القتال على المبادىء النبيلة كصلابة الصخرة التي تصقل سهام الأعداء ليكونوا رفاق اليوم، ويحول رفاق الأمس إلى أعداء اليوم.

عبده إسحق عمر

 

 جوبا.

الحرب معادلة لا خطية، لا يمكن أن تتوقع نتائجها بناءا على قانوني التناسب والتكامل، وتحقق الأهداف المرجوة بالمنطق الحسابي، مهما كان الإعداد والتخطيط والإدارة والتنسيق المحكم لأن عنصر المفاجأة هو جوهر طبيعة منظومتها الحركية، بهذه الحقيقة، حذر معظم المنظرين في علم الحرب بمختلف مدارسهم الفكرية، الحديثة والكلاسيكية بأن لا نجعل الحرب الوسيلة الأولى في حسم الصراعات ولا نضرم النيران إلا في حال الدفاع عن النفس ومع الإلتزام بأخلاقيات الحرب (قانون الحرب العادلة). ويصف رائد عباقرة الفكر الحربي “كارل فون كلاوزفيتز – الحرب بأنها: “ما هي إلا فعل سياسي بطرائق أخرى” – قائلآ: (إن بدء القتال يفتح الباب أمام نتائج غير مؤكدة، مهما كانت جودة التخطيط. العقيدة تقدم البنية الفكرية لمن يقومون بالقتال وللقادة العسكريين على كل المستويات ولجماعتهم ومرؤسيهم لكي يفكروا بتعقل، في إستخدام القوة العسكرية مسترشدين بحسن التفكير).

إذا أسقطنا هذه القاعدة التوجيهية، في تاريخ الحروب في السودان القديم، نجد إن المركز “الإسلامو-عروبي” بما فيهم الشيوعيين وأخيرا “محمد جلال هاشم” وجماعته في (مؤتمر كوش) الذين شاطروهم في هذه البنية العقلية التي تتعبر إن العنف المادي (السلاح) هو الوسيلة الأنسب للتعامل مع أي مجموعة خارج “مثلث حمدي” تنازعهم على السلطة، وإنه يتوجب إستئصالهم بكل السبل الممكنة دون التقيد بأي حدود أخلاقية، وتجلى هذا في ملف الأسرى، حيث لم تسلم القوات المسلحة السودانية في تاريخها أي أسير. وفي المقابل، وخاصة الحركة الشعبية، فقد تم تسليم الكثير من الأسرى إلى ذويهم بواسطة الصليب الأحمر. وهذا يؤكد إن السلاح ما هو إلا وسيلة وليست غاية لدى الحركة الشعبية، بمعنى إن الحرب هي وسيلة عادلة للدفاع عن النفس كما سمتها الهندوسية، وأطلق عليها لاحقا (نظرية الحرب العادلة) التي تقوم على أربعة مفاهيم أساسية:

1- السلطة العادلة:
السلطة العادلة تعني شرعية العزم على الذهاب إلى الحرب، على أساس مسوقات أخلاقية وإلتزامات قانونية مسبقة.

2- السبب العادل:
وجود مبرر لإعلان الحرب، وتعني الرد المناسب والضروري. وإذا كان من الممكن تجنب الحرب، فيجب تحديد ذلك إبتداءا وفقا لفلسفة نظرية الحرب العادلة.

