيا 2)، المليشيات، المراحيل، الجيش الشعبي، قوات الدفاع الشعبي، أعذروني على هذا المدخل القاسي والمحتشد بالمشاهد المأساوية وكلها مشاهد التقطتها قراءاتي المتعددة لكتاب (نوبة السودان ومواجهة الإبادة)، الكتاب أعدته منظمة (أفريكان واتش) لمراقبة حقوق الإنسان في إفريقيا عبر حوارات وتقارير إخبارية واستنطاق شهود عيان لأحداث ومجازر وتصفيات وتدمير وحرق القرى والمزارع حول كل أطراف كادوقلي والكتاب نتاج زيارات ميدانية لمعظم جنوب كردفان مدن وقرى وأرياف من الفترة 1994-1995.
لم أكن أتوقع أن مكاناً حميماً أليفاً في ذاكرة الطفولة والصبا يتحول إلى ساحة إعدام، (ميدان الحرية) بكادوقلي حيث كانت تتفجر المدينة فرحاً حميماً يأخذ من ألوان الطيف الثقافي بنصيب وافر ومتنوع من رقص وغناء وكرنفالات واحتفالات ومنافسات الصراع ومباريات كرة القدم، (ميدان الحرية) بكادوقلي الملاذ الأمن للعشاق والمتأملين والمنفلتين والمستأنسين في الليالي المقمرة يتحول إلى ساحة إعدام: ((بعد فشل عملية عسكرية واحدة في منطقة (كرنقو عبدالله) عام 1990 قام الجيش باختطاف اثنين من مواطني القرية في طريق عودته إلى كادوقلي وبأمر المحافظ (عبدالوهاب عبدالرحمن) دعا إلى تجمع شعبي كبير في ميدان الحرية بكادوقلي حتى يشاهد المواطنون الأسرى وخاطب المحافظ جمهور المواطنين قائلاً (إن المتمردين يستحقون العقاب الرادع) تم إعدام الأسرى في تلك اللحظة وأمام الجمهور وتم عرض الجثث على ظهر سيارة مكشوفة على المواطنين)).
هذي إحدى المشاهد الصادمة التي ناوشت ذاكرتي عن مكان يخصني بمقدار ومعيار، (ميدان الحرية) بكادوقلي وكثيرة هي المشاهد الصادمة في كتاب (نوبة السودان ومواجهة الإبادة) ولا زلت أذكر الصدمة التي جعلتني أترك الكتاب مكفياً على المكتبة ولا أعود إليه إلا بعد أكثر من شهر، كنت أتجنب هذا الكتاب المنكفي وكأنني أهرب من تورطي بحقيقة باهظة التكاليف وصعبة الامتصاص وقد كان الكتاب المكفي مكفياً على الآتي: ((لقد بدأت منذ العام 1990 حملة شرسة ضد أبناء النوبة المثقفين ما أدى إلى اختفاء العديد منهم ومن ضمن الذين اختفوا في العام 1990 – 1991 المذكورين أدناه
محمد سوار أسو وهو مساعد طبي أسنان وعضو نقابة المهن الصحية.
عصمت حسن خير السيد، من أبناء (ميري) معلم بمدرسة كادوقلي الثانوية العليا.
يوسف جلدقون من أبناء الدلنج معلم بمدرسة كادوقلي الثانوية العليا.
السر عبدالنبي مالك موظف بمصلحة فحص التربة.
كمال كنو كافي، فني راديوهات.
إبراهيم مرمطون، موظف بهيئة توفير المياه.
أبو زيد شلال معلم بالمرحلة الابتدائية)).
ثلاثة من هولاء المختفين أعرفهم، (عصمت حسن خير السيد)، (السر عبد النبي مالك) و(إبراهيم مرمطون)، نعم، أعرفهم ولي بهم علائق من صداقة وود ومحبة، فما كان علي إلا أن أرمز كل هولاء المختفين والذين أصبحوا في مقام (موتى بلا قبور)، كان علي أن أرمزهم بالكابتن ونجم هلال كادوقلي (إبراهيم مرمطون).
ولأن هذا الاختفاء كان في هذا الزمن المشؤوم 1990 -1991 سأنثر أحوال المنطقة -جنوب كردفان- بين ثنايا الحديث عن الكابتن ونجم كادوقلي المحبوب (إبراهيم مرمطون).
