حول مذكرة السلطان عبد الرحمن بحر الدين ١٩٥٤ لحكومة الثنائية بمصر ومطالبته بحق تقرير مصير دار مساليت هل من بارقة أمل في المذكرة؟
حب الدين إسحق
تعرضت شعوب سلطنة دار مساليت منذو انضمامهم إلى السودان بشكله الحديث ١٩١٩ الى عملية تهميش الممنهج المتمثلة في العنف الهيكلي من قبل الدولة المركزية عبر عملية الإستبعاد الثقافي والإجتماعي والسياسي والإقتصادي.
حيث تبدلت حكومات عدة في المركز منذ الإستقلال الشكلاني في يناير 1956م المدنية منها والعسكرية ولكن لن تتغير نظرتهم لشعوب دار مساليت( مسرا ، ارنقا ، جبل، اورا، اسنغور، سنجار، الداجو، التاما،القمر ، مراريت…إلخ) بما فيها حكومات التي جاءت بإسم الإنتفاضات فقد عملوا على تهميشهم المستمر والسعي الحثيث لاحتلال أرضهم وتغيير هويتهم توجت بأكثر من ثلاثة إبادات جماعية في أقل من سبعين سنة الأخيرة آخرها الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي تعرضوا لها من قبل مليشيات التجمع العربي في دارفور المسمى(الجنجويد الدعم السريع) في 24 أبريل 2024 أثر اندلاع الحرب في الخرطوم في 15 أبريل 2024 بسبب الصراع الفوقي بين الجيش والدعم السريع من أجل صراع حول السلطة أدى إلى احتلال دار مساليت الشرقي من قبل مليشيات التجمع العربي.
وحسب التقارير المجتمعية ومنظمات الحقوقية الوطنية والإقليمية والدولية اعتبرته العالم بأنها أسوأ جريمة إبادة جماعية والتطهير العرقي وجرائم ضد الإنسانية في القرن الواحد والعشرين من حيث الفظائع وعدد الضحايا ووحشية التصفية الجسدية والطرق المعمولة بها بدعم إقليمي ودولي يقف في مقدمتها دولة إمارات وعدد من طغاة العالم الإمبريالي عرفت بمجزرتي (الجنينة- اردمتا- سربا) بلغت أكثر عشرين ألف قتيل، والألف الجرحى، والمفقودين، وحرق وتدمير المدن بأكملها منها (الجنينة، كرينك ،مسترى، مورني، سريا، سيسي،قبي، هبيلا، فوربرنقا، ارار، كنقو حرازة، تلس،ارزني، بيضة، سواني، مولى،قوكر،كاريي صليعة…الخ).
تاريخ شعوب دار مساليت حافلة بالمقاومة حيث يسجل التأريخ انهم خاضوا عشرين معركة خلال ثلاثين عام ١٨٧٤ ١٩١٠م واخرجوا من أرضهم ثلاثة مرأت ولكنهم استطاعوا تنظيم أنفسهم وعادوا بقوة واستردوا أرضهم وطردوا الغزاة في حقب المماليك والغزو المستعمر الفرنسي، حيث خسروا في معارك الذي خاضوها ثلاثة مرات وانتصروا في ١٧ معركة كانت ضحاياها الملايين وكان ذلك آخرها معركة دورتي في 9 نوفمبر 1910 تغنى لها نساء مسرا بحسرة الموت الكثير أورد منها:
أبري كرندق منوتي أرى- يقولون في جميزة كرندق نكمل سننفنى آخرنا
مسرا كمنج سالنقو – ابشرو يا عيال مسرا
دورتي منتوي درى – فسيكون فناؤنا في دورتي.
دورتي دولنقو ترينقا
مسرا كمنج سويجا اريقي- عيال مسرا أصبحوا ايتام
جوري كدى هبتوا نووتي كوي- رغم ذلك دون المقاومة او الحرب مافي شئ ببقي.
كويقاني لي كيرينق قوور قاتي-إذا تركت ارضك اين تذهب
ليني كويقانوا لادير- ارجع استرد بلدك.
