الســـــــــــــودان الجديد فرصة للمرأة لتقييم الماضي والحاضر ورسم المستقبل.

✍️🏽 عرفة عبدالله كرتو

 

 

بعد التوقيع على الميثاق التأسيسي لقوى الســـــــــــــودان في العاصمة الكينية نيروبي أصبحت الشعوب الســـــــــــــودانية في مرحلة جديدة لإعادة بناء الدولة بعد الحقبة الاستبدادية التي أســــــتمرت على مدار 69 عاماً، تعد هذه المرحلة فرصـــة لإرساء مباديء الديمقراطية والعدالة الجامعة والشاملة ضمن الإطار القانوني لنظام سياسي جديد يتمتع بشرعية جماهيرية، بحيث يكون للنساء الســـــــــــــودانيات دور فاعل في المرحلة الانتقــــــالية.

 

واقع النساء في الســـــــــــــودان القديم

ما مرّت به المرأة وما تعرضت له في الســـــــــــــودان القديم يرجع في تقديري الي الثقافة الذكورية التي لا تعترف بإستقلالــــية المرأة بوصفها كائناً حُـــراً مساوياً للرجل في الحقوق والواجبات التي ضمنها لها القانون، وجاءت التفسيرات الدينية و المجتمعية مُجحفه في حق المرأة، فارضة للثقافة الذكورية التي تسهم في تعزيز سلطة الرجل وهيمنته وملكيته، والتعامل مع المرأة بوصفها تابعاً للرجل، وليس كياناً مستقلاً بذاته. لكل ما ذُكِر من مفاهيم سالبة، أصبحت المرأة تواجه مجموعة واسعة من التحديات، فهي تعاني من الصعوبات الإقتصادية و الصراعات السياسية التي تؤثر بشكل خاص على حياتها. وبالرغم من كل ذلك تظل قدرتهن على الصمود ملحوظة، إذ يتكيف العديد منهن مع الظروف الصعبة ويبرزن كقوي دافعة للتغيير والتنمية.

ويمكن تصنيف أوضاع النساء في الســـــــــــــودان القديم الي ثلاثة مستويات :

الأولى _ مستوى المرأة التي علقت تحت القصف والقتل والتدمير ونزحت وهُجرت وعاشت لفترات طويلة في مخيمات النزوح ومازالت حتى الآن غير قادرة على العودة إلى الأماكن التي هُجرت منها لأنها لم تعد موجودة. فقد دمرها القصف تدميراً شاملاً ، حياة هذه المرأة في المخيمات حياة بائسة، همها الأوّل هو الحصول على المعونات الانسانية لتواصل العيش مع أبنائها،  وهي حياة لاتتوفر فيها الشروط الإنســـــانية.

المستوى الثاني _ المرأة التي تمكنت من الخروج من مناطق الصراع وإنتقلت للعيش في دول مستقرة وآمنة وإنفتحت على عوالم جديدة، ومُنحت فرصة للتعرف على حقوقها، وممارسة حريتها، ونجحت في شق طريقها في مجتمعات مغايرة.

المستوى الثالث _ المرأة التي تعيش في ظل النظام الفاقد لشرعيته، المُنهار على كافة الاصعِدة، فاسدة قيمياً وأخلاقياً، لا هم لها سواء الإثراء على حساب الفئة الأولى التي تمثل الشريحة الكُبرى وتعيش في ظل ظروف قاهرة، أفرغتها من محتواها ولم يعد يشغلها سوي تحصيل لقمة عيشها. أما مفاهيمها عن الحرية والديمقراطيه والعدالة والمساواة، فقد باتت نسياً منسياً. واذا استثنينا النساء اللواتي تمكن من الخروج من الســـــــــــــودان بسبب الحروب والنزاعات، فإن باقي النساء صارن بمن فيهن الفئة المثقفه يكافحن من أجل الحصول على رغيف الخبز والماء اما ماخلا ذلك فصار يشبه ترفاً فكرياً وانفصالاً عن الواقع.

 

إسترداد المكانة

لعل التحدي الأكبر أمام المرأة اليوم، هو أن تؤهل نفسها للدور الذي تريده هي لا الدور الذي يفرض عليها، فطالما فُرضت عليها أدوار نمطية جاهزة، حاصرتها في إطار حدود جسدها البيولوجي، فمن أدوار المرأة الرئيسيه بحسب الثقافة الذكورية المتعة والإنجاب لذا جري التركيز على إمتاع الرجل ووظيفة الأمومة وتربية الأطفال وانها خلقت لذلك، وما زلنا نسمع عن مثل هذه التصورات حتى اليوم. وفي حقيقة الأمر، فإن إعـــــداد المرأة وتمكينها يؤهلها للقيام باي دور، فليست هناك مهن نسوية وأخرى ذكورية بل هناك شخص أعِد منذ الصغر للقيام بعمل ما، وآخر لم يعد فحدث التمايز بينهما.

 

في ظل الأوضاع الصعبة التي مرت بها المرأة فإن مستقبلها بحاجه الى إعـــادة بناء من جديد ولابد ان يكون البناء علي أسس ثابته هذة المرة فبعد التجارب المريرة التي عاشتها لابد أن ينبثق من خلالها امرأة المستقبل امرأة أقوى، المرأة التي احتملت ظروف القهر والتهميش بمختلف مراحلها وتجلياتها هي إمـــرأة جديرة بالتقدير والإحترام، والمشاركة في كل مناحي الحياة.

 

لعل من أولويات النهوض بالمرأة في الســـــــــــــودان الجديد، النهوض بالتعليم وان يعاد النظر فيه وفق أسس صحيحة، أسس لاتعلي من شأن طرف علي حساب طرف آخر وفق تصورات مغلوطة وتقسيمات جندرية بل وفق مبدأ تعزيز مفهوم المواطنة الحق، الذي يخلق إنسانا قويا يعرف حقوقه وواجباته، التي يضمنها له القانون، بعيداً عن أي تمييز ديني أو عرقي أو جندري والتفاضل بين مواطن وآخر يقوم على مبدأ الكــــفاءة فحسب. ولابد من تفكيك الاواصر المتشابكة التي حالت دون الإعتراف بالمرأة فاعلاً في المجتمع وينبغي إيــــقاظ المرأة وإعـــادة توجيه نظرتها الي نفسها لا بوصفها إنسان لا هم لها غير الزينة أو بوصفها فتنه ينبقي المبالغة في سترها وحجبها أو قبولها بالدور الذي حوصرت فيه وفق تكوينها البيولوجي، بل بوصفها جنساً مشاركاً للرجل في الأدوار العامـــــه، والمسؤوليات الجماعية لترسيخ ركائز الشراكة الفاعلة.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.