
قراءة واقعية لتحالف السودان التأسيسي (٢ – ٣)
✍🏿 بقلم: الجاك محمود أحمد الجاك
برزت ردود أفعال وإنتقادات حادة من الرافضين لتحالف السودان التأسيسي على خلفية وجود قوات الدعم السريع كطرف أساسي فى ميثاق تحالف السودان التأسيسي والدستور الإنتقالي. وبما أن هذا التحالف قد أحدث حراكا سياسيا كبيرا في الساحة السياسية وأصبح محل إهتمام القوى السياسية والمدنية سوءا كانت من قوى التغيير أو قوى الثورة المضادة، فمن حق أى مواطن سوداني أن يتساءل وينتقد. لذلك كان لا بد من إحاطة القارئ والرأي العام للإلمام بمسوغات تحالف الحركة الشعبية مع قوات الدعم السريع ضمن الأطراف الموقعة على ميثاق تحالف السودان التأسيسي. ومن المهم أيضا إحاطة القارئ بمفهوم الحركة الشعبية للتفاوض والتحالفات كجزء من وسائل نضالها لتحقيق أهدافها وتحقيق مشروع السودان الجديد.
ظل التفاوض واحد من أهم وسائل نضال الحركة الشعبية لتحقيق أهدافها ورؤيتها منذ نشأتها كحركة تحررية، فالتفاوض في الأساس هو حوار أو موقف تعبيري ديناميكي (حركي) بين طرفين أو أكثر حول قضية يتم عرضها وتبادلها ومحاولة مقاربتها ومواءمتها وتكييف وجهات النظر فيها بإستخدام كافة وسائل الإقناع للحصول على المصالح والمنافع بشكل مرضي لأطراف التفاوض (a win-win agreement). والتفاوض في عالم اليوم يعد وسيلة متحضرة في التواصل والتفاهم الفعال للإتفاق على أفضل الأرضيات المشتركة والتفاهم البناء مع بني البشر على إختلاف ثقافاتهم وعقائدهم ومصالحهم. كما يساعد التفاوض في إحتواء وحل النزاعات التي تستنزف الوقت والموارد البشرية والمادية ولا تتناسب مع إيقاع العصر ومتطلباته على جميع الأصعدة. ولأهميته تطور التفاوض كفن وأصبح واحد من العلوم الإنسانية والإجتماعية المهمة التي تدرس في جامعات وكليات وبيوتات خبرة متخصصة. أما التحالفات فهي الأخرى ظلت واحدة من وسائل نضالنا الفعالة لتحقيق السودان الجديد، ومعلوم أن الحركة الشعبية لديها تجربة وخبرة وتاريخ طويل في هذا المضمار ما يؤهلها بالضرورة للتفكير خارج الصندوق إنطلاقا من فهمها العميق لطبيعة الصراع الحاصل في السودان وماكنيزمات/آليات إدارة المركز لهذا الصراع. ولكنها، أي الحركة الشعبية وكغيرها من قوى التغيير الحية دائما ما تضع في الحسبان رؤيتها وأهدافها الإستراتيجية عند دخولها كطرف في أى تحالف إستراتيجي أو تكتيكي، فضلا عن ضمان تحقيق مصالح الشعوب التي ظلت تناضل من أجلها، وبالتالي لا أحد يملي عليها ماذا تفعل ومع من تتحالف ومتى. الحركة الشعبية تتفهم أسباب ودوافع صراخ وعويل المصدومين والموجوعين من ميلاد تحالف السودان التأسيسي، خاصة عندما يأتي هذا الصراخ من سدنة المركز وحرسه الأيديولوجي وأبواقه. فقد تفاجأ هؤلاء أن الرؤية والمبادئ والأهداف التي ظلت تناضل الحركة الشعبية لتحقيقها قد تم تضمينها في ميثاق تحالف السودان التأسيسي والدستور الإنتقالي لجمهورية السودان لسنة ٢٠٢٥ الذي سيحكم حكومة السلام والوحدة الوطنية المرتقبة والتي ستحظى على الأرجح بإعتراف وسند وتأييد معتبر على الصعيدين الإقليمي والدولي واضعين في الإعتبار أن نجاحها في كسب التأييد والدعم يعتمد على قدرة حكومة السلام والوحدة الوطنية على إقناع اللاعبين الفاعلين. فكرة الحكومة الموازية ليست فكرة جديدة، فهناك تجارب وسوابق كثيرة في العالم لحكومات أمر واقع نشأت في عدة دول في ظروف إستثنائية شبيهة لما يحدث في السودان بسبب الإحتلال والحرب الأهلية أو إنهيار الدولة. تشكل المبادئ والأهداف التي نص عليها ميثاق تحالف السودان التأسيسي والدستور الإنتقالي لجمهورية بسنة ٢٠٢٥ في مجملها أساسا لمشروع السودان الجديد الذي يمثل برنامج الخلاص الوطني لكل السودان، وهو ما لم يحدث تحقيقها بهذا القدر في أي من تحالفات الحركة الشعبية السابقة والتي كان أبرزها تحالف التجمع الوطني الديمقراطي NDA بميثاقه التأسيسي ومقررات مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية ١٩٩٥. لذلك تدرك قوى المركز جيدا خطورة هذا التحالف بإعتبار أن الوثيقتيت (ميثاق تحالف السودان التأسيسي والدستور الإنتقالي لجمهورية السودان لسنة ٢٠٢٥) مع توحيد البندقية وإعلان حكومة السلام والوحدة الوطنية كحكومة موزاية ذات شرعية إنتقالية تفتقدها سلطة بورتسودان هي آليات كفيلة بتفكيك السودان القديم وتشييعه إلى مذبلة التاريخ وفتح الطريق أمام بناء السودان الجديد.
