كمرد عبد الواحد، اصحي يابريش- جبهة عريضة ام كتلة تاريخية، فالتاريخ لا ولن يعود للوراء.

خالد كودي، بوسطن

 

تحالف “تأسيس” وثورة ديسمبر: هل يمكن أن نعيد عقارب التاريخ إلى الوراء؟
مدخل في التاريخ والثورة:
في فلسفة التاريخ، لا تُقاس اللحظات المفصلية بما يُقال عنها، بل بما تؤسس له من تحوّل في بنية الزمان والمجتمع.
وكما كتب الفيلسوف الألماني هيغل:
“البوم لا يحلّق إلا عند الغسق”
أي أن فهم التاريخ لا يحدث في لحظته، بل في مساء تأمل التجربة بعد اكتمال مآلاتها.
وحين نتحدث عن الثورات، فإننا لا نستعيدها كأحداث، بل نستخلص ما تجاوزته وما لم تقدر عليه. الثورة ليست لحظة عاطفية، بل نقلة في شروط التفكير والفعل. ولهذا قال ماركس:
“”الثورات هي قاطرات التاريخ.
لكنها قاطرات لا تعود إلى المحطات القديمة

استجابة لموقف الرفيق عبد الواحد محمد نور:
في حواره الأخير مع قناة الحدث، قدّم الرفيق عبد الواحد محمد أحمد النور موقفًا يتسم بالوضوح في المبادئ، حيث أقرّ بتطابق مبادئ حركة تحرير السودان التي يتراسها مع ما ورد في ميثاق تحالف “تأسيس”: العلمانية، العدالة، تفكيك الدولة المركزية، والمواطنة المتساوية.. الخ… لكنه أعلن تحفظه على طريقة تكوين التحالف، وفضل الحديث عن “استعادة ثورة ديسمبر”، التي اعتبر أنها اختُطفت بواسطة العسكر، ويريد استعادتها ببناء جبهة مدنية واسعة.
غير أن هذا الطرح، رغم صدقه، يتجاوز ديناميات التحوّل العميقة التي مر بها السودان، ويقع في تناقض تحليلي وتاريخي كبير.

أولًا: متى اختُطفت ثورة ديسمبر… ومن الذي اختطفها؟
ما لا يمكن تجاوزه تاريخيًا هو أن اختطاف ثورة ديسمبر لم يبدأ مع انقلاب البرهان في 25 أكتوبر 2021، بل بدأ قبل ذلك بكثير، وتحديدًا يوم اقتسمت قوى “الحرية والتغيير” السلطة مع الجيش تحت مسمى “الشراكة”.
لقد وقّعت هذه القوى على وثيقة دستورية مشوّهة (أغسطس 2019)، فتحت الباب لتقنين الهيمنة العسكرية، وتغاضت عن قضايا مثل تفكيك الجيش، العدالة الانتقالية، حق تقرير المصير، علمنة الدولة، بحجج تتعلق بـ”الواقعية السياسية””
أكثر من ذلك، تحولت هذه القوى من “قادة ثورة” إلى بيروقراطية إصلاحية ضعيفة، عاجزة عن اجتراح قرارات مفصلية، ومأسورة بمنطق “الانتقال السلمي”، رغم أن الواقع كان يصرخ بانفجار ثوري. ولذا فالثورة لم تُخطف فقط، بل تم تسويفها ثم تصفيتها سياسيًا.
لقد كان حمدوك، رئيس الوزراء في تلك الفترة، جزءًا من هذا السياق، ورغم نواياه المعلنة، لم يمتلك الأدوات أو الرؤية الثورية الكافية لقيادة تحوّل تاريخي.
وهنا نستدعي تجربة الثورة الروسية، حين حذّر لينين من أن العودة إلى “الائتلافات مع البرجوازية” تعني خيانة الثورة.
وكذلك في الثورة الفرنسية، حين أدّى تباطؤ “الجيرونديين” إلى فتح الطريق أمام الثورة المضادة.
الثورات تُخطف دائمًا عندما تُدار بعقلية الصفقات لا بمنطق التأسيس

