
مقارنة وتحليل الوثيقة الدستورية المعدلة والدستور الانتقالي لعام 2025 بين مستقبل السودان العلماني الديمقراطي وفرص السلام:
✍️🏽 خالد كودي بوسطن، ٢٤ فبراير ٢٠٢٥
تعكس الوثائق الدستورية في السودان ديناميكيات الصراع السياسي والاجتماعي، وتحدد شكل الدولة ونظام الحكم، كما تعكس موازين القوى بين الفاعلين السياسيين، خاصة بين القوى المدنية والعسكرية. وتشمل هذه الوثائق القضايا الجوهرية المتعلقة بمصادر التشريع، دور المؤسسة العسكرية، العلاقة بين الدين والدولة، موقفها من الحقوق والحريات، التزاماتها بالقوانين والمواثيق الدولية، وإمكانية تحقيق السلام والاستقرار في السودان. في هذا التحليل، سأناقش الوثيقتين من حيث الأبعاد السياسية والتشريعية والاجتماعية، مع تحديد فرص النجاح والتحديات التي تواجه كل منهما، الوثيقة الاولي هي الدستور الانتقالي لحكومة السودان الذي أصدره تحالف السودان التاسيسي والوثيقة الثانية هي الوثيقة الدستورية التي انتجتها قوي الحرية والتغيير في ٢٠١٩ ووافق عليها المجلس العسكري الانتقالي، والان تم تعديلها من نفس المجلس العسكري الانتقالي.
مصادر التشريع: بين الدولة العلمانية والدينية: /1
نصوص الوثيقتين:
الدستور الانتقالي 2025
ينص في (المادة 4) على أن السودان دولة علمانية ديمقراطية، ويفصل بوضوح الدين عن الدولة، بحيث تستند القوانين إلى المعايير الحقوقية الدولية والقوانين الوضعية وليس إلى أي مرجعية دينية أو طائفية.
الوثيقة الدستورية المعدلة:
لم تؤكد بشكل صريح على فصل الدين عن الدولة، مما يترك الباب مفتوحًا لإمكانية تدخل الشريعة أو التفسيرات الدينية في التشريع، خاصة في قوانين الأحوال الشخصية.
تحليلