الجنجويد و التأسيس للمزايدة

✍️ مبارك عمر هارون

 

الحديث عن انو الجنجويد قلبو المعادلة السياسية وأحدثو إختراق كبير في عملية التغيير(المسلح) في السودان التي يتصورها البعض ويروج لها خاصة دعاة الحرب من جانب الجنجويد ويتحركون من الموقف الافتراضي أعلاه على أساس انه حقيقة واقعية يجب التسليم ليها بل وتسوقيها ، هذا كلام غير صحيح وفكرة مضللة جدا ، الجنجويد انفسهم أكبر عقبة في تاريخ التغيير في السودان لأنو عبر تاريخهم وتسمياتهم المختلفة منذ أن كانوا ما يعرف بقوات المراحيل في حكومة السيد الصادق المهدي مرورا بقريش 1 و قريش 2 في بدايات حكومة الجبهة الإسلامية وحرس الحدود بزعامة موسى هلال وفي عهده ظهر مفهوم / مصطلح “الجنجويد ” في حكومة الإنقاذ نفسها من ثم الدعم السريع مؤخرا بعد أن أجاز لهم برلمان الإنقاذ دستور حدد من خلاله طبيعة نشاطهم وتابعيتهم و جاءت الوثيقة الدستورية إبان فترة حكومة حمدوك والمجلس العسكري أكسبتهم المزيد من الشرعية والمشروعية، بإعتبارها قوات مسلحة لها الحق في إحتكار العنف، ظلت هذه القوات “المليشيات ” على الدوام هي التجلي الأكثر عنفاً ومقاومة لإحداث اي عملية تغيير يقود السودان لوضع جديد ، أضف إلى ذلك بأن موقفهم الأخير الذي يدعون فيه وقوفهم بجانب ثورة ديسمبر لم يكن سوا إنحياز لمصالهم ومكتسباتهم التي تحصلوا عليها خلال حكومة الإنقاذ بعد أن عرفوا تماما بأن يد الإنقاذ الباطشة قد تهافتت ولم يبقى غيرهم له القوة والجبروت فإختارو المحافظة على سلطتهم واضافة مزيدا من المكاسب والتقدم في سُلم الثروة والسلطة، كذلك هم الآلة العنيفة الأكثر ضررا بالشعوب السودانية والتي إستخدمتها هذه الدولة القائمة على شرعية الغلبة والعنف ، التمركز/التهميش ،الإستقطاب/ القمع ” دولة ٥٦ او دولة ما بعد الإستعمار ” التي يتحدث عنها الجنجويد نفسهم بمستوى عالي من الجهالة والغباء ، هذه الدولة الآن تحارب أعلى تجليات عنفوانها بعد أن أوصلتنا “الوضعية” مرحلة الحرب الأهلية الشاملة ، وبما أنها تحارب أداة وآلة عنفوانها “المقدسة ” نجدها حرب بلا أخلاق ولا يحكمها أي وازع عكس حروبات هذه الدولة نفسها في السابق سوا في جنوب السودان او جبال النوبة او النيل الأزرق او دارفور ، على الأقل كان للطرف الآخر أخلاق وقيم ومبادئ يقود بها حربه ضد الدولة ويحترم حرمات المواطنين وقد شاهدنا في العام 2008 دخول الشهيد الدكتور خليل إبراهيم بقواته حتى وصل أمدرمان ولم نسمع عن مواطن أُنتُهِكت حرماته من قِبل قوات العدل والمساواة حتى خروجها من أمدرمان وشهد لهم الأعداء قبل الحلفاء على ذلك ، كذلك عمليات تسليم الأسرى التي قامت بها الحركة الشعبية لتحرير السودان/شمال والتي تكررت أكثر من مرة طوال فترة الحرب بين الحكومة والحركة وقبل انفصال جنوب السودان وآخرها كان أسرى معركة أبو كرشولا 2013 وقد شاهد الكثير منا أحاديث الأسرى وكيفية التعامل داخل مناطق سيطرة الحركة وحسب إفادات الأسرى أنفسهم ، وبلا شك إختلاف كبير بين أصحاب “اها لقيت المعاملة كيف”؟! تُسأل هذا السؤال الأخير وتكون قد خرجت من عمليات ضرب وإهانات و لغة منحطة وسيل من الدماء ربما بعد الإجابة و إختفاء المصور تكون قد فاضت روحك، ذلك لأن السؤال الأخير هذا نفسه هو إبن شرعي لعقيدة “اكسح، امسح، ما تجيبو حي .. ما عاوزين عبء إداري ” هذه هي التنشئة التي تربى عليها الجنجويد ويمارسون وزنها ممارساتهم البشعة في كل مكان و زمان،دارفور او الجزيرة أو الخرطوم او غيرها ،تختلف الأماكن ويظل جُرم الجنجويدي ثابت ، فهم ليسو من خارج سياق تلك الوضعية المأزومة بل هم أكثر من إشتغل بجهد لإستدامتها وبقاءها فقط ما حدث مؤخرا هو تضارب مصالحهم في مزيدا من السيطرة والطموح مع مصالح الدولة “المصنع” وزن قانون الجدل ” الوعي يولد مضاداته” حسب “ماركس “وهنا لا نقصد بالوعي = الوعي بالحقوق و الواجبات المشتركة بين جميع السودانيبن والسودانيات في المواطنة والعيش الكريم ، بقدر ما نقصد بالوعي = الانفتاح والكشف عن مداخل جديدة يمكنها ان تكون أدوات لمزيد من الفساد والإستغلال المادي والتمكين على أسس عشائرية بدعومات أكثر تماسك وأقل تأثر من ثم الإستمرار في الإستحواذ علي الموارد بسيطرتهم وصعودهم مدماك في تراتُبية السلطة والتحكم مع آخرين تحركهم ذات الثقافة الريعية السلطوية ” مع وعي شبه مديني لهؤلاء الآخرين و أزياء عسكرية” من خلال ممارسة ثقافة إقتصاد الريع بإعتبارالدولة نفسها مصدرللريع بل هي أكبرمصادره، ولما كان الطموح انتهازي و أعمى وبدون أخلاق ومشروع ونتيجة لوصول الوضعية نفسها ” وضعية الدولة المأزومة ” مرحلة اللاعودة بتعدد تناقضاتها الداخلية في حلبة الصراع، لم يكتمل ذلك الطموح بل تحول إلى حريق شامل وظهر ذلك الجنجويدي المُختبئ وراء ما يسمى ب”قوات الدعم السريع”، ذلك الجنجويدي الذي قتل ملايين السودانيين والسودانيات في دارفور وبقاع أخرى من أرض السودان وليس انتهاءا بجرائم الجنجويد في الجنينة خلال الفترة الإنتقالية قبل هذه الحرب ومجزرة “إعتصام القيادة العامة ” الشهيرة ، لذلك اي حديث عن ديمقراطية من قبل الجنجويد او تحولات سياسية منظمة قائمة على مناهج وفكر وقيم ومبادئ أخلاقية هادفة يشتغلون عليها و”يسمونها ثورة أو مشروع تغيير ” دا كلام ما عندو سند ومغالطة تاريخية و تزييف للحقائق، لأن الجنجويد دائما ما تهزمهم أفعالهم و ممارستهم على الأرض مهما تدثروا بخطابات مثقفين ينتمون لهم في “الفكرة” أو الإنتهازية من المثقفين . فالجنجويد هم مجرمون بالضرورة وهم أبعد من يتحدث عن دولة ديمقراطية تسودها قيم الحرية والسلام والعدالة والمواطنة على أساس الحقوق و الواجبات لأن فكرهم وعقيدتهم القتالية قائمة على الغنيمة وعمليات التهجير والتنزيح وسياسة الأرض المحروقة التي أساسها الأخيرعمليات الإحلال و الإبدال وعمل تغيرات ديموغرافية في مناطق بعينها ونهب الموارد. أضف إلى ذلك الجنجويد ليس لهم أفق او تصور لمفهوم الدولة الوطنية الحديثة ،فهم جماعات فزع عشائرية تجمعهم أواصر القرابة والدم “القبيلة” والانتماء الأولي قبل كل شيء وليست لديهم مشكلة في ان يستعينو بمن ينتمون لهم “ثقافيا” في أي من دول الجوار بدوافع الفزع، الغنيمة ، السيطرة بإعتبار أنهم وجدو ريع في هذه الدولة او تلك ، وحتى لا يتهمنا البعض بالتعميم والإختزال والعنصرية يجب أن يُقرأ كلامنا في سياق ما أُسميه “ثقافة الجنجويد ” بالإضافة إلى المحمولات الثقافية المكتسبة من الثقافة التي جعلت من “أفراد أو مجموعات ” من قبائل او مجموعة ثقافية بعينها تتماهى مع إعتقاد معين و تتشاركه مُشكلة لما يعرف ب “فكرة الجنجويد ” وهو مفهوم تأريخي ، انتجته الوضعية التاريخية المأزومة للدولة السودانية في صيرورة تأريخية معينة ظهر من خلالها ويمكن أن يزول هذا المفهوم متى ما زالت الشروط التاريخية المكونة للوضعية و إنتقال الناس إلى وضع جديد في إطار سيرورة التأريخ وهذا لا يتم إلا بتغيرات هيكلية في البنية الكلية للدولة ، هذه الفكرة التي تم تبيئتها وإنتاجها وإعادة إنتاجها وفق شروط وظروف إشكالية تأريخية معينة بواسطة “الدولة المركزية ” فيما صار يعرف مؤخرا ب”الجنجويد” و هذا لا يعني بأن كل من ينتمي لتلك الثقافة او المجموعة الثقافية أو القبيلة الفلانية جنجويدي ” يجوز ولكن ليس بالضرورة ” بقدر ما أننا أردنا توضيح وتبيان الأسس الأولية التي نشأت عليها “فكرة الجنجويد ” و النواة الأساسية المكونة للفكرة نفسها.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.