سلسلة حوارات، إقرأ .. فكر … ناقش الحلقة (5)

إبراهيم خاطر مهدي

سلسلة حوارات

إقرأ .. فكر … ناقش

الحلقة (5)

أربع تغريبات من:

سفر الأحزان

وسوناتا الوجود عن شول بميقات الشمس

في عرضحال محرج

أبكر آدم إسماعيل

شعر
+++

(ب) تعزيز الإضاءآت :

لماذا الإضاءة ……!!! ؛؛ ؟؟؟

هل هي رغبة كامنة في التنظير؛ أم ضرورة يفرضها الواقع؟؟ أم هي إكمال لعجز أدوات الكاتب؟؟ لماذا ينظر أدونيس ومحمد بنيس للحداثة ؟؟

من حق القارئ ، أن يتساءل ويضيف كمان؛ ما شاء من الأسئلة، وهذا في حد ذاته خطوة إلي الأمام _ يتجاوز حاجز التلقين اليقيني الأعمي المؤمن العقيدي، الذي تسلكه المدرسة في السودان.

وقد يكون القراء قد لاحظو أننا غالباً ما نصدر أو نذيل كتاباتنا بما نسميه إضاءآت فما ضرورة ذلك؟

الإجابة إبتداء وببساطة؛ أن ذلك جزء من مجاهداتنا “ضد الوعي المدرسي” من جانب وضد ما نسميه ؛ أيدولوجيا الجلابة ، التي تفرض علينا خلفيات التفسيرات الثقافية والإجتماعية والقيمية الأحادية من جانب آخر” . بالإضافة إلي ذلك ؛ نحن ضد مقولة (مضللة يلوكها النقاد في السودان وخارجه مفادها):

” أن النص بمجرد كتابته تنتقل أحقية التفسير إلي القارئ ؛ بإعتبار أن النص بطبيعته يقبل التفسيرات المتعددة” نحن ضد هذه المقولة؛ إلا …؛ في حالة واحدة ، هي:

(عندما يكون ؛؛؛ سياق النص معروفا ومعلوما للقارئ.) وذلك إما ضمنيا بسبب الخلفية الثقافية المشتركة (ما يسميه باشلار – الخلفية الإبستمولوجية) أو علي الأقل ما نسميه الخلفية المعرفية المشتركة للكاتب والمتلقي معا؛ وهذا ما نقوم بتقديم جزء منه في شكل هذه الإضاءآت عندما نري غياب هذه الخلفية الثقافية أو المعرفية المشتركة.

من ملاحظاتنا أيضاً ؛ أننا أحياناً نكتب كلاما في غاية الوضوح والبساطة؛ ولكننا بكل أسف ، نجد من يقوم بتفسيره منعكسا ، والتفسير المعكوس هو ليس من طبيعة الإحتمالات المعقولة لتعدد وجهات النظر. (التفسيرات المتعددة) المشار إليها سابقاً ؛ إذن، هناك سبب لذلك، وهو: (أيدولوجيا الجلابة). فما هي وكيف تعمل ولماذا ؛ ……؟

أيدولوجيا الجلابة:

هي ما نسميه مايكرو كوسم _ المجسم الصغير _ للثقافة العربية الإسلامية بكل صرامتها المعهودة في التقسيم القائم في عملية النظر للذات وللآخر . هذه الأيدولوجيا ؛ التي تشكل الخطاب الرسمي في السودان ، ظلت تفرض نفسها علي الكثير من أشيائنا.

وفي ما يخصنا هنا ؛ هو أنها هي التي : –

1/ تحدد المنهج المدرسي وبالتالي؛ تأطير المجال المعرفي للمتلقيين ، الشيئ الذي يجعل المهم هو ما يكون مهما عندها في وجهة نظرها. والجميل هو ما يبدو جميلاً في وجهة نظرها. وكذلك المفيد والطيب والخبيث، … الخ. هي التي تحدد ماذا تلبس وكيف تجلس وكيف ومع من تتحدث …؛ هي التي تحدد وتنسب قيم البطولة و الكرم إلي من تراه هي كذلك . هي التي تحدد معايير جمال المرأة السودانية ونوعية أزيائها وكيف تتزين؛ ليس فحسب بل حتي كيفية وضع الطرحة علي رأسها؛ أهي ملفوفة حول الرأس بشكل جيد أم لا وما إذا كان زيها ساتر ويغطيها من أعلي رأسها إلي أخمص قدميها أم ليس كذلك، وما إذا كان الثيان ساتر أم يشف ويصف، … الخ.