هذه هي حكاوي وأدب نساء مسرا ولسان حالهن بعد حروب الطويلة التي خاضوها فهن يغنن للثبات وللشجاعة وايضآ للضحاياهم وما الت إليه الأمور بماساة الحروب الطويلة.
وبعد انضمام مسرا آلي السودان الإنجليزي ظلوا في حالة حرب دائم منذ ١٩٥٦ حتى وقت كتابة هذه السطور مما يتطلب الأمر لإعادة النظر في الوحدة أعلنوا انضمامهم والمطالبة بتطبيق القانون الدولي فيما يتعلق بإعلانات العالمية الذي تلزم الأطراف الدولية إعفاء بالتزاماتها بما فيها مذكرة السلطان عبدالرحمن بحر الدين لوزير الدولة لشؤون السودان في القاهرة ١٩٥٤ بالإضافة إلي نص مذكرة أتفاق حكومة سلطنة دار مساليت مع حكومة الفرنسية بالوساطة الإنجليزية في ١٩١٩ او ما يعرف أتفاق قيلاني.
وبعد مرور أكثر من 105 من انضمام دار مساليت للسودان الإنجليزي و70 عام من مذكرة السلطان عبدالرحمن عبر سفيره في القاهرة ومطالبته بوضعية الخاصة لدار مساليت آن الأوان للمطالبة بحقوق التاريخية خاصة في ظل الظروف التي تمر بها السودان الإنجليزي من التفكك والإنهيار والتشكل الجديد والغزو على إنسانه وموراده وهويته مما يتطلب الدعوة للوحدة الوطنية بأسس جديدة قائمة على إرادة الشعوب الحرة عبر حق التقرير المصير الداخلي أو الخارجي بعد فشل الوحدة القسرية.
ونورد هنا مذكرة السلطان عبدالرحمن بحرالدين الذي تولى عرش حكومة دار مساليت في عام ١٩٥١ بعد وفاة والده محمد بحرالدين ندوكا واستمر حتى عام ٢٠٠٠ لأهميتها البالغة من الناحية الموضوعية والتاريخية والأسئلة التي أثارتها في وقتها وارتباط ما تناولته من القضايا بوقت المعاصر.
حيث في بدايات توليه وأثناء الترتيبات الجارية لحق تقرير المصير السودان ١٩٥٣ الذي منحه الحكم الإنجليزي والمصري حاول أن يبرز قضية سلطنته ويعرف موقفه في تلك الظروف وحقه ومصير سلطنته ولكن يبدوا ان الأمور سارت بدون اكتراث ومن تلك المحاولات ذهابه إلى مصر لمناقشة الأمر وعندما لم تمكنه الظروف اوكل عمه احمد ادم إسماعيل في مصر ليتولى مقابلة المسؤولين ومناقشتهم وقد كتب المذكرة التالية نص المذكرة:
مذكرة ممثل السلطان عبدالرحمن بحرالدين سلطان دار مساليت
مرفوعة إلى السيد/ وزير الدولة لشئون السودان- القاهرة ١٩٥٤م.
عندما كان السلطان عبدالرحمن بحر الدين سلطان الجنينة دار مساليت غرب السودان موجودآ في القاهرة خلال العام الماضي حاول التباحث مع سيادتكم حول بعض المسائل الهامة التي تتصل بمستقبل السودان ووضع بعض المناطق ذات النظام الخاص ولكن الظروف حينذاك لم تسمح بإجراء تلك المحادثات فأضطر السلطان عبدالرحمن إلى العودة دون تبادل حديث في هذا الخصوص مع المسؤولين في القاهرة.
ولما كنت عما للسلطان عبدالرحمن، ولما كنت أمثل وجهة نظره في القاهرة (ممثل الحكومة سلطنة دار مساليت ) فقط طلب إلي وهو مستعد الرحيل أن أحاول الإتصال بسيادتكم للبدء في مناقشة بعض النقاط الهامة التي أشرت إليها وبخاصة فيما إذا أردت السفر إلى السودان حتى يمكنني أن احمل له وجهة نظر المسؤولين في مصر.