ويرن في ذاكرتي اسم (إبراهيم مرمطون) وتتداعى الصور والحكايات ويطل من الذاكرة هلال كادوقلي في منتصف السبعينات، (محمد علي حمامة) في حراسة المرمى، (حمامة) أيضاً أحد هولاء الـ(موتى بدون قبور)، في الدفاع (آدم علي أنقاطو)، (محمد الرشيد، أب شملة)، (فاروق رحمه) (ميرغني جمعة) أو (فيصل الزاكي)، في الوسط (حسن طيران) و(حسين كنده، كاو) وفي الهجوم (مزمل الرشيد)، (عجبنا)، (محمد سعد) و(إبراهيم مرمطون) وكلما كانت هنالك مباراة بين فريقي الهلال والمريخ في كادوقلي كنت أبحث عن أين يجلس العم (مرمطون) لأكون قريباً منه حتى لا تفوتني أو تضيع مني تلك الانفعالات التي تحرك كل جسده وتقذف به في أحياناً كثيرة إلى تلك الحيرة، حيرة الانتماء، عمنا (مرمطون)، يشجع فريق المريخ وذلك لأن فريق المريخ هو فريق أهله -الفرق الرياضية في كادوقلي تقاسمت الأحياء السكنية، الهلال في حي (كليمو) المريخ في (حجر المك) و حي( الفقراء)، الأهلي في حي (السوق) والموردة في حي (الرديف) و حي (قعر الحجر) وحي (الملكية)، التلال في (السمة) وهكذا، إلا ما شذ من البشر وتعصب للمريخ وهو يسكن (كليمو) أو تعصب للموردة وهو يسكن حي (السوق)– لذلك كان العم (مرمطون) في كل مباراة بين الهلال والمريخ يهتز انتماؤه ويتأرجح ففريق المريخ هو فريقه بحكم أنه فريق عشيرته والتي هي في حي (حجر المك) وفريق الهلال هو الفريق الذي يلعب له ابنه (إبراهيم مرمطون) وهو فريق حي (كليمو) الذي يسكن فيه مع أسرته، كان حرصي على الجلوس بالقرب من العم (مرمطون) كي أراقب انفعالاته تلك النقية والمتأرجحة الانتماء، فكان يركل الكرة في خياله كلما ركلها ابنه (إبراهيم مرمطون) وتارة يتحرك بانفعال حين تكون لفريق المريخ سيطرة على الكرة، لا زلت أذكر تلك السعادة التي احتلت وجه العم (مرمطون) في إحدى تلك المباريات إذ أن فريق المريخ كان منتصراً على الهلال بهدف ولكن ابنه (إبراهيم مرمطون) استطاع أن يحرز هدف التعادل فكان أن تعادلت انفعالات العم (مرمطون) وخرج من دار الرياضة منتشيا، كان العم (مرمطون) لا يحتمل أن يخسر فريق عشيرته أو الفريق الذي يلعب له ابنه وطبعاً هو ينحاز إلى كلا الفريقين في حالة أن تكون المباراة مع الفرق الأخرى، مثلا يكون مع الهلال حين يلعب ضد الموردة وهو مع المريخ حين يلعب ضد الأهلي وهكذا يكون العم (مرمطون) خارح ذلك الانتماء المتعصب للهلال أو للمريخ فهو مريخابي وأحيانا هلالابي وهلالابي وأحيانا مريخابي، منحاز لمشاعر الأبوة تارة ومشاعر الانتماء للعشيرة تارة أخرى وتلك معادلة تستعصي وتصعب على غالب جمهور كرة القدم في السودان ولكن العم (مرمطون) يحقق تلك المعادلة بتلقائية وهو وحده الذي يستطيع أن يبعثر انفعالاته بين المريخ والهلال في نفس المباراة بين الفريقين، لكن إذا حدث وغاب ابنه (إبراهيم مرمطون) عن تشكيلة لاعبي الهلال ضد فريق المريخ حتما سيشهر العم (مرمطون) انفعالاته المتشنجة منحازا للعشيرة المريخية.
في العام 1990 -1991، عام اختفاء الكابتن (إبراهيم مرمطون)، قوات عسكرية من كادوقلي هاجمت قرى (طابولي)، (بلنجة)، (دلوكة) وأحرقت كل المنازل وتم تدمير قرى (ميري) الاثني عشر، حرائق وإطلاق النار على المواطنين، تم حرق العديد من المواطنين داخل بيوتهم، 18 شخصاً قتلوا، تم نهب كل الأبقار وتم حرق قرى (ليما)، (كانقا)، (أبوسنون)، (كوفا)، (المشيشة) و(لوبا)، قامت بهذه العمليات قوات مشتركة من الجيش والمراحيل، طرد المواطنون إلى كادوقلي، النساء الحوامل أجهضن في الطريق، تركت المحاصيل في الحقول، هجرت المتاجر في السوق، لم ينجُ أحداً من ذلك التدمير سوى قريتين كبيرتين هما (ميري بره) و(كحليات) لأن المواطنين كانوا قد نزحوا إلى كادوقلي قبل الهجوم وفي مارس 1990 هاجم الجيش وأحرق قرى (كيقا) و(كوفا)، قتل شخصين في (كوفا) وأربعة أشخاص في (كيقا) وتم اختطاف سبعة نساء وقد سببت هذه الحرائق ضرراً حاداً لدى المواطنين ففي (كوفا) وحدها مات 30 شخصاً بسبب المجاعة وفي سبتمبر 1990 أحرقت قرية (كلكده) وأطلق الجنود النار على طفلة وأرادوها قتيلة وأطلقوا النار على (تيتي مرجان) وقد بتر الرصاص يدها وتم قتل (إدريس كومان)، (محمد أبو النور)، (تولو ليشو) وإخوة (برور) و(حسين عباس) وفي يوليو من ذلك العام الذي اختفى فيه (إبراهيم مرمطون) تم اعتقال (حمدان حسن كوري) وهو قانوني من أبناء (لقوري) ويقيم في كادوقلي وأفرج عنه ثم أعيد اعتقاله مرة أخرى ومع والده الذي يعمل في قوات السجون وتم إعدامهما.