3- النية السليمة:
الذهاب إلى الحرب، يجب تحديد ما إذا كانت نوايا القيام بذلك سليمة وفقا للأخلاق، وهذا يتطلب معيار النية السليمة وتحديد ما إذا كانت إستجابة الحرب طريقة يمكن قياسها نسبة إلى النزاع الذي يجري التعامل معه أم لا.
4- الحل الأخير:
الحرب هي الملاذ الأخير بمعنى أنه إذا كان هناك نزاع بين أطراف متعارضة، فيجب تجريب جميع الحلول قبل اللجوء إلى الحرب. تجارب الحركة الشعبية تبرهن الإلتزام وتطبيق هذه القاعدة في تجاربها النضالية، كان العمل الإنفرادي في مقارعة أنظمة الأمر الواقع أو تحالفات الحد الأدنى، وهذا بدءا من التجمع الوطني الديمقراطي 1995م الذي جمع مختلف التيارات الفكرية على أساس مشروع سياسي وعسكري مرحلي هدفه الأول إسقاط الإنقاذ بكافة الوسائل، ومن الموضوعات الأساسية في ذلك الميثاق هو حق تقرير المصير (الوحدة الطوعية) للشعوب السودانية ولكن هذا التحالف فشل في تحقيق أهدافه بسبب تخاذل قوى السودان القديم في حشد الطاقات وخاصة التجنيد العسكري مما جعل الإنتهازي الإقطاعي “الصادق المهدي” يفكر في إستغلال نفوذ وقوة التحالف ويبرم مساومة مع الكيزان في جيبوتي 25 فبراير 1999 سميت “نداء الوطن” وكان مضمون الإتفاق لا يختلف عن الوثيقة الدستورية الإنتقالية 2019 تعديل 2020 من حيث الجمل والمصطلحات الفضفاضة والعبارات المفخخة، والكلمات الرنانة والوعود المبهمة بغرض الهروب من مخاطبة جذور الأزمة وتسمية الأشياء بمسمياتها والإلتزام بدلالاتها الفلسفية. وجزء من مبادئ تلك المسرحية (أن تكون المواطنة هي أساس الحقوق والواجبات الدستورية، وأن لا تنال أية مجموعة وطنية إمتيازًا بسبب إنتمائها الديني أو الثقافي أو العرقي، مع الإعتراف بالتعددية الدينية والثقافية والعرقية في السودان، وأن تراعى المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان، وتكون ملزمة. كما نص الإتفاق على المشاركة العادلة في السلطة بكافة مستوياتها وإقتسام عادل للثروة، وإزالة آثار الحرب الأهلية، وبناء الثقة بين أهل السودان بما يفضي للوحدة الطوعية. أشار الإتفاق إلى إكمال هذه الإجراءات في فترة إنتقالية قدرها أربعة أعوام يستفتى فيها شعب جنوب السودان بحدود عام 1956 في نهايتها ليختار بين وحدة طوعية بسلطات لامركزية سيتم الإتفاق عليها، أو الإنفصال).
وكان البشير على رأس الوفد وبصحبته نافع علي نافع ومصطفى عثمان إسماعيل. ومن طرف حزب الأمة الصادق المهدي ومبارك الفاضل المهدي وصديق بولاد وبعد رجوع الأطراف إلى الخرطوم لم يفتحوا أي نقاش حول المبادىء، كان التركيز فقط على تعويضات “الصادق المهدي” لما نهب منه بعد إنقلاب 30 يونيو 1989م وبهذا قبر التجمع الوطني الديمقراطي. وإستمرت الحركة الشعبية في نضالها من أجل مبادىء مشروع السودان الجديد بكل عزم إلى أن وقعت 2005م إتفاقية السلام الشامل C P A الذي كفل الحريات العامة لا سيما حرية التنظيم والتجمهر، وثانيا، الإتفاق ضمن حق مشاركة المعارضة المدنية في السلطة بنسبة 20 % في كل مستويات الحكم وكان قبل هذا التحول، الأحزاب السياسية لا تستطيع إقامة إجتماع سري في مقراتهم، ناهيك عن تحريك الجماهير وإسقاط النظام أو إصلاحه.