فهي التي تكتب التاريخ والجغرافيا و … ؛ وتختار المآثر . وهي التي تجسم مفاهيم التراث والثقافة. وتصنف وتقوم بعمليات التعلية والتوطية الإجتماعية والثقافية ؛ فالبطولة لعنتر بن شداد العبسي، والكرم لحاتم الطائي، والجمال لليلي وعبلة، حتي ليبدو غريباً ومدهشا أن يكون الجنوب سوداني أو غير العربي شجاعا وكريما وجميلا ؛ لدي الأفراد الأكثر تعليما.

وما يخص إضاءتنا هنا هو : أننا عندما نكتب عكس ذلك، أي؛ عندما نقول أن الجنوب سوداني أو غير العربي ؛ شجاع وكريم وجميل، ينظر إلي ذلك وكأنه تجديف !!؟!

2/ في ما يخص الأميين ؛ فإنها تمتلك سلطة الخطاب العام بسيطرتها hegumany، الهجمنة علي أجهزة الإعلام وصياغة معيار ما يسمي بالذوق العام، ومن آثار ذلك :-

(أ) أن لا يتكلم المرء بلغته العادية أمام العام ، أي أن ينتحل ما يسمى بالفصحي.

(ب) أن ينتقي نوعاً من الكلمات التي تتماشى مع ذوقهم ، وتحريم بعض الكلمات التي تتعلق بالجنس واللهوات ؛ بمعيار ما يسمي بالذوق العام، الذي هو ذوقها هي في الحقيقة.

(ج) النظرة الجنسية المتشددة للمرأة، ومن الأشياء المدهشة جداً جداً : الجدل المثار حول مبدأ عمل المرأة في السودان، وحتي من قبل اليسار السوداني، والدهشة تنبع من إدعاءه ؛ الدفاع عن شيئ تقرره البديهة والواقع، وحتي لو : “كسر البعض رقبته ؛ فإنه لن يستطيع منعه” إلا إذا كانت المرأة تعني عندهم (نساء الجلابة) . فهذا ما لا يخص عموم السودانيين في شيئ.

3/ ما يخص لب إضاءتنا : –

(أ) أن أغلب الكتابات في السودان هي : (جوهريا ؛ يا نسخ لهذه الأيديولوجيا “أيديولوجيا الجلابة” وللرسمي وللمفروض ؛ رغم محاولات البعض في الإختلاف والمغايرة ، بتبني مشاريع الحداثة التي غالباً ، ما يتم إجهاضها بواسطة الكتاب ليصبح التغيير ضد السائد في الألفاظ والصياغات دون تغيير يذكر في؛ المعني/المضمون/الأيديولوجيا، والأيدولوجيا عندنا ؛ هي ليس ما يعتقده المرء فحسب ، وإنما تشمل سلوكه وإختياراته الإجتماعية والسياسية واليومية.

(ب) النفي البيولوجي للرجال : هذا المصطلح تصويب لمصطلح التصفية العرقية الذي من معانيه الطبقية العرقية. نبهنا إلي شمول معناه ؛ الأخ المهندس/ جعفر بشير ، وهو يمثل ركن الأركان في أيديولوجيا الجلابة في صراعهم مع الآخر .

من المعروف أن أهم مميزات الثقافة العربية الإسلامية ؛ هو : التشدد العرقي ، ومشروع الثقافة العربية الإسلامية (كنظام أبوي متشدد) يقوم علي معادلة التفاعل الإجتماعي ، أحادي الإتجاه ، مدعوما بالدين لمصلحة الثقافة العربية. والمعادلة تقوم علي أساس أن الحل للصراع ؛ هو : (أن يتزوج الرجال العرب المسلمون، نساء الآخر ، لينجبوا أطفالا عربا _ بحكم النظام الأبوي _)

ووفق المعادلة التالية : –

* المرأة العربية لا تتزوج إلا عربياً.

