طبيعة بنية الأحزاب التقليدية السودانية لا تساعد في التحول الديمقراطي .

✍🏿: نضال الطيب حامد

 

ما تزال بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الإنتقالية في السودان (يونيتامس) بقيادة فولكر بيرتس تعاني من مساعدة السودانيين في التحول الديمقراطي، وقد أتى ذلك إلانقلاب المشؤوم وقطع عليها الطريق. وبرغم ذلك ظل الإصرار من البعثة على مواصلة المشوار باللقاءات المتكررة التي يجريها فولكر بيرتيس مع جنرالات الجيش المتسلطين على الساسة، والقيادات السياسية للأحزاب أو تحالف الحرية والتغيير بشقيه.
ربما الشئ الذي لا يعلمه فولكر أن هذه الأحزاب معظمها معطوبة في بنيتها الأساسية ومهترئة في فكرتها الديمقراطية.

قد لا أتجه من خلال هذا المقال إلى الخوض في تفاصيل نشأة الأحزاب السودانية والمسببات المتشعبة التي أفضت إلى نشوءها، وإنما سأتجه إلى النظر في طبيعة تكوينها وأساليب عملها، وماجناه السودان من تلك الطبيعة البنيوية المخلة للأحزاب وأساليب عملها. يكفي أن نبدأ بذكر ما فصله لنا التاريخ والإستقطاب الحاد الذي وقع في صفوف مؤتمر الخرجين وتأثير التحالفات التي عقدها، كل فريق مع مراكز النفوذ في الزعامة الدينية، وعلاقة كل من الفريقين بطرفي الحكم الثنائي، الانجليزي المصري. ودون تفصيل ذلك كله فلقد تناول العديد من كتاب التاريخ والكتابات السياسية التي أرخت للمؤتمر ولهذه الأحزاب.

دعوني أستعرض لكم البعض من نشأة الأحزاب السياسية وخاصة الأحزاب التقليدية، وهي التي نشأت على غير الطبيعة المتسقة مع المألوف بما تقوم عليه الأحزاب حتى في الدول الغربية وفي بعض دول القارة الأفريقية. فالأحزاب تنشأ عادةً من منطلقات فكرية وتعد برامجها لخدمة تلك الأفكار التي تؤمن بها، أو لخدمة مصالح طبقات أو فئات بعينها، وتصوغ برامجها وفق توجهاتها الفكرية لتحقيق أهدافها.

أما في حالة الأحزاب السودانية، فقد قامت أغلبها على غير العادة فهي خليط من الأفكار والرؤي السياسية، وأمشاج من التركيبات الإجتماعية فغدت تحالفات بين جماعات من المثقفين والطوائف الدينية والمجموعات القبلية والولاءات الذاتية. وكثيراً ما تخاصمت أو تصالحت وفق المصالح الشخصية لزعمائها خصماً على قضايا الوطن. تلك هي بنية الأحزاب التقليدية في السودان، فهي ذات هشاشة ما تزال تلازمها إلى اليوم، وقد يضطرها الضعف إلى الدخول في تنازلات سياسية متبادلة، مع أي نظام دكتاتوري حاكم من أجل مصالح قياداتها ضد قضية التحول الديمقراطي وفي أي لحظة قد لا يتوقعها فولكر بيرتس نفسه. لأن البنية التنظيمية لهذه الأحزاب ذات هشاشة، وقد إستعارت الطريق السياسي لها من الطائفية الدينية والقبيلة، ومقتضيات الطاعة والإنقياد الأعمى للزعيم أو الرئيس بالرغم من التنازع الذي ساد بين النفوذ الطائفي والتطلع السياسي للقيادات المثقفة.

أما الطاعة والإنقياد الأعمى نقيض الحرية والتي تنادي بها الأحزاب وتسعى إلى تحقيقها، وحتى هذه اللحظة ما تزال الكثير من الكيانات الحزبية السودانية وأعضائها لا تستطيع أن تتمرد بالرأي أو المواقف السياسية الصحيحة في وجه قياداتها أو زعيم الحزب.

إن السياسة السوية تقوم في حقيقة أمرها على إفساح المجال للرأي والرأي الآخر، والجدل والإتفاق والإختلاف، وهذا مالم يكن متاحاً على الأقل بدرجة معقولة داخل هذه الأحزاب التي ولدت ونشأت معطوبة ولم تعرف معنى الديمقراطية الداخلية للحزب داخل صفوفها، ناهيك عن التحول الديمقراطي في السودان قاطبة.

إن حقيقة الأمر الذي صادر الإرادة الحرة الطليقة داخل هذه الأحزاب وعرقل نموها وتطورها، لا تقتصر على ذلك فحسب، وإنما تلاقت معه في التأثير السالب عدة قضايا وعوامل أتت من خارج صفوفها وتتمثل في أربعة عوامل أعتقد إنها رئيسية في تأخر احزابنا السياسية وهى:

١/ طبيعة نشأة الأحزاب السياسية العقائدية الدينية،
وسوف نأتي إلى الحديث عنها بالتفصيل في المقالات القادمة.

٢/ ظهور الحركة النقابية التي تمارس السياسة بأجندت الأحزاب والمطالب السياسية للجماهير التي تفوق حد التصورات الفكرية لهذه الأحزاب، وسوف نأتي أيضاً للحديث عنها بشكل مفصل عبر المقالات القادمة.

٣/ دخول الجيش إلى معترك السياسة وإنغماسه في حلبة الصراع السياسى مع الأحزاب والجماهير لدرجة أصبح الجيش بمثابة الجناح العسكري لحركة الإسلام السياسي في السودان .. وأيضاً سوف نأتي للحديث عنه بشكل مفصل في مقالاتنا القادمة.

٤/ لجان المقاومة، وهي الأجيال الجديدة المتقدمة في فكرها السياسي الذي فاق تصورات الأحزاب التقليدية، وطرح مبادراتهم السياسية مثل ميثاق سلطة الشعب، أو الميثاق الثوري لسلطة الشعب. تتعارض لجان المقاومة مع الطبيعة والتركيبة المهترئة لتكوين تلك الأحزاب، فقد أحدث شحاً في تغذية تلك الأحزاب بكوادر جديدة متطورة في أفكارها…. وهذا ما نسميه بعزوف الشباب عن الدخول في عضوية الأحزاب.

نكمل

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.