ثانيًا: السودان بعد الحرب ليس هو السودان قبلها:
مَن يتحدث اليوم عن “استعادة ثورة ديسمبر”، يظن أن الظروف ما تزال قابلة لاستئناف المسار السابق. لكن السودان تغيّر إلى الأبد، والتاريخ لايرجع للوراء.
– هناك انهيار فعلي للدولة المركزية
– هناك تمرد صريح من الأطراف على منطق الخرطوم
– هناك إعادة تشكّل كاملة في ميزان القوى، وفي تصوّرات الناس عن الدولة والوطن والمواطنة
لم تعد فكرة “جبهة مدنية واسعة” ممكنة دون تحديد واضح للمبادئ فوق الدستورية، مثل العلمانية، العدالة التاريخية، الحق علي تقرير المصير، تفكيك الجيش القديم، وبناء جيش جديد. هذه ليست تفاصيل، بل شروط وجود سياسي وأخلاقي
ولهذا فإن تحالف “تأسيس” جاء كاستجابة لهذه اللحظة، وليس كبديل عاطفي. بل بوصفه تجاوزًا نقديًا لمحدودية ثورة ديسمبر.

ثالثًا: القوى التي يعوّل عليها عبد الواحد… مراوغات النخب أم إرادة التأسيس؟
حين يدعو الرفيق عبد الواحد محمد نور إلى “استعادة الثورة” عبر تكوين جبهة مدنية واسعة، تشمل الأحزاب عدا المؤتمر الوطني، وتشمل والمنظمات الشبابية والنسوية، ومنظمات المجتمع المدني … الخ… فإن السؤال الجوهري يصبح: هل هذه القوى، كما هي اليوم، تُبدي استعدادًا سياسيًا وأخلاقيًا للانخراط في تغيير جذري حقيقي (ليس نموذج الحزب الشيوعي)؟
وهل تملك فعلًا الرغبة أو المصلحة في تفكيك بنية الدولة السودانية كما يعرفها الجميع منذ الاستقلال؟
الإجابة المُوثقة، والمنبثقة من تجارب السنوات الخمس الماضية، هي: لا
ولنستعرض الأمر بوضوح:
– هل أعلنت هذه القوى دعمها لعلمانية الدولة؟ لا. بل تمادت في تقديم بدائل ضبابية مثل “الدولة المدنية”، هربًا من المواجهة مع المؤسسة الدينية التي تشكّل إحدى ركائز النظام المركزي.
– هل أقرّت هذه القوى، بوضوح، بحق تقرير المصير؟ لا. بل أنكرت هذا الحق الدستوري والدولي تحت ذريعة “الحفاظ على وحدة السودان”، في حين أنها لم تضمن أساسًا هذه الوحدة عبر المساواة والمواطنة الحقيقية.
– هل دعت إلى تفكيك الجيش وبناء جيش جديد؟ لا. بل تمسّكت بخطاب “الجيش القومي” دون مساءلة لتاريخ هذه المؤسسة في الانقلابات والمجازر، واكتفت بمصطلحات مائعة مثل “إصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية” وما اليه.
– هل واجهت بصدق السلطة التي قتلت المتظاهرين؟ لا. بل فاوضت معها، ودخلت في شراكات معها، وصفّقت لها حينًا، ثم تباكت عليها لاحقًا.
والأدهى من كل ذلك، أن هذه القوى مارست التحايل اللغوي، مستخدمة مفردات مثل “التوافق”، و”العدالة الانتقالية”، و”الوثيقة الدستورية”، لتجنّب أي صدام مع بنية الدولة الموروثة.
لقد رأينا هذه الأحزاب – من حزب الأمة إلى الحزب الشيوعي، مرورًا بالمؤتمر السوداني والبعث – كيف اختزلت الثورة في مسارات ناعمة، ومواثيق نُسجت داخل غرف مغلقة، وصفقات نُسّقت مع العسكر بدعوى الواقعية وانتجت وثائق تتنكر الي المبادئ الثورية ولاتزال تدورها. وها هي اليوم، لا تزال تُناور وتحاور، دون أن تقدّم إجابة واحدة صريحة عن قضايا جوهرية مثل: علمنة الدولة، العدالة التاريخية، الحق في تقرير المصير، وبناء كتلة تاريخية جديدة، وكذا الحال مع الكثبر من المنظمات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني للأسف!
ولذلك، فإن الرهان على هذه القوى ليس فقط انخداعًا بالتاريخ، بل إعادة تدوير للفشل مع سبق الإصرار!
إن العودة إلى من فشلوا في حماية ثورة ديسمبر، واستئناف المسار معهم دون مراجعة جذرية وبضمانات، هي أشبه بمن يركض خلف شبح في متاهة زمنية.
والأمم التي تكرّر تحالفاتها مع من فشلوا، دون مساءلة أو تغيير في الشروط، لا تؤسس لثورة، بل تهيئ لانكسار جديد.
ولهذا، فإن تحالف “تأسيس” لا يرفض هذه القوى لمجرد خصومة، بل لأنها لم تقدّم حتى الآن موقفًا مبدئيًا واحدًا يتطابق مع المبادئ التي تنادي بها الحركة الثورية!
وكما قال غرامشي:
“إن القديم يحتضر، والجديد لم يُولد بعد، وفي تلك اللحظة، تنتشر أعراض المرض الأخلاقي والسياسي.”
وتلك الأعراض، نراها اليوم في كل خطاب يتحدّث عن “استعادة الثورة”، دون أن يملك شجاعة تسميتها كما هي: ثورة مخطوفة، ومعطوبة، فشلت نخبها في حملها نحو المستقبل.
السودان لا يحتاج استعادة ديسمبر، بل اجتراح ما بعدها.
وتحالف “تأسيس” هو هذا الاجتراح.

