من سلسلة أعرف هويتك (١)

الدكتور عمر مصطفى شركيان

 

بينما كنت أقلب بعض أوراقنا القديمة المكدسة في الصناديق، وذلك بحثا عن ثمة وثائق، وإذا بنا نعثر على قصيدة كان أحد الرفاق قد أرسلها لنا منذ زمن ليس بقصير، حتى مضى عليها حين من الدهر، ولم تكن شيئا مذكورا، وقد احتفظنا بها كدرة من الدرر الثمينة مع تلك الأشياء المحببة إلى أنفسنا، والتي اعتدنا الاحتفاظ بها إلى حين أو بعض الأحايين؛ وإذا بنا بالكاد نهرول مستصرخين “يوريكا” كما خرج الفيلسوف الاغريقي القديم من حوض السباحة مهرولا، وقائلا “يوريكا”، أي وجدته، وبقية القصة معروفة، وإن حالته التي خرج بها من حوض السباحة لمعروفة أيضا؛ ثم إذا بنا نعيد قراءتها على أن نهضمها بفهم جديد، لأن ليس كل ما يقرأه المرء من الوهلة الأولى يضاهي ما قد يقرأه في المرة الثانية، أو حتى الثالثة، فقد يتغير الفهم، ويختلف الاستيعاب، ويتبدل المزاج، لأن الإنسان يمر بتجارب يوميا، ناهيك عن صروف السنوات، ومناكب الدهور، ويتعلم من هذه التجارب دروسا وعبرا، إيجابية كانت أم سالبة.
بيد أن الذي شدنا إلى هذه القصيدة المرسلة إلينا في ذلك الردح من الزمان شيئان: أولهما، إنها لتخاطب هويتنا نحن معشر النوبة خصوصا، والافارقة عموما، وتحثنا على أن نفتخر بأصولنا، وتشجعنا على الاعتداد بأنفسنا. ثانيهما، إن القصيدة جاءت على وزن قصيدة الشهيد الراحل القائد يوسف كوة مكي – يرحمه الله رحمة واسعة، وجعل قبره روضة من رياض الجنان – “افريقيتي”. انطلاقا من ذينك السببين حاولنا ما وسعتنا المحاولة أن ننشر بعضا من أبيات الرفيق جميل مكي عبده، وذاك اسمه، مستأذنين منه أينما كان، ومناجين الله الواهب العطاي أن يغشاه بالسعادة والبهجة، حيث انقطعت بيننا وبينه الصلة لفترة ليست بقصيرة، وعسى أن يجد ما جادت به قريحته الشعرية، وسكبه مدادا بيراعه في شكل قصيدة مخاطبة الهوية الأفريقية، أن يعاود الاتصال بنا، ومن ثم نتعانق فرحا وحبورا من جديد. كما أن القصيدة، التي قصدها (مع تشديد وفتح الصاد) في ١٠ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٢م، تتألف من ٩٣ بيتا، فسنحاول في هذه السانحة أن نسلط الأضواء على بعض من أبياتها، وعنوانها “هويتي”:
هويتي
شعر: الأستاذ جميل مكي عبده
تحقيق: الدكتور عمر مصطفى شركيان

من أنا أسأل عن هويتي
لأي الشعوب انتمي
لأي الأقطار نهتوي
في أي الكواكب نحتمي
من أنا
أبي أمي أخي أختي أين أوطان جدي
أين تاريخ شعبي وأمتي
لأي المدارات سوف يكون تحولي
من أنا
ابن الأبنوسي لوني
صاحب الحضارات أرضي
قلب السودان أصالتي
زنجي أنا لا أنكر زنجيتي
هو أصالتي ورمز شعبي ونضالي
أفريقي أنا… بسودانيتي
في لوني… وثقافتي
في سماتي… وقلادتي
من أنا
أسأل عن هويتي يا أبناء شعبي
وطني ملاذ ابائي وأجدادي
كوش بلادي والبطل بعانخي
سلالة الحامي دمي

إلى آخر القصيدة، ولا يسعني في هذه السانحة إلا أن أبث الرفيق جميل مكي عبده التحايا الثورية أينما كان، وكيفما كان.

بريطانيا
السبت، الموافق ١٨ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٢٣م

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.