* المرأة المسلمة لا تتزوج إلا مسلماً، علي الأقل مسلماً نظريا في حالة كونه عربي.

* الأطفال المنجبون من أم غير عربية ؛ لا يسمح للبنات منهن بالتزاوج من أقربائهن من جهة الأم . بإعتبارهن عربيات بغض النظر عن درجاتهن في سلم التقسيم في العشيرة العربية.

(ج) الأبناء الرجال يسلكون طريق الآباء.

وهكذا يستمر مسلسل الإستعراب إلي آخره …؛ طبعا هذه علاقة غير عادلة ومخلة بأبسط قواعد التوازن الإجتماعي والمبادئ الإنسانية ، رغم أسانيدها الدينية ، والمسألة هكذا ، فإذا كان أي رجل دينكاوي لا يسمح له بالزواج من عربية “عاربة أو مستعربة” في الوقت الذي يتزوج فيه كل عربي “عارب أو مستعرب” من نساء الدينكا ، فإن ذلك يعني أنه إذا استمرت المعادلة فسيأتي اليوم الذي يختفي فيه الدينكا من الوجود.

بسبب ما نسميه بالنفي البيولوجي للرجال الذي تمارسه الثقافة العربية الإسلامية ، وتكون بذلك أقصي أحلام الجلابة وأنصار الثقافة العربية الإسلامية وأمانيهم قد تحققت ، وهذا عندنا يمثل السبب الأكثر جوهرية في عملية الصراع في السودان ، وإستمرار الحروب منذ عهد تجارة الرقيق وحتي اليوم ، وأيضا يمثل السبب الجوهري وراء التباكي علنا ضد ما يسمي بقوانين المناطق المقفولة ، وسرا ؛ ضد عملية منع تجارة الرقيق في السودان.

إنعكاس هذا الوعي في الغناء والكتابة : –

من الملاحظ وبلا إستثناء أن الكتاب والمغنين ؛ عندما يتناولون مسألة الجنوب (جنوب السودان الحر والمستقل حاليا) يتناولونها في أجهزة الإعلام ، فإنهم يتناولونها في إطار واحد ، هو : التغزل في المرأة الجنوبية كمدخل للتلاقي وإدعاء التسامح والتآخي ، …الخ.

مثلا ؛ أغنيات (جنوبية ؛ لعماد أحمد الطيب، و فيفيان ؛ للنور الجيلاتي ، …………………………..الخ، .. !! .. ؟؟

وكلما نسبت مناسبة تستدعي الحديث عن جنوب السودان ؛ يتم تقديم واحدة من هذه الأعمال كبديل ،، كبديل عن ماذا ..؟ بديل عن غناء الجنوب المغيب.

الملاحظ أيضا ؛ أنه لم يحدث أن غنت إمرأة من نساء المجتمع الرسمي (وكلمة المجتمع الرسمي هذه ضرورية جدا) غنت لرجل جنوبي علي الإطلاق.

وواضح أن فكرة الرجل عند نساء المجتمع الرسمي لا تشمل الجنوبي، ونعني بالمجتمع الرسمي الجبة ومن تبعهم بغيهم من أنصار الثقافة العربية الإسلامية والمتأثرين بهم في السودان ؛ الذين يسيطرون علي أجهزة الإعلام ؛ التي يفترض أنها ملك للجميع ، وإفتراض جميع هذا ؛ هو الذي يستدعي ما قلناه هنا ، رغم علمنا بعدم حوجة رجال الدينكا لغناء نساء الرسميين. Full stop
……………… ………………… ………………………

نواصل

إبراهيم خاطر مهدي
الخميس؛ 16فبراير 2023م.

2 تعليقات
  1. أحمد التجاني يقول

    تحياتي للرفاق باسرة التحرير
    استفسر عن امكانية النشر بالموقع

  2. حبيب يوسف يقول

    العمل والابداع مع الواقع السياسي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.