رابعًا: تحالف “تأسيس” كتجاوز لا قطيعة:
ليس المقصود من تأسيس أن يلغي ما قبله، بل أن يتجاوز ما لم يعد صالحًا لبناء دولة جديدة. وهو تحالف لا ينطلق من “الكمال”، بل من الضرورة. من ميزان القوة. من الحاجة إلى مشروع يتجاوز التسويات، ويطرح بوضوح:
– من هو المواطن؟
– من يملك الحق في الأرض؟
– من يحكم؟ وبأي شرعية؟
– ما معنى العدالة؟
هذه الأسئلة لم تجرؤ ثورة ديسمبر على طرحها. وثمة حكمة تقول:
“إذا أخطأت الطريق في بدايته، فلا فائدة من المشي السريع”

خامسًا: لماذا لا يمكن العودة إلى الوراء؟ ولماذا الكتلة التاريخية لا الجبهة العريضة؟
إن دعوة الرفيق عبد الواحد محمد نور إلى إعادة تشكيل “جبهة مدنية عريضة” – تضم كل القوى السياسية والمدنية – تنطلق من رغبة وطنية صادقة في وحدة قوى التغيير، لكنها تعاني من إشكال جوهري: هي دعوة لا تعترف بتغيّر الشروط الموضوعية للصراع ولا بضرورة التقدّم لا التكرار.
الحديث عن جبهة من الصفر، بعد خمس سنوات من التجارب والخيانات والانقلابات، يعني فعليًا إعادة الثورة إلى لحظة انكسارها الأولى. هذا ليس فعلًا تأسيسيًا، بل محاولة إنعاشٍ لبنية سياسية ثبت عجزها.
بلغة التاريخ، هو نكوص ثوري، لا مبادرة ثورية.
فالجبهة العريضة كما تُطرح، ليست سوى آلية بيروقراطية لإدارة التناقضات، لا لتفكيكها. إنها إعادة إنتاج لصيغة قوى “الحرية والتغيير” بنسخها المختلفة: شراكات انتقائية، توزيع حصص، وتوازنات على حساب المبادئ.
كتب بول ريكور:
“كل مشروع يستند إلى الماضي وحده، ينتج ذاكرة انتقائية، لا رؤية للمستقبل.”
وما تقترحه الجبهة العريضة هو إدارة الماضي، لا تأسيس المستقبل.
على النقيض، فإن تحالف “تأسيس” هو فعل تأسيسي جذري ثوري، مبني على تجاوزٍ واعٍ للتجربة السابقة، لا تجاهلها. والكتلة التاريخية التي يقودها، لا تكتفي بجمع مكوّنات متفرقة، بل تبني اصطفافًا جديدًا على أساس المبادئ فوق الدستورية، لا الموازنات السياسية:
وفي هذا السياق، فإن دور القائد عبد الواحد محمد نور لا غنى عنه، لا بوصفه طرفًا موقّعًا، بل بوصفه أحد الأسماء الأكثر التزامًا، من حيث الخطاب والممارسة، بقيم التأسيس الجديدة: العلمانية، المواطنة، التحرير الوطني، مقاومة المركز.
إنه ليس مدعوًا فقط للالتحاق بهذه الكتلة، بل للمساهمة في قيادتها وتعميق مشروعها الثوري، بدلًا من الارتهان لمعادلات نعرف – ويعرف هو – أنها لم تنتج إلا الفشل.