وبدلا من أن ينتهزوا هذه الفرصة وإعادة تنظيم أنفسهم ومراجعة تجربتهم من حيث الأفكار والممارسة وتقييمها وتجاوز كل ما يتماهى مع الحركة الإسلامية في جميع الأبعاد، بمعنى آخر القطيعة مع الماضي ومواكبة قيم ومبادىء العصر الحديث والتقدم الإنساني، لكن للأسف إختارت هذه القوى الرجعية خيار الإعتراض فقط من منطلق الكيد السياسي والغيرة السلبية وليس إنتقادا بناءا، وإكفتوا كالببغاوات بترديد نغمة إن الإتفاقية من حيث الإجراء “ثنائية” تفتقد للشرعية الشعبية، وتارة أخرى يدعون إنها تمس وحدة البلاد لأنها أقرت بحق تقرير المصير وإن ذلك يمثل تمهيد لإنفصال جنوب السودان بواسطة الحركة الشعبية وظلوا على هذه المواقف والتصريحات “العقيمة” إلى أن فتلت الحركة الإسلامية حبال تجزئة جغرافية السودان القديم وأسند قيادة هذه المهمة إلى (الطيب مصطفى) أحد عصبة عمر البشير الذي وفر له جميع متطلبات تنفيذ هذا المشروع المركزي آنذاك للحركة الإسلامية الذي توهم بأنة السودان القديم بعد 9 يونيو 2011م، أصبح عربيا أكثر نقاء، وإسلاميا أوحد تدينا وسردية (ما دايرين دغمسة بعد الآن) يعبر عن حقيقة نواة قذارة جذور الفكر لهذه العصابة السرطانية التي إستوطنت في جسد الشعوب السودانية، وتسرعت في تحقيق ذلك الحلم لهذا تراجعوا عن إستكمال بقية بنود إتفاق السلام الشامل C P A المتعلقة بمنطقتي النيل الأزرق وجبال النوبة، أهمها إجراء إنتخابات حرة ونزيهة وشفافة على المستوى الرئاسي والبرلماني “القومي والولائي” آنذاك ونجحوا في ترويض الزميل ياسر عرمان لتمرير مؤامرة تزوير الإنتخابات، مدخلها الأول الإنسحاب من السباق الرئاسي دون علم الحركة، مقابل مزايا شخصية له، مما حفز الكيزان على رفض نتيجة الفوز لمرشح الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال الرفيق/ عبد العزيز آدم الحلو – في منصب حاكم ولاية جنوب كردفان، بل لم يكتفوا بتلك المغامرة المتهورة ولكنهم سارعوا الخطوات في مخاطرة أخرى وهي تجريد الجيش الشّعبي من السلاح بالقوة في خلال ثلاثة أيام على حسب تقديرات وتطمينات أحمد هرون للبشير ولكن ماذا كانت العواقب؟ في يوم 6/6، وهو يوم لا يقل قدسيته في أدبيات الحركة الشعبية SPLM مثل يوم 16 مايو وإستمر النضال من أجل مبادىء مشروع السودان الجديد وكانت الحركة الشعبية بعد خيانة الزميل ياسر عرمان إقتصر صراعها ومنافستها على السلطة في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، ولكن الغباء المقترن بالعجرفة وغرور الحركة الإسلامية ووعيها الإقصائي منح الحركة الشعبية فرصة التفوق عسكريا مما جعلها تستعيد خانة رقم Zero في العالم الرقمي داخل حلبة الصراع السياسي السوداني، وبناء على منطقية وصلابة الحجج الفلسفية والعلمية لمشروع السودان الجديد ومصداقية القادة بالفكرة إستطاعوا شرح وتوضيح مضمون الأطروحة لقاعدة الحركات المسلحة الثّوريّة والقوى السياسية المدنية على أثرها تم تأسيس تحالف الجبهة الثّورية السودانية ولكن سرعان ما تنصلت جماعات المركز بمجرد تصريحات نافع علي نافع، عدا هالة عبد الحليم رئيسة (حركة القوى الديمقراطية الجديدة – “حق”) التي ظلت على العهد. ولقد حقق هذا التحالف مكاسب كبيرة للأطراف وخاصة الحركة الشعبية. ولكن أيضًا