والآن وقد قررت السفر إلى السودان خلال هذا الشهر بعد حصولي على إذن من الناحية المختصة فقد رأيت أنه من واجبي أن أضع هذه النقاط تحت نظر سيادتكم حتى تتخذوا بشأنها ما ترونه وحتى اكون قد قمت بواجبي نحو الطرفين.
اولا: تعلمون سيادتكم أن سلطنة الجنينة (دار مساليت) تقع من الناحية الجغرافية في حدود السودان الغربية ما بين السودان الفرنسي والسودان الإنجليزي حتى أن نصف الجنينة الغربي يقع ضمن منطقة الإحتلال الفرنسي – بينما يقع النصف القبلي فقط ضمن السودان المصري الإنجليزي.
ثانيا: من الناحية السياسية تعلمون سيادتكم أن المغفور له سلطان محمد بحر الدين سلطان الجنينة الراحل عندما ووجه بالضغط الفرنسي عام ١٩١٠م أثناء الحروب التي قامت بينه وبين قواتهم الزاحفة أضطر إلى الإتصال بالقوات الإنجليزية طالبا يد المعونة ضد الفرنسيين او لقيام صلح بينهما فتوسط الإنجليز بين الطرفين لعقدة معاهدة عام ١٩١٧م تنص على تعيين مناطق النفوذ بين الفرنسيين والانجليز كما نصت على إعطاء الضمانات الكافية للسلطان بحماية حدوده وعدم التدخل في شؤون البلد الداخلية.
ثالثا: تعلمون سيادتكم أن عصبة الأمم المتحدة أوفدت عام ١٩١٩ وفدآ لتقسيم السودان الإنجليزي المصري وحددت المناطق إلى دارفور- اما حدود تشاد ألحقت بفرنسا كما ألحقت دار مساليت ببريطانيا وظل الحال على ذلك حتى عام ١٩٥٤ حيث وقعت إتفاقية السودان.
رابعا: إزاء التغييرات السياسية الأخيرة ومنح السودان حق تقرير المصير فقد رأت الحكومة البريطانية منح الجنينة بصفتها تابعة لها رأسا كما تقضي معاهدة ١٩١٩م حرية تقرير المصير اي ان من حق سلطان الجنينة اختيار الطرفين- اما الإنضمام إلى فرنسا أو الإنضمام إلى السودان المصري الإنجليزي في وضعه الجديد او وضع الذاتي المستقل.
خامسا: إزاء ذلك فقد رأى السلطان عبدالرحمن بحر الدين أن حالة الجنينة (دار مساليت) ووضعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي تتطلب منه اختيار موقف معين يتيح للجنينة الإستفادة من مصر وبريطانيا وفرنسا أيضا اي ان الظروف تقتضي عدم الإنضمام نهائيآ إلى أحد الجانبين وان الأولى والأهم هو إتخاذ دور الصديق او بمعنى أدق المستفيد من الطرفين.
سادسا: و هكذا أستقر راي السلطان عبدالرحمن بحر الدين على أن تكون الجنينة (دار مساليت)منطقة دولية او منطقة محايدة على أن تظل تحت الوصاية الثلاثية مصر وبريطانيا وفرنسا حتى تصل في المدى المقرر “إلى قرارها النهائي”
احمد ادم إسماعيل.
مصر ١٩٥٤م
هذه المذكرة الذي رفعه ممثل سلطنة دار مساليت عم السلطان عبدالرحمن بحر الدين ويقول عنه المورخ ابراهيم يحي في كتابه مسرا (لم نجد له ردآ مكتوبا ولم نجد ما الت إليه الأمور ،ولكن يبدو أن الأمر لا يزال معلقا وفي حاجة إلى مراجعة الأطراف المعنية، وإعطاء كل ذي حق حقه) ص- ٤٨٣.