سادسًا: تحالف “تأسيس” ليس بديلًا عن ثورة ديسمبر… بل تجاوزها الجدلي:
ثورة ديسمبر كانت محطة تاريخية كبرى، ولكنها لم تُترجم إلى مشروع سياسي تأسيسي. لقد حوصرت بين الأيديولوجيا والتكتيك، وانتهت بسلطة هجينة لم تجرؤ على طرح الأسئلة الكبرى:
– من هو المواطن؟
– ما هي الدولة؟
– من يملك السلاح؟
– ما حدود العدالة؟
وحين اختارت قوى الثورة شراكة مع الجيش، سقطت كل أجوبة الثورة، وبقيت الأسئلة معلقًة.
تحالف “تأسيس” لا يأتي بديلًا عن هذه الثورة، بل يقدم تجاوزًا جدليًا لما أنجزته وما أخفقت فيه.
كما كتب هيغل:
“النفي لا يعني الإنكار، بل التقدّم إلى ما هو أوسع وأكثر تعقيدًا.”
وتأسيس هو نفيٌ لا يُلغي ديسمبر، بل يحملها إلى أقصى ما كانت تطمح إليه ولم تصل.
لأول مرة، منذ الاستقلال، نجد أنفسنا أمام مشروع سياسي ودستوري مكتوب، يتضمن دعائم فوق دستورية، لا تقبل التسويات ولا التأجيل:
– العلمانية الكاملة: لا كترف فلسفي، بل كشرط للعدالة والمساواة
– الحق في تقرير المصير: لا كدعوة للانفصال، بل كضمانة ديمقراطية ضد الطغيان
– تفكيك الجيش القديم: لأنه بُني على القهر، لا على المهنة
– العدالة التاريخية: لا العدالة الانتقالية التجميلية، بل المحاسبة الكاملة
– تحاف قوى الهامش والتغيير الجذري: لا إدارة الخلافات بين مكونات النخبة
كتب غاستون باشلار:
“التقدّم لا يتم عبر التراكم، بل عبر القفز إلى مفاهيم جديدة.”
وتحالف “تأسيس” هو هذا القفز الضروري، لا التراكم البطيء للخيبات القديمة.

سابعًا: في مسألة التحالف مع الدعم السريع – قراءة سياسية لا ابتزازًا أخلاقيًا:
إن استخدام التحالف مع قوات الدعم السريع، وما ارتبط بها من سجل حافل بانتهاكات حقوق الإنسان من البعض، كذريعة لرفض الانخراط في مشروع “تأسيس”، أو للتنصّل من دعم ميثاقه علنًا، لا يعدو كونه موقفًا انتقائيًا يفتقر إلى العمق السياسي فكثيرًا ما تُستدعى هذه الحجة، لا من باب الالتزام بقيم العدالة، بل للهروب من الأسئلة التأسيسية التي يطرحها الميثاق، من قبيل: العلمانية، تفكيك المركز، بناء جيش جديد، وإعادة تعريف المواطنة. وهذا ما تفعله الكثير من كيانات النخب.
أولًا، تنص المادة (11) من دستور “تأسيس” الانتقالي بوضوح صارم على أن:
“العدالة وعدم الإفلات من العقاب مبدأ تأسيسي لا يخضع للمساومة أو التأجيل، ويسري على كافة الأطراف، بمن فيهم الموقعون على الميثاق، دون أي استثناء”.
ثانيًا، وفي موقف نادر في تاريخ السياسة السودانية، قال القائد عبد العزيز آدم الحلو علنًا في لقاء موثق:
.”أي زول ارتكب جريمة يُحاسب، حتى لو من الحركة الشعبية”
هذا التصريح، ببساطته الظاهرة، يمثل انعطافة أخلاقية مفصلية: إذ ينقل النقاش من منطق الحصانات التاريخية أو التبريرات السياسية، إلى أرضية قانونية شاملة تربط الشرعية السياسية بوضوح الموقف من العدالة، لا بتوازنات القوة.
في المقابل، فإن معظم القوى التي يُعوّل عليها الرفيق عبد الواحد اليوم – من بعض من يُحسبون على ما تبقى من “ثوار ديسمبر” أو قوى مدنية تقليدية – لم تُبدِ أي التزام صريح تجاه القضايا التأسيسية الكبرى. بل هي القوى ذاتها التي:
– ترفض الاعتراف بالعلمانية كضمانة للحقوق المتساوية؛
– تهرّبت من أي حديث عن تقرير المصير؛-
– لم تطرح يومًا تصورًا لتفكيك الجيش أو إعادة بنائه؛
-واكتفت، حين كان الشعب يُذبح، بالبيانات الخجولة أو بالشراكات الرمادية مع العسكر
إن الموقف الأخلاقي الحقيقي لا يُقاس برفض الآخرين فقط، بل بوضوح الالتزام بالمبادئ حين تتقاطع مع المصالح. وتحالف “تأسيس”، على عكس خصومه، لا يخجل من الاعتراف بالتعقيد، ولا يتورّع عن مساءلة الذات.
وعليه، فإن الانشغال بتحالفات “تأسيس”، دون مساءلة حقيقية لوثائقه، هو ابتزاز أخلاقي بوجه ليبرالي، يخفي وراءه عجزًا عن مواجهة القضايا الجوهرية في مشروع بناء الدولة الجديدة، وهذا الامر لايخفي علي كمرد عبد الواحد.
وكما كتب المفكر القانوني رونالد دوركين:
“العدالة لا تبدأ من اتهام الآخرين، بل من قبول أن القيم العادلة قد تُحاسب من يرفع رايتها قبل أن تحاسب خصومه”
وهذا بالضبط ما فعله “تأسيس” علي لسان كمرد الحلو وما تهربت وتتهرب منه معظم القوى الأخرى.