لم تحقق الأهداف النهائية بسبب البنية المشوهة لمليشيات جبريل إبراهيم ومناوي، وقد إتضج إن هدفهم الأول هو نهب الممتلكات العامة والخاصة، وعدم الإلتزام بقواعد تقاسم غنائم العدو، وإقتصر هدف العمليات العسكرية في الحصول على الغنائم وليس تحرير الأرض والدفاع عنها لحماية السكان وإعادة هندسهتم بالمشروع السياسي للتحالف، ومن ثم التقدم الي الأمام بعد التخطيط الجيد والشيء الذي هشم غرفة الزجاج هو بدء الإنتهاكات وخاصة جرائم الإغتصاب للقاصرات مما جعلت قيادة الحركة الشعبية تضطر أن تطرد هذه المليشيات من الجبهة الأولى (جبال النّوبة) الذي غادروها ودخلوا دولة جنوب السودان وتمركزوا فيها حتي إندلاع تمرد الدكتور/ ريك مشار – عام 2013 وشاركوا في الحرب بجانب الحكومة بمقابل أي مرتزقة إلى أن تم طردهم وعند دخلوهم الأراضي السودانية وقعوا في كمين Ambush ومن نجح منهم هربوا إلى ليبيا للإرتزاق مع طرفي الصراع. وأما قوات حركة تحرير السودان بقيادة الرفيق الأستاذ / عبد الواحد النور – غادرت طوعا الجبهة الأولى. وبعد ذلك إستمرت الحركة الشّعبيّة والجيش الشعبي لتحرير السودان- شمال الكفاح بكافة الوسائل متمسكة بمشروع السودان الجديد. ويتجلّى هذا في الموقف التفاوضي مع نظام الإنقاذ الذي حاول تعريف الصراع والمشكلة بأنها أمنية، أي إنه يجب إجراء ترتيبات أمنية ويجب أن يتصدر هذا الأمر أجندة التفاوض. ولكن الحركة الشعبية تعرف المشكلة بأنها سياسية، وعليه يجب ترتيب الأجندة كالآتي: (القضية السياسية، وبعدها الإنسانية، وأخيرا الترتيبات الأمنية). ولكن رغم وجاهة التعريف الأخير وترتيب الأجندة من حيث طبيعة الصراع والتجارب التاريخية للمباحثات، إلا إن الوساطة لم تستطيع حسم هذا الجدل، لأن “ثابو مبيكي” تواطىء مع نظام الخرطوم حينذاك مما أفشل الطرفين في الوصول إلى إتفاق على جدولة أجندة التفاوض في أكثر من خمس جولات للوفدين، وفكرت الحركة الإسلامية في إختراق الحركة مجددا، ولكن في هذه المرة شمل حتى “مالك عقار إير”، بالإضافة إلى “ياسر سعيد عرمان” المروض مسبقا منذ 2010م مما سهل في إبرام صفقة سميت “إتفاق نافع – عقار”. أحد أهم بنودها هو تذويب الجيش الشّعبي لتحرير السودان- شمال في جيش الحركة الإسلامية، في المقابل يعين مالك عقار وزيرا للدفاع وعرمان للخارجية، ولكن ذكاء ومصداقية وشجاعة الرفيق / عبد العزيز آدم الحلو ـ كشف هذه المكيدة وملكها لمؤسّسات وعضوية الحركة الشعبية والجيش الشعبي وقواعدهم بتفاصيل الخيانة والمؤامرة وكان قرار إستقالة الرفيق/ عبد العزيز الحلو بمثابة صفارة إنذار (الكبسة) وقد وجد القرار إستجابة وتحرك سريع لإفساد الصفقة، وكانت قرارات مجلس التحرير في إقليم جبال النوبة هي الأولى، وأسرع رصاصة عاقت تحركات الخونة، ثم جاءت دانة مجلس التحرير في إقليم الفونج الجديدة التي شلت حركتهم تماما ثم المؤتمر الإستثنائي 2017 للحركة الذي حرر لهم شهادة الوفاة داخل الحركة الشعبية وقلاع التحرير، والآن في حلبة الصراع ووضعية ما كان يطلق عليه “القيادة الثلاثية” وقتها، توجد أدلة دامغة حول أسباب الخلاف الذي سماها الرفيق/ عبد العزيز الحلو – بالمبدئية، وبات هو الأوحد من بين حجج وإدعاءات المتخاذلين.