وبناءأ عليه وتعضيدا للحديث المورخ ابراهيم يحي فإن الحكومة الثنائية لم تقوم بالرد في وقتها وحتى اليوم ولكن الإلتزام القانون الدولي تسمح مجددآ مخاطبة جهات الدولية حيال القضايا المرفوعة لأن نفس تلك القضايا المرفوعة في عام ١٩٥٤ حاضرة الآن وبل تضاعفت مصاعب الوحدة الذي اورثته المستعمر الخارجي لنخب الجلابة الذي كان لهم دور الاكبر في إضعاف شعوب دار مساليت وتمكين التجمع العربي حتى تسنى لها الأخيرة إعلان مزاعم الإحتلال، وإعلان دار عرب بدلآ من دار مساليت حسب زعمهم في يوم ١٥ يونيو ٢٠٢٣!
فإن الأمر تتطلب بالإضافة إلي مجهودات مشروع التحرير الذي سيظل خيار موضوعي أكثر نجاحا لاسترداد الأرض كما اتبعته الأسلاف ضرورة الضغط الدولي الدبلوماسي ومطالبة بايفاء بإعلان قيلاني ومذكرة حكومة دار مساليت عبر ممثليه احمد ادم إسماعيل المرفوعة باعتباره وجه حق والسعي بكل الطرق والوسائل للطرد الغزاة.
هذه المذكرة كانت موجودة في دار الوثائق السودانية والمصرية ولا ندري عما حدث لها بعد حقبة تزوير التاريخ الذي اتبعته الحكومات الاسلاموعروبية والدراسات الشرق الأوسطية بما فيها الحقبة الأخيرة حقبة التتر الجنجويدي وورد هذا المذكرة أيضا في كتابات عدة من ضمنها في كتاب المورخ الراحل وإلي غرب دارفور الأسبق ابراهيم يحي عبدالرحمن تحت عنوان المساليت مسرا masaraa سلطنة دار مساليت- ٢٠٠٨ – في صفحات (٤٨٣،٤٨٢،٤٨١،٤٨٠).
ختاما: أن الأزمة دار مساليت لا تختلف عن بقية الأزمات في السودان المختلفة ويمكننا تسميته أزمة مركز الاسلاموعروبية في دار مساليت على شاكلة أزمة الإسلاموعروبية في جنوب السودان سابقا وجبال النوبة وإقليم الفونج الجديدة ودارفور وشرق السودان وهلموا جرا، فالقاسم المشترك هو هينمة الأقلية لمقاليد السلطة وفرض هويتها الخاصة عبر جدلية عملية الاختزال والتعميم وسعيها إلى تطبيق أجندته تحت كافة الوسائل من ضمنها عملية الإبادة الجماعية والتطهير العرقي على غرار ما حدث ويحدث لشعوب دار مساليت ولغيرها من شعوب المهمشة مما تطلب ضرورة التسلح بنظرية ثورية تسطيع تشريع الحالة بثقب النظر والاستفادة من التاريخ في عملية التحرير وإعادة الكرامة والعمل جماعيآ مع كافة شعوب المهمشة في السودان.
ان تسقي من دمه رمحك
أن تصلبهم عبر الفلوات
أن تجعل موتاهم مثلا
باسم بلادك ناديت
لن يحجبني عن حبك شيء.
فاليستمر النضال والنصر اكيد
حب الدين حسين إسحق
السبت 6 أبريل 2024م
كريندق هي : قرية تقع جنوب شرق كبرى كجا الجديد الرابط بين مدينة الجنينة بالجانب الغربي بالشرقي وكان بها شجرة جميزة كبيرة دارت فيها المعركة الأولى بين المساليت والفرنسيين في عام 4 يناير 1910.
قيلاني: اسم قرية تقع جنوب غرب الجنينة داخل أرضية التشادية حاليآ وهي منطقة الذي التقى فيه المساليت والفرنسيين بوساطة إنجلترا ووقعوا إتفاق بين الطرفين في عام ١٩١٧ عرفت باتفاق قيلاني.