ثامنًا: لا يمكن بناء المستقبل بأدوات الأمس – ومَن يخشَ القطيعة، لن يصنع التاريخ:
كتب المفكر أنطونيو غرامشي في وصف لحظات التحول الكبرى:
“في فترات التحوّل، لا يُهزم النظام القديم فحسب، بل يولد النظام الجديد من بين أنقاضه، بآلامه وتناقضاته”
وبناءً على هذا الفهم، فإن إعادة إنتاج معادلات القوى المدنية القديمة، أو التمسك بفكرة “الجبهة العريضة” التي لم تتبلور يومًا كقوة تأسيس، ليس خيارًا واقعيًا ولا تاريخيًا. السودان اليوم لا يحتاج إلى “استعادة مسار” ثورة ديسمبر، بل إلى تجاوزها بثقة وبوصلة جديدة، تنبني على الاعتراف الصريح بجذور المأزق: المركز، الدين، العسكر، واللامساواة الهيكلية العنصرية الماسسية.
المطلوب ليس “صيغة وفاق” جديدة، بل إعادة تعريف مفهوم الوطن نفسه على أسس غير قابلة للتفاوض، في مقدمتها:
– المواطنة الكاملة.
– العلمانية كشرط عدالة.
– الحق في تقرير المصير كأفق قانوني وديمقراطي.
محاسبة كل الجناة، لا انتقائية في الضحايا أو الجلادين.
وبالتالي، فإن مشروع “تأسيس” – كما ورد في ميثاقه ودستوره – لا يتناقض جوهريًا مع المبادئ التي تتبناها حركة تحرير السودان، بل يطرح لها وعبرها صيغة سياسية جديدة لا تُراوح عند التوصيف، بل تتقدّم إلى الفعل.

وإذا كان الرفيق عبد الواحد يرى أن اختلافه مع تحالف “تأسيس” يتعلق بـ”الشكل لا المضمون”، فإننا، بكل تقدير، نؤكد أن التاريخ لا يُصاغ بالنيات المؤجلة، بل بالمبادئ التي تجد طريقها إلى الفعل. في التجارب الثورية، لم يكن “الشكل الأمثل” شرطًا لبدء التحول، بل نتيجةً لجرأة البدايات. فالمسارات التأسيسية لا تنتظر اكتمال الإجماع، بل تبادر إلى بنائه عبر الممارسة، لا الترقّب.
وكما قال أنطونيو غرامشي:
“اللحظة الثورية لا تكتمل حين يتفق الجميع، بل حين يجرؤ البعض على الفعل”

