تحرير الذات اولاً: المرأة الإفريقية بين الإستلاب والحرية الحقيقية.

✍️🏽بدرية سعيد الطاهر

 

 

أردتُ أن يتزامن هذا المقال مع اليوم العالمي للمرأة، لأنّ نساء القارة الأفريقية، في الواقع، يحتفلن بهذا اليوم بينما تحجب البواريك والشعر المستعار عقولهن، في تناقضٍ صريحٍ مع مفهوم الحرية. فالإنسان الحر هو من يقبل ذاته أولًا، ثم يحتفل بما أنجزه.

 

أبدأ هنا بقول الكاتبة العظيمة د. نوال السعداوي، التي عندما سُئلت: “هل يجب تحرير الوطن أولًا أم تحرير الذات؟”، ردت قائلة: “تحرير النفس أولًا، ففاقد الشيء لا يعطيه”.

 

من هذا المنطلق، أعتقد أن على نساء أفريقيا عامةً، والسودان خاصةً، بذل جهودٍ مضنيةٍ لتحرير ذواتهن، حتى لا ينظرن إلى أنفسهن من خلال عيون الآخرين. فإحدى المشكلات الملحة التي تواجه نساء أفريقيا اليوم هي مسألة تحرير الذات، لأن الذات المشوّهة لا يمكن أن تساهم بفعالية في تحرير الشعوب أو النضال بشكل عام.

 

إن تشويه الذات ليس حكرًا على النساء، بل يشترك فيه الرجال أيضًا، لكن الصورة تظل أكثر وضوحًا عند النساء، باعتبارهن الحلقة الأضعف داخل مجتمعاتهن. يتم ذلك عبر استبطان معايير جمالية مستمدة من ثقافة المهيمن، أي ثقافة غير أصلية بالنسبة للشعوب الأفريقية.

 

نتيجةً لذلك، أصبحت النساء الأفريقيات بعيدات كل البعد عن ذواتهن الحقيقية. فلا يُعقل أن تكون امرأة “بشعرٍ مستعار، وكريمات تفتيح، وحبوب تسمين… إلخ”، إنسانةً سويةً ومتقبلةً لذاتها. بل قد ينطبق عليها ما أطلق عليه فرانز فانون مصطلح “حالة اللاوجود”.

 

المؤسف أن عددًا كبيرًا جدًا من النساء في أفريقيا يستخدمن هذه الوسائل بلا استثناء، بما في ذلك ناشطات، وقياديات في تنظيمات سياسية، وأكاديميات، بل وحتى من يشغلن مناصب سيادية على مستوى دولهن. وهذا يؤكد عمق الاستلاب والاغتراب عن الذات الذي تعاني منه النساء في القارة الأفريقية، مما يفسر ضعف دورهن في المجال العام مقارنةً بأعدادهن الكبيرة.

 

يرجع ضعف المشاركة النسائية في المجالات العامة، في جوانب كثيرة منه، إلى الاستلاب النوعي الناتج عن الهيمنة الأبوية، حيث يتم تربية الرجال على حب السلطة وممارستها، بينما يتم تربية النساء على حب أولئك الرجال الذين يمارسونها.

 

يتجلى هذا بوضوح في الاستخدام المفرط لكريمات التفتيح، في محاولةٍ للوصول إلى الصورة النمطية المفروضة للجمال، أي “النموذج المثالي للمرأة الجميلة”.

 

إذا كانت “بيكولا” في رواية توني موريسون (“العين الأكثر زرقة”)، تصلي لربها كي يمنحها عيونًا زرقاء، وبشرة فاتحة، وأنفًا مستقيمًا، فإن السوق الرأسمالية اليوم توفر الأدوات والوسائل التي تتيح للمشوهات زيفًا الاقتراب من هذا النموذج.

 

لكن في الحقيقة، لا يمكن التخلص من ذاتك الطبيعية، كما لا يمكن الوصول تمامًا إلى ذلك النموذج المصطنع، بل ستصبحين مجرد مسخٍ مشوّه، تتنازعه صراعات داخلية بين ما هو حقيقي وما هو زائف.

 

ختامًا

 

كيف للنساء أن يساهمن بفعالية في صنع القرار، بينما تُنفق معظم أوقاتهن في التجوال بين البوتيكات بحثًا عن الماركة الأكثر جودة؟

 

بدرية سعيد الطاهر

8/3/2025

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.