سِفر ورو او ذاكرة الشم

كتبها : علي زين العابدين علي عمر

(رواية في حلقات)

(تدور احداث الرواية في الفترة من 1883 وحتي 1923م.
لأول سوداني يؤخذ قسرا من جنوب السودان الي انجلترا كعامل علي صورة رقيق.
اذ تم اهداؤوه مع فرس البحر(القرنتية) كهدية الي البلاط الملكي ليقوم باعلاف ورعاية اول فرس نهر يصل حديقة لندن.
ليلتقي هناك بكل المستجلبين من المستعمرات في افريقيا واسيا مع حيواناتهم الي الحديقة.
وتكون حديقة لندن مسرح لصداقة وحوار بين شعوب العالم المهمش.)

ظللت لعدة ايام اراقب تحركاته ، كثرة أكله ، هزه للزيل عند التغوط وبعثرته للبراز في محيط واسع ، طريقة نومه ، ذلك السائل الاحمر اللذج الذى يفرزه من مسامات جلده ويغطى كامل جسمه ، جأره ونفخه يخرج من انفه الواسع بصوت فجيع..
يخفق قلبى خوفا كلما نظرت لعينيه الواسعتين البارزتين وانيابه الحاده الكبيره ، يعجبنى حبه للتمرغ في حفرة الماء التى أعدها ابى داخل السياج ..
كنت اقضى وقتى مسليا بالتامل في الوحش وانا أمصص ثمار العرديب ، والمؤانسة مع مارنيا ، القمر الأسود ، الفتاة المليئة بالحيوية ، تكبرنى قليلا ، تزورنى بين الفينة والاخرى ، فاشعر بان شئ ما مبهم ورائع يدخل كالنور الى قلبى ..
كانت بقامتها الممشوقه راقصة رشيقه وعازفة ماهرة ، تعزف على الة الرونقو فترقص الاشجار ،غير ان لقائي بها كان كثيرا ما ينتهى بضجرى ، اذ اعتادت ان تصارحنى بغضب ووعيد دغليين الجوار لابى والدخلاء، ولكن ترضينى بعدها بقليل من الجعة المحلية التى كنت اشربها خلسة، فقد كان ابى رغم شربه لها يمنعنى من ذلك ..
الى ان جاء اليوم الذي اتي فيه ابي مع عدد من الرجال على ظهور الجياد الي الحظيرة..
وجدت بعد لحظات الحيوان النهري محمولا داخل قفص من فروع الاشجار ..
تبعت الرجال الذين يحملون القفص الي النهر حيث كان هنالك قارب كبير يرسو على الشاطئ ..
وضعوا القفص علي القارب ,ومن ثم ادخلوا ثمانية رجال وطفل دون الثالثة عشر وامراتان دغليتان مقيدتان بالاصفاد الي القارب ..كانت الدماء تسيل من الدمامل التي على اجسادهم ، عراة وحفاه ، جزعت وشعرت برعب شديد حين رن صوت ابي في اذنى امر لى بان اصطحبهم على القارب..
حاولت الفرار رجوعا لامي ، ولكن إرتخت عضلات جسمي من الخوف ، أخذ احدهم بتلابيبي ودفع بي بقوة الي داخل القارب ، تقطعت حبات العقد الذى البستنى له امي والمنضوم من اسنان والدة كلبنا الصغير بعد نفوقها…
مازال صوتها يرن في اذنى مناديا لى حتى الان دون توقف فقد كنت وحيدها..
بعد لحظات تحرك القارب ، لم يلتفت ابي الي صراخي وعويلي ،غير أنى احسست في نظرته الاخيره لى حسرة وأسي…
كان ذلك اليوم الاخير الذى أرى فيه موطني ، ولم التقى بعده لا بابى ولا بامى وظل طيفها رفيقا لى كانفاسي بقية عمرى ..
غير اننى التقيت بالرجل الكبير في غير المكان وغير الزمان كما تعلمون ..
في البدء دار بخلدى ان أبى مرسلنى كما وعدنى لدراسة القران ب(دار الرزيقات) او الخلاوى حيث يقطن اهله كما حدثني في البلاد البعيده ، ولكن ذكر لى قائد الجند باننى ذاهب الى بلاد (الخواجات) البيض ،وان الرجل الكبير ارسلني مع فرس النهر لإطعامه والإعتناء به لما يسمى هناك بحديقة الحيوان ..
كنت قد سبق ورايت الرجال البيض الذين اثار لونهم فزع الدغليين ، ويبدو انهم كانوا حينها في زيارة للرجل الكبير ، وكان الاعتقاد السائد عند الدغليين بان هؤلاء البيض من اكلى لحوم البشر ..
شعرت برعب شديد واحساس عميق بالمجهول ، تذكرت حديث امى بان دغلنا هو مركز الكون الذي يجب عدم الابتعاد عنه لان ارواح الاسلاف التي ترعانا لا تذهب بعيدا..
طفق لسانى يلهج مناديا إله ابى الذى كان يسميه الله، و اناجي الإله مفييرى وارواح الاسلاف الذين تلجا اليهم امى ..
بلا جدوي..
لم اكن وقتها اعلم شيئا عن الاله الثالوث ..
يتبع

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.