وبعد هذه الثورة التصحيحية الحركة الشعبية والجيش الشعبي صارا أقوى مما كان عليه بعد إستقلال جنوب السودان وفك الإرتباط مع الحركة الشعبية والجيش الشعبي/ جنوب السودان، وإستطاعت الحركة الشعبية في هذا المؤتمر إعادة صياغة وإجازة الدستور الذي تم فيه الفصل بين المؤسسات المدنية والعسكرية والحزبية التي بنيت بهياكل تنظيمية رقابية صارمة في العلاقات البينية بين الأجهزة التشريعية والتنفيذية والإشرافية، على المستوى القومي والإقليمي والمحلي (المقاطعات) وفي ذات السياق أسست السلطة المدنية إداريا وتقوم على اللامركزية. وإستطاعت السلطات الإقليمية تقديم الخدمات الضرورية للمواطنين في المناطق المحررة وخارجها. وبهذا تكون الحركة قد دشنت مشروع التحرر الإستراتيجي للشعوب ونهضتهم وأهمها التعليم الذي أصبح في المناطق المحررة (الفونج الجديدة/ جبال النّوبة) في حالة توسع مستمر من حيث عدد المدارس ونسبة المعلمين وعدد الأطفال الجدد الملتحقين بمقاعد الدراسة، وتحسن مستويات التحصيل الأكاديمي. فبالرغم من الظروف الإجتماعية، ولكن هنالك تحسن متنامي وآخر موشراته بالنسبة لي هو إحراز تلميذ من مدرسة بجبال النوبة المرتبة الأولى في إمتحانات الشهادة الإبتدائية عام 2022م بولاية الوحدة بجمهورية جنوب السودان. وحتى نتيجة الثانوية العامة في ذلك العام كان مستوى النجاح جيد جدا للإقليم وأيضا إقليم الفونج الجديدة حظي بنفس الإهتمام تطبيقا لنظرية التنمية المتوازنة كأحد مرتكزات الإقتصاد السياسي لفلسفة السوق الإجتماعي في النظرية الإقتصادية لمشروع السودان الجديد الذي أصبح واقعا معاشا في مهام السلطة المدنية للسودان الجديد. على سبيل المثال وليس الحصر مشروع قوانين السودان الجديد ذات المرجعية العلمانية والإعراف التي لا تتعارض مع مواثيق ومعاهدات حقوق الإنسان. وقد بلغ عدد القوانين المجازة وسارية المفعول 31 قانون. ويعتبر قانوني العقوبات لسنة 2018م والإثبات لسنة 2018م من أكثر القوانين تقدما في أفريقيا من حيث المساواة بين الجنسين، والطرق العلمية في إثبات النسب (الأبوة والأمومة) من ناحية بيولوجية بواسطة الحامض النووي D NA. والآن هنالك مشروع قانون للأسرة في طور النقاش في إدارة العدل – قسم التشريع بالسلطة المدنية للسودان الجديد، وسوف يعرض للجهات الأخرى ذات الصلة وهي (مجلس الأمومة والطفولة، وتنظيمات النساء، ومجلس ومكوك وسلاطين السودان الجديد، والحزب، ومنظمات المجتمع المدني) بغرض إجراء بحث في جميع عادات وأعراف وقيم الشعوب والمجتمعات في المناطق المحررة لمواءمتها مع مواثيق ومعاهدات حقوق الطفل والمرأة والإنسان عموما، ليتم سن قانون أسرة موحد ينظم هذه المجتمعات ويحافظ على هوياتها الثقافية المعقلنة حتى يستطيعوا المنافسة والمساهمة في مسارات حركة التاريخ نحو التقدم الإنساني اللانهائي.