(إبراهيم مرمطون)، لا يملك إلا ذلك التميز كلاعب كرة قدم، لاعب وسط حريف، مهاجم مباغت بقدمه اليسرى المميزة وواحد من أهم من لبس شارة الكابتن في فريق هلال كادوقلي، لذلك يمتلك ويمتلكه حب كل الناس في كادوقلي.
كانت دراجته الرالي المزينة بالأشرطة اللاصقة والملونة تجوب شوارع كادوقلي وعادة ما تستقبله تلك الشوارع مهللة باسمه، ذلك الاسم المحبوب الذي صنعة تميزه في كرة القدم، أبواب المنازل كانت تستقبل طرقاته المهذبة حين يكون في جولته الشهرية لقراءة عداد المياه إذ أنه كان يعمل في هذه الوظيفة التي انسجمت مع نجوميته فكان يدخل تلك البيوت وبدلاً من قراءة العداد فقط، كان الترحاب يتباهى بقدومه وأهل البيت يحاولون وبقدر الإمكان إطالة مدة مكوثه معهم، كان (إبراهيم مرمطون) يمتلك ذلك القبول الذي يحرض على الحب وإلتفاف الناس حوله.
في العام 1990، العام الذي اختفى فيه الكابتن (إبراهيم مرمطون)، قوة كبيرة مكونة من الجيش والدفاع الشعبي جاءت من (هبيلا) وقامت بمهاجمة (قردود البشام) وقتلوا اثنين من المدنين هما (عبدالله سومي) و(لاسارا كودي) وحرقوا كل القرية وأخذوا كل الأبقار والغنم في القرية وقامت الحكومة والمليشيات بحرق كثير من القرى وقد دمروا (موحيلا) و(تميدا) و(كرندل) و(لوبي) (الباتا) و(الفارس) و(تاج) و(أم دردر) وقد نزح المواطنون إلى الجبال وقد قام الجيش بحرق كل محصول العام من الذرة وتم منع المواطنين من الزراعة بإحكام المراقبة وحرق المزارع.
(إبراهيم مرمطون) كان ميالاً للقراءة والإطلاع وكان من المدمنين التردد على مكتبة العم (عابدين) والتي هي عبارة عن كشك في الزاوية الشمالية للجامع الكبير، أذكر أنه جاءني مرة والفرحة في عينيه تتألف مع ابتسامة ضجت بها أسنانه البيضاء كالحليب، كان يحمل معه مسرحية (خطوبة سهير) للكاتب المسرحي والدرامي (حمدناالله عبدالقادر)، كانت المسرحية قد طبعت في كتاب من منشورات مصلحة الثقافة عام 1976، قلب الصفحات وأشار بإصبعه على موضع يعرفه وحين قرأت ما أشار إليه وجدت هذه الأغنية التي كان يتغنى بها (خليل) والد (سهير) وهو قادم إلى خطوبة ابنته وهو يترنح سكرانا على شارع البيت.