الحركة الشعبية من حقها التحالف مع كل من يلتقي معها في تفكيك السودان القديم كهدف مركزي وشرط ضروري لبناء السودان الجديد، فما الذي يمنعها من التحالف مع قوات الدعم السريع كقوة موجودة على الأرض تقوم عمليا بتفكيك المركز وقد إقتنعت بضرورة العمل معنا ومع حلفاءنا وقوى التغيير الحية لبناء السودان الجديد؟ ولعل الحقيقة التي يعلمها القاصي والدانى هي أن الحركة الشعبية ليست من صنعت قوات الدعم السريع إبتداءا حتى تتحمل وزر وجودها، كما لم تكن جزءا من القوى السياسية المعلومة التي إعترفت بقوات الدعم السريع وعملت على شرعنتها رسميا في الوثيقة الدستورية إبان الفترة حكومة الإنتقالية التي أعقبت ثورة ديسمبر عندما كانت تبح حلاقيم شباب ثورة ديسمبر : (العسكر للثكنات والجنجويد يتحل) لكنهم أداروا لهم ظهورهم وصموا آذانهم وقتها. بيت القصيد أن العدواة مع الدعم السريع كما ذكرت في الجزء الأول من المقال هو جزء من الماضي ولا يجب أن تستمر كجزء من الحاضر والمستقبل. نحن لم نحارب بأجندة عنصرية وإنتقامية أو إسئصالية، وليس من أهدافنا إستئصال أي آخر ثقافي أو عرقي أو ديني، فهذا ليس من أخلاق الثوار، لكن هذا ما يريده المركز بالضبط حسب طبيعته العنصرية لأنه يخدم خطه وأهدافه ومصلحته في عدم توحيد نضال وبندقية قوى الهامش ضده لإنتزاع حقوقه السياسية والإقتصادية والإجتماعية. لذا يتوجب علينا التركيز على مهمتنا الأساسية المتمثلة في توحيد نضالات قوى التغيير وقوى السودان الجديد وتوحيد بندقية الهامش في مواجهة مركز السلطة الذي ظل ينتج السياسات التي ولدت الحروب…..علينا تدمير المصنع الذي ظل يعمل على صناعة وتفريخ المليشيات حتى نوقف سياسة الأرض المحروقة والإبادة الحسية والثقافية ضد أي من شعوب الهامش. علينا فعل كل ما بوسعنا لتحييد طيران سلطة بورتسودان التي تحصد أرواح شعبنا بصورة يومية، كما علينا منع سلطة بورتسودان من نهب ذهب وبترول وثروات وموارد الهامش لتقوية آلتها العسكرية وإطالة عمر سلطتها الفاقدة للشرعية. علينا الاصدي لذبح المواطنين العزل بشكل يومي على أساس عرقي وعنصري بموجب قانون الوجوه الغريبة. نحن ندرك أن هذا الصراخ والعويل إنما هو نتاج طبيعي لتحسس الخطر والشعور ببروز تهديد وجودي حقيقي Real existential threat، لكن بالطبع عندما يصرخ السدنة ويبكي الحرس الأيديولوجي للسودان القديم بحرقة شديدة هكذا فتأكد أنك تسير في الإتجاه الصحيح، وأعلم أنه التخندق في الهيمنة للمحافظة على الإمتيازات التاريخية كما الطفل الذي يقاوم الفطام لأن الجاك لن يقبل بهدم البيت الذي بناه الجاك.
صفوة القول وبيت القصيد: (تظل الحقيقة المرة والصادمة لأعضاء النادي السياسي القديم هي أن السودان القديم قد إنكشفت عورته وإنتهت دورته وفقد مبررات وجوده وإستمراره، ولا مخرج إلا سودان جديد يسع الجميع، ولا عودة من منتصف الطريق).
ونلتقيكم في الجزء الثالث والأخير من المقال،،،