وبعد كل الإنجازات والتحول في مشروع التحرر الجذري من الأيديولوجيا الإسلامو – عروبية الذي أحدثته الحركة الشّعبية خلال هذه الفترة، لا يمكن أن تتنازل أو تساوم بمبادىء مشروع السودان الجديد مهما كانت التحديات الداخلية والخارجية وخلفيات أطراف التحالفات السياسية أو العسكرية أو إتفاقيات السلام، والدليل على هذا إتفاقية إعلان المبادىء 2020م مع حكومة الأمر الواقع بما فيهم “حميدتي” حينذاك كان في معسكر العدو، سعوا للإلتفاف على مخاطبة جذور الأزمة كما هو موضح في مشروع السودان الجديد ولكن هيهات .. وإستمر الكفاح إلى ان تحطمت تلك العلاقة وخرج إبن الرحم من الطاعة وظل موقف الحركة تجاههم كما هو، وصدام 15 أبريل 2023 خفف عبء كبير على الحركة في تفكيك مراكز قوة الجلابة وما يسمى بالجيش، ورؤوس الأموال المتراكمة منذ حقبة تجارة الرقيق ونهب الموارد المتجددة وغير ذلك مثل البترول والذهب من الأقاليم المهمشة. ولكن ظاهرة الشفشفة في مثلث حمدي الظالم يعتبر بمثابة نظرية إعادة توزيع الثروة عشوائيا بين المجتمعات التي تعاني من موانع هيكلية خلقت حالة ثراء منتفخ ونمط وهوس إستهلاك بزخي للإفتخار، والسواد الأعظم من المجتمعات المنتجة هي في وضعية فقر مدقع (حالة الفاقة والعوذ المستديم).
بعد الساعات الأولى من إطلاق رصاصة حرب 15 أبريل 2023، بدأ الطرفين في تحديد طبيعة الصراع وإن نهاية القتال يجب أن يكون معادلة صفرية بمعنى لا حل وسط بينهما. أي كل طرف يسعى للقضاء على خصمه نهائيا وإبعاده من المشهد السياسي. البرهان وزمرته الإجرامية سقف عقيدته القتالية هزيمة قوات الدعم السريع وتفتيتها، وما تبقى منها يتم تذويبه في الجيش، وسقف حميدتي القبض على البرهان وبقية جنرالات الكيزان وتقديمهم للعدالة. وتمسك كل منهما بسرديته الحربية الى أن أرغما للجلوس والتفاوض، وتوصلوا إلى ما يسمى ب”مخرجات جدة” التي تنصل عنها البرهان، وأيضا إتفاقية “المنامة” التي تنصلوا عنها كذلك، وظل الدعم السريع يدعم كل مبادرات السلام وفي المقابل تحالف بورتسودان بما فيهم حركات الإرتزاق مراهنين على الحسم العسكري وعلى الأقل اذا لم يستطيعوا إفنائه، يجب إضعافه من ثم التسوية بشروط المنتصر وليتم إستخدامه مره أخرى لمقاتلة الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان ـ شمال، بإعتباره العدو الإستراتيجي لهم، ولكن عبقرية قيادة الحركة في إغتنام هذه الفرصة التاريخية التي لم تتوفر حتى للدكتور جون قرنق ويوسف كوة. وإذا حدث لن يترددوا في كسب وتحويل مثل هذه القوة من عدو إلى صديق ومن ثم تحالف رفاق على مبادىء نبيلة وأهداف سامية، هذا الحدث الذي صدم البرهان وزمرته الإجرامية وخلط أوراقهم !!
ومن ساعد وسهل هذا الإختراق هو وعي قيادة الدعم السريع بطبيعة الصراع وخطورة مصيره وحواضنه الإجتماعية في حال الإستمرار في القتال دون قيم أخلاقية (مشروع سياسي) يسعى لتأسيس دولة المواطنة التي ترتكز على العدالة والمحاسبة التاريخية وليس الإنتقام والتشفي من أحد أو العقاب الجماعي ضد أي مجموعة مهما كان درجة مشاركتهم في الإنتهاكات، وهذا بالضبط ما تضمنه ميثاق السودان التأسيسي ودستور السودان الإنتقالي 2025 في المادة 48 البند 1 الذي نص على الآتي: (الإلتزام بالعدالة والشفافية وسيادة حكم القانون وإطلاق عملية شاملة للعدالة والمحاسبة التاريخية لضمان المحاسبة على الجرائم التي أرتكبت بحق الوطن والمواطن وتسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، وجبر الضرر وإجراء الحقيقة والمصالحة) وبقية البنود الواردة في هذه المادة.
وجوهر وغاية هذا التحالف هو وقف القتال وإنهاء الحروب وإستعادة الأمن وبناء السودان الجديد لتحقيق السلام الفردي والإجتماعي المستدام. وديباجتي الميثاق والدستور وخاصة في المادة 49 تتحدث عن صناعة وبناء السلام بصياغة واضحة وهي: (تلتزم حكومة السلام الإنتقالية بالعمل على إنهاء الحروب وذلك بتحقيق سلام عادل وشامل). وبناءا على ذلك دعا الرفيق/ عبد العزيز آدم الحلو – البرهان الإنضمام إلى تحالف السودان التأسيسي وإلا القتال سوف يصله في بورتسودان، وبعد أقل من شهرين حدث ما حدث. وأنا أيضا أقول لهم اذا لم تتعظوا من تجاربكم وتوقفوا القتال قبل نهاية الخريف وإجراء تسوية سياسية شاملة وعادلة بأسرع ما يمكن، سوف تكون بورتسودان “بؤرة الكيزان” أراضي محررة، لأن الجيش الوطني الجديد المعرف في المادة 95 من دستور السودان الإنتقالي عقيدته العسكرية تقوم على هذه المهمة. وسيتم تأسيسه بواسطة حكومة السلام الإنتقالية المرتقبة.

وهذا التحالف بالنسبة لي لا يخلوا من مخاوف وهذا مشروع، لأن أي عمل سياسي هو مغامرة تتوفر فيها فرص النجاح ومهددات الفشل، ولكن في كلا الفرضيتين الحركة الشعبية لن تساوم بمشروع السودان الجديد وتتوقف عند منتصف الطريق بعد كل هذا التضحيات وحتما سوف تكمل مسار الثورة حتى اذا إنتكست أطراف التحالف بما فيهم قوات الدعم السريع. لن تستطيع أي قوة تقويض مشروع السودان الجديد والتجارب أثبتت هذه الحقيقة، 41 سنة لن تمحى من تاريخ الشعوب الحرة !!!

ميثاق السودان التأسيسي ودستور السودان الإنتقالي 2025م مشروع الإنعتاق العظيم لأول مرة وللأبد …
النضال مستمر والنصر أكيد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.