اخيرا: تحالف “تأسيس” ليس وجهة للانضمام… بل منصة لبناء المستقبل المشترك:
إن احترامنا العميق لمسيرة الرفيق عبد الواحد محمد أحمد النور لا ينبع فقط من ثباته المبدئي، بل من دوره التاريخي في صياغة خطاب التحرير والعدالة على مدى عقدين. لكن اللحظة التاريخية التي نعيشها اليوم ليست لحظة تقييم نوايا، بل لحظة اتخاذ قرارات كبرى. ولسنا هنا لنقترح “انضمامًا” تقنيًا إلى تحالف جاهز، بل لنطرح أفقًا سياسيًا واضحًا: أن ما تحقق حتى الآن عبر تحالف “تأسيس” – بميثاقه، ودستوره، وتحالفاته – لا يشكّل غاية، بل خطوة تأسيسية أولى، بحاجة إلى من يقوّيها ويعيد إنتاجها ككتلة تاريخية قادرة على صناعة السودان الجديد.
والرفيق عبد الواحد، بتاريخه ربما يكون قادر على أن يصبح أحد المعماريين الكبار في هذا البناء الجديد، لا مراقبًا على أطرافه، ولا شاهدًا على اختلاف “الشكل”. فالثورات لا تُبنى من التردد على العتبة، بل من التقدم إلى الداخل والمساهمة في التأسيس.
نقول بوضوح:
العودة إلى محاولة “استعادة” ثورة ديسمبر، أو بناء “جبهة عريضة” جديدة من قوى لم تتوافق أصلًا على قضايا التأسيس الجذري، هي مراوحة في المكان، ومحاولة لتدوير الماضي.
كما كتب بول ريكور:
“الأمم التي تنظر إلى الماضي أكثر مما تنظر إلى المستقبل، تُعيد إنتاج جراحها لا تجاوزها”
إننا لا نطلب من أحد التخلي عن تاريخه، بل نطرح دعوة تاريخية للمشاركة في تقوية ما بُدئ به فعليًا – مشروع “تأسيس” بوصفه أول وثيقة مكتوبة، فعلية، تعالج جذور الدولة السودانية:
– بالدعوة الصريحة للعلمانية،
– والحق في تقرير المصير،
– وتفكيك الجيش القائم على العقيدة العرقية–الدينية،
وبناء جيش وطني،
– ووضع العدالة التاريخية فوق الترضيات السياسية
وكما قال بنديكت أندرسون:
“ما يصنع الأمة ليس ماضيها، بل قدرتها على تخيّل مستقبل لم تعشه بعد.”
وتحالف “تأسيس” لا يدّعي امتلاك المستقبل، بل يفتح بواباته لكل من يملك الجرأة ليساهم في كتابته.
إذن، دعوتنا للرفيق عبد الواحد – ولرفاقه ولقاعدته الصامدة – ليست دعوة “الحاق”، بل دعوة مفتوحة للتأسيس المشترك، للتوسيع، للتطوير، وللتحوّل من صوت إلى طليعة. فزمن الانعزال انتهى. وزمن صناعة التاريخ قد بدأ.
وكما قال تشي غيفارا:
“الثورات لا تطلب الإذن… إنها تصنع الطريق، ولو كان وحدها.”
لكنها، حين تلتقي بالشجعان، تصنع التاريخ معًا
النضال مستمر والنصر اكيد.

3 تعليقات
  1. محمد يقول

    كمرد عبدالواحد لم ولن يكون عدوا لنا نحن كحركة شعبية و لكن بهذه المهاترات سينتفض و بالصوت سيصبح عدو لنا بالصوت فالبتالي كمرد عبدالواحد يعرف معنى النضال و كما يعرف المعايير السياسية بالتالي اتركه و شأنه لوحده سينضم لهذا التحالف حينما يراه على أرض الواقع ولا تجعلوا هذا التحالف منبر الشحدة و تقصيب فلان للانضمام له الكل سينصم في حال التحالف يعمل على أرض الواقع ……
    النضال مستمر و النصر أكيد ✌🏿.
    كمرد أرجـــــــون ـــ محمد

  2. Adam يقول

    قراءته هذه المقال
    ولكن من البداية أكدت لي بأن المقال صادر من زول لا يفهم من عدوه ومن صديقه فحركة/جيش تحرير السودان لم تعدل موقفها الثابت في شأن المصطلحات الرنانه التي تصدر من أفراد داخل حركة الشعبية شمال
    نحن نعلم ماالغرض لمثل هذه المقالات
    ومصطلحات التي لا تشبه الثوار
    مثل اصحي يابريش وغيرها
    ناكد تمام بأن حركة جيش تحرير السودان سيد نفسها
    لن لم تتعامل بأي عاطفة عابرة

  3. Adam يقول

    وللرفاق في الحركة الشعبية حق كامل في سير مايرونهم مناسبا
    ولنا بالمثل

رد على Adam
إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.