
إستمرار القوات المسلحة السودانية في الإبادة بإستخدام الأسلحة الكيميائية
✍🏿 متوكل عثمان سلامات 20/1/2025م
أشرنا في المقال السابق للهلوسة التي أصابت قائد الإرهابيين العنصريين جراء تسريب خبر إحتمال فرض عقوبات عليه من دولة الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تم فرض عقوبات بالفعل على كل من عبدالفتاح عبدالرحمن البرهان القائد العام للقوات المسلحة السودانية، وأحمد عبدالله سوداني وأكراني الجنسية ومسؤول في منظومة الصناعات الدفاعية ومورد الأسلحة للقوات المسلحة السودانية، وشركة بروتكس للتجارة المحدودة. ونبهنا كذلك المتابعين أن هناك تسريب آخر خطير جداً متعلق بإستخدام القوات المسلحة السودانية لأسلحة كيميائية في حربها مع الدعم السريع، وهذا الموضوع لخطورته وعدنا بأننا سنفرد له مقالاً منفصلاً.
في هذا المقالة سنحاول التعرف على طبيعة الخبر، ونتعرف معاً على “الأسلحة الكيميائية” ما هي؟، وكيف إتحصلت القوات المسلحة على هذه الأسلحة المحظورة دولياً؟ وهل إستخدام القوات المسلحة السودانية للأسلحة الكيميائية في حربه مع قوات الدعم السريع هي اول حالة؟ أم أنها قد إستخدمت هذه الأسلحة الكيميائية في حروب أخرى ومناطق مختلفة من السودان؟، هل السودان وقع وصادق على إتفاقية حظر حظر إستخدام الأسلحة الكيميائية؟ ما هي الإجراءات التي تتبع في حالة عدم إلتزام دولة عضو ببنود الإتفاق؟، وكيف يمكن التخلص من هذه الأسلحة خاصة أن هناك إحتمال كبير لإمكانية إنكار وجودها من قبل حكومة الأمر الواقع؟ وإحتمال كبير لإمكانية إستخدامها في مناطق مكتظة بالسكان في الخرطوم؟.
يأتي طبيعة الموضوع من الخبر المنشور في صحيفة “نيويورك تايمز” بقلم “ديكلان والش” و”جوليان إي بارنز” مفاده (..أن هناك أربعة من المسؤوليين الأمريكيين الكبار أفادوا بأن الجيش السوداني بتوجيه من قائده عبدالفتاح عبدالرحمن البرهان إستخدم الأسلحة الكيميائية في مناسبتين على الأقل ضد قوات الدعم السريع … وأن هذه الأسلحة تم نشرها مؤخراً في مناطق نائية من السودان … وأنهم قلقون من إمكانية إستخدام هذه الأسلحة قريباً في مناطق مكتظة بالسكان بالعاصمة الخرطوم …).
إذاً، ماهي الأسلحة الكيميائية وفقاً للقانون الدولي؟
عرفت المادة الثانية من إتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية “الأسلحة الكيميائية” بأنها (ما يلي، مجتمعاً او منفرداً:
المواد الكيميائية السامة وسلائفها، فيما عدا المواد المعدة منها لأغراض غير محظورة بموجب هذه الإتفاقية ما دامت الأنواع والكميات متفقة مع هذه الأغراض،
الذخائر والنبائط المصممة خصيصاً لإحداث الوفاة او غيرها من الأضرار عن طريق ما ينبعث نتيجة إستخدام مثل هذه الذخائر والنبائط من الخواص السامة للمواد الكيميائية السامة المحددة في الفقرة الفرعية(أ)،
أي معدات مصممة خصيصاً لإستعمال يتعلق مباشرة بإستخدام مثل هذه الذخائر والنبائط المحددة في الفقرة الفرعية (ب)).
كما عرفت ذات المادة مصطلح “المادة الكيميائية السامة” بانها (أي مادة كيميائية يمكن من خلال مفعولها الكيميائي في العملية الحيوية أن تحدث وفاة او عجزاً مؤقتاً أو أضراراً دائمة للإنسان او الحيوان. ويشمل ذلك جميع المواد الكيميائية التي هي من هذا القبيل بغض النظر منشئها او طريقة إنتاجها، وبغض النظر عما إذا كانت تنتج في مرافق ذخائر او أي مكان آخر).
تشير بعض التقارير إلى أن الجيش السوداني والمليشيات المتحالفة يحصلون على التسليح من بعض دول في أوروبا وآسيا وبعض دول شمال إفريقيا، وكان للصين وروسيا وإيران الدور الكبير في إرسال الإمدادات العسكرية للحكومة السودانية. وقد تطور التسليح السوداني بعد إنشاء “مجمع اليرموك” للتصنيع العسكري والحربي، وكان يمكن أن يكون المجمع مفخرة لكل سوداني، ولكن كان الهدف منه هو تصنيع وتطوير السلاح والزخيرة لإبادة السودانيين في الجنوب سابقاً والفونج وجبال النوبة ودارفور والمناصير وفي الشرق، وإنتشرت أنباء عن وجود خبراء”إيرانيين” و”عراقيين” و”أتراك” وجنسيات أخرى يعملون على إنتاج أسلحة محرمة دولياً “أسلحة كيميائية” بغرض ردع الحركات الثورية السودانية وإبادة الشعوب المختلفة مع توجهات الدولة “الإسلامية والعربية”، والتي تطالب بالحرية والعدالة والمساواة، وكذلك يتم تهريبها للمجموعات الفلسطينية لردع إسرائيل والدول العربية التي يشتبه في تعاملها معها، ومنذ ذلك الوقت تحول مجمع اليرموك إلى “مرفق لإنتاج الأسلحة الكيميائية”، وهناك مجمع “جياد” بعد تحول نصفه للصناعات العسكرية، وقد وردت أسماء مواقع أخرى تقوم بذات الأنشطة وسكت عنها الجميع بعد إستهداف إسرائيل لمجمع اليرموك، مثل “كربلاء” و”القادسية” و”قري” ومواقع أخرى مخفية في الصحراء، وتحوم بين هذه المواقع داخلياً وخارجياً شركات عديدة وطنية ومتعددة الجنسيات.
لم تلتزم الحكومة السودانية في حربها على مواطنيها في إقليمي الفونج وجبال النوبة في الحرب الأولى من 1984م – 2005م، والحرب الثانية من سنة 2011م – وحتى الآن، بنصوص القانون الدولي الإنساني، او إتفاقية حظر إستخدام الأسلحة الكيميائية، حيث إستخدمت الأسلحة المحظورة دولياً ضد المدنيين في الإقليمين، وقامت بإستخدم الألغام البشرية والألغام المضادة للدبابات (Anti- personnel and anti-tank landmines) وتمكن الجيش الشعبي من الإستيلاء عليها بعد هزيمته للقوات المسلحة السودانية في مدينة “هيبان” بتاريخ يونيو/2011م، وفي معركة “تروجي” بتاريخ فبراير/2012م، وهذا ما أكدته (منظمة مسح الأسلحة الصغيرة) بتاريخ مايو/2012م.
كما إستخدم سلاح الجو الحكومي قنابل عنقودية (Cluster bambs) ضد المدنيين في جبال النوبة بمنطقة “تروجي” أيضاً بتاريخ 29/2/2012م، ووثقت كذلك ذات المنظمة إستخدام سلاح الجو الحكومي للقنابل الحارقة (Incendiary bombs)وذلك عندما أسقطت طائرة الأنتنوف قنابل حارقة على المدنيين بمنطقة “جاو” التي تسيطر عليها الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال بتاريخ 6/3/2012م بشهادة شاهدين من الضحايا، ، وذهبت الحكومة السودانية أبعد من ذلك عندما إستخدمت الأسلحة الكيميائية والسامة (Toxic weapons)في مدينة “تلودي” سنة 2012م وذلك بعد رصد حالات تسمم أدت إلى الوفاة نتيجة لإستنشاق غازات خانقة أطلقتها القوات المسلحة السودانية، وقد أكد هذه الجريمة الخطيرة أشخاص يعملون في المجال الطبي ممن أشرفوا على علاج العديد من الضحايا الذين كانوا في تلك المنطقة وتعرضوا لإصابات توضح طبيعة هذه الأسلحة، وذكروا أن طبيعة الأعراض التي ظهرت على المصابين يحتمل أن تكون ناتجة عن التسمم بـ(Organo-Phosphate)، وهذا ما أكده محرر منظمة نوبة ريبورت بتاريخ 10/10/2016م، عندما أوضح أن بعض الضحايا الذين أصيبوا ونقلوا إلى المستشفى أبانوا أن سلاح الجو الحكومي قد أطلق عليهم قنابل تخرج دخاناً رمادي اللون وسرعان ما يتحول إلى اللون الأبيض، وناشدت الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال المجتمع الإقليمي والدولي لحماية المدنيين وإتخاذ إجراءات تمنع حكومة السودان من إستخدام الأسلحة الكيميائية وغيرها من الأسلحة المحظورة دولياً ولكن دون جدوى.
قبل ثمانية سنوات وفي نفس شهر يناير 2017م نشرت منظمة العفو الدولية تقرير يؤكد إستخدام السودان للسلاح الكيميائي في جبل مرة بدارفور قبل سنة من نشر التقرير، عندما هاجمت القوات المسلحة السودانية المنظقة في هجوم واسع النطاق لمدة تسع أشهر متواصلة وكان أغلب الضحايا مدنيين، وكانت المنظمة قد حصلت على أدلة دامغة على إرتكاب الحكومة السودانية لجرائم حرب في الإقليم من خلال القصف العشوائي للمدنيين والقتل خارج نطاق القانون، وإختطاف النساء وإغتصابهن ونهب القرى وحرقها والتنزيح القسري، بعد أن تم تقييم هذه الأدلة بواسطة خبراء الأسلحة الكيميائية وهما “كيث وارد” و”جنيفر ناك”، وطالبت المنظمة بضرورة محاسبة الجناة ولم تتحرك، الدول أعضاء “إتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية” لأسباب واهية وغير منطقية.
لم يكن إستخدام الجيش السوداني ومليشياته للأسلحة الكيميائية في حربه مع الدعم السريع هو المرة الأولى وإنما هي عملية متعارف ومعتاد عليها في حروبه المستمرة ضد الشعوب السودانية في الفونج الجديدة ودارفور وجبال النوبة وضد حركات الكفاح المسلح السودانية المتمثلة في الجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال وجيش تحرير السودان ويحدث ذلك في ظل صمت المجتمع المحلي المغيب والمجتمع الإقليمي والدولي.
رتبت إستخدام هذه الأسلحة الكيمياوئية آثار سالبة على صحة الإنسان في تلك المناطق من قتل وظهور الأمراض الجلدية ومشاكل العيون وأمراض الجهاز التنفسي وتشوه الأجنة وتفسخ وتفحم الضحايا وبتر اعضاء بعضهم، وآثار سالبة على الحيوان والبيئة من تلوث المياه والهواء ونفوق الحيوانات الأليفة والبرية وهروب معظمها ونفوق الأسماك وإفساد التربة والزرع، وهذه فقط على سبيل المثال لا الحصر، وقد تستمر بعض هذه الآثار للمدى البعيد.
من المعروف عن القوات المسلحة وحكومة الأمر والواقع في بورتسودان وسابقاتها عدم الإلتزام بالإتفاقيات والعهود كما لا تحترم حتى وثائقها شبه الدستورية وقوانينها المشوهة التي تسنها، فبالرغم من عضوية السودان في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بتوقيعها ومصادقتها على إتفاقيتها وأصدرت بموجب ذلك “قانون حظر الأسلحة الكيميائية لسنة 2004م” والذي نص في المواد (14، 15، 16، 17) على حظر تصنيع أو إستخدام أو إنتاج أو حيازة أو نقل أو إستعمال أو الترخيص بإستخدام الأسلحة الكيميائية، وحظر إستيراد أو تصدير المواد المشتملة على كيمائيات محددة، وحظر إستحداث أو إنتاج أو تخزين أو إستعمال مواد كيميائية محددة، وحظر إقامة المنشآت الكيميائية، إلا أن ما نشر في “نيويورك تايمز” بإستخدام الجيش للسلاح الكيميائي لأمر يثير القلق، خاصة وأن هناك سوابق لهذا الجيش ومليشياته، كما أنه جيش غير مهني، وتقوم عقيدته القتالية على أساس الدين والعرق والجهاد في سبيل الله، ففي ظل هذا الوضع غير الطبيعي فإن إحتمال عدم إمتثاله وإلتزامه بهذه الإتفاقية وقانونه الوطني لأمر وارد لا شك فيه.
وفي ظل هذه المعطيات التي تشير إلى عدم إحترام او إلتزام الحكومة العسكرية بالموثيق الدولية وفرض عقوبات عليها، يلاحظ أن معظم الشعوب السودانية وضحايا الإنتهاكات الإنسانية أصبحو يشككون في فعالية هذه العقوبات وفي قدرة واشنطون على إنفاذها، أو قدرتها مع حلفائها في المؤسسات الدولية على إتخاذ خطوات جريئة بشأن هذا التجاوز الخطير للسودان لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية في ظل إصطدام آمالهم وطموحاتهم المستمرة في تحقيق السلام والإستقرار والإنصاف من خلال مؤسسات الأمم المتحدة بالفيتو الروسي او الصيني الناتج عن تقاطعات المصالح في السودان والصراع الدولي. ومع ذلك مازالت آمالهم كبير في أن تسهم هاتين الدولتين إيجاباً وتقفا إلى جانبه بجانب المجتمع الدولي في هذه المرحلة الحرجة.
سيكون على الولايات المتحدة الأمريكية او أي دولة عضو في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أن يقوموا بواجبهم الإخلاقي ودورهم الإنساني المعهود من أجل تحقيق السلام والتحول الديمقراطي في السودان والحفاظ على الأمن والسلم الإقليمي والدولى، أن يقدموا طلب مستعجل للمجلس التنفيذي للمنظمة بغرض الحصول على توضيح من القوات المسلحة بشأن حيازة وإستخدام هذه الأسلحة الكيميائية الخطيرة والمحظورة دولياً، كما عليهم في حال إنكار القوات المسلحة إمتلاكها وإستخدامها لهذه الأسلحة عليكم أن تضعوا خطة واضحة ومحكمة لتدمير هذه الأسلحة الكيميائية بما يضمن سلامة المواطنين السودانيين، أما في حالة إعترافها بحيازتها لهذه الأسلحة فعلى المنظمة أن تفرض عليها عقوبات صارمة وتضغط عليها لتقديم خطتها التفصيلية لتدمير هذه الأسلحة الكيميائية وفق الإجراءات المتبعة في الإتفاقية الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية.
#حماية السودانيين من الأسلحة الكيميائية
#فرض عقوبات رادعة على الجيش السوداني ومليشياته
#انهاء الحروب بمعالجة أسبابها التاريخية
#تحقيق السلام بمعالجة جذور المشكلة السودانية
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.