((جمال زي ده
أصلو ما شفنا
إنت من كليمو
و لا من مرتا؟))
(كليمو) هو الحي الذي يسكن فيه (إبراهيم مرمطون)، (مرتا) بضم الميم من أحياء الجانب الشمالي من كادوقلي وكأن الأستاذ (حمدناالله عبدالقادر) قد إنحاز إلى أصداء ذاكرته حين كان يعمل بمجلس كادوقلي فكان بهذا الإنحياز قد داعب أوتار تلك الفرحة داخل وجدان (إبراهيم مرمطون)
في العام 1990، العام الذي اختفى فيه (إبراهيم مرمطون) من الوجود كان عام المجاعة وتعطيل المشاريع الزراعية والحرائق والنزوح، النهب المسلح، القتل والموت المجاني وخطف الأطفال وخطف واغتصاب النساء، يحكي (حسن رمضان زكريا)، رئيس قري (كلكده): (( في الصباح، كان من المفترض أن نقوم بدفن طفل يدعى أزهري كان قد توفى وعندما سمعنا صوت الرصاص غطينا الجثة بملاية وهربنا وأتى الجنود وسرقوا حتى الملاية تاركين الجثة بلا غطاء وقتل سبعة مواطنين آخرين وما زلنا نحتفظ باسمائهم وبعد ذلك قاموا باختطاف النساء وكانت زوجتي أول من أخذت عنوة وأخذوا أيضاً (حواء النور) وطفلها البالغ من العمر ستة أيام وكذلك والدتها (حامية) التي كانت تقوم بمساعدتها بعد الوضوع وأخذوا كذلك (ناشا شمو) وابنتها (أم جريدة يوسف) البالغة من العمر 14 عام وكذلك بنت صغيرة تبلغ من العمر سنتين واسمها (كاكا كوميلي) وقد بلغ مجموع المختطفين 20 امراة وطفلاً ولا ندري مكانهم الآن))
ها هو فريق الهلال يدخل إلى الميدان بحماس فاتر وإقدام لاعبيه لا تعرف غير الإرتجاف وذلك لأن (إبراهيم مرمطون) لم يستطع أن يساهم في تشكيل المنتخب ومقعده شاغر بين لاعبي الاحتياطي بالفريق حيث كان يجلس على مقعد (المدرب) بعد أن ترك كل الخانات التي تجول فيها منحازاً إلى خبرته الطويلة في الملاعب.
ها هو جمهور دار الرياضىة بكادوقلي يتحسس وبذاكرة قوية خطوات (إبراهيم مرمطون) على الملعب وتلك الأهداف التي سجلها بضرباته القوية بقدمه اليسرى وصناعته للأهداف بتمريراته التي يصرخ الجمهور مبتهجا بها.
ها هي شوارع كادوقلي لا تملك إلا أن تبحث عن خطواته التي لا تهمل حتى تلك الدروب الصغيرة والأزقة الشاحبة.
ها هي صيحات معجبيه ترتد إلى دواخلهم رافضة القبول بغيابه ذلك القاسي قسوة أيام الظلام والانتهاكات التي حولت كادوقلي إلى منطقة عمليات بدلا من حالة كونها مدينة آمنة.
في العام 1990، عام اختفى فيه (إبراهيم مرمطون) وتحول إلى مجرد جثة مفقودة وتتمانع عليها الحياة بمجرد قبر، أنه عام الكوارث حقاً، ها هو مزارع من منطقة ميري، (موسى كوه جابر تية) يقول: (( إن أسوأ شيء في تلك الفترة كان تصفية المتعلمين، حيث اعتقل العديدون منهم وقتلوا وكان (النور كوه) من المزارعين المتعلمين قد اعتقل وقتل وكذلك (خالد موسى) وهو موظف بريد اعتقل وقتل وكذلك (برير الخليفة)، معلم بالمرحلة الابتدائية وهناك العديد
منهم في كادوقلي لا أعرف اسماءهم))
ها هو (إيراهيم مرمطون) يذهب بعيداً إلى حيث لا يدري أحد وتمارس كادوقلي هذيانها تجاه غياب (إبراهيم مرمطون)، ذلك الهذيان السري للغاية خوفاً من ذلك الغول الذي يسمى بالاستخبارات العسكرية التي قبضت على (إبراهيم مرمطون) كتجلي حقيقي لوسواس الحرب.
تم اعتقال (إبراهيم مرمطون) تحت مسمى غريب اجتاح المدينة من قبل الاستخبارات العسكرية كتهمة، أعتقل (إبراهيم مرمطون) بتهمة أنه من (الطابور الخامس) مع أنه لا يعرف من الطوابير إلا الطابور أمام صراف خزانة مصلحة الإشغال أو هيئة توفير المياه أيام صرف المرتبات.
و هكذا ذهبت الاستخبارات العسكرية بـ(إبراهيم مرمطون) إلى حيث لا يدري أحد وإلى ذلك الغياب الأبدي الذي منعه عن من يحب وعن ما يحب وعن من يحبونه باغتياله وتصفيته.
من كان يصدق أن الوسواس القهري الذي تصنعه الحرب يؤدي إلى قتل الكابتن المحبوب ونجم كادوقلي (إبراهيم مرمطون)؟
بعد إعلان الجهاد في جبال النوبة في العام 1992، كان يمكن للنازجين الذين يقيمون في معسكرات حول كادوقلي رؤية عبارة مكتوبة على جبل يقع على الطريق بين كادوقلي والدلنج ويبعد حوالي 8 كيلو عن كادوقلي، العبارة هي (كادوقلي الجهاد) وحتما، يمكن ان نحصي الخسارات الباهظة من الأرواح والدماء كي تكتب هذه الجملة على جبل في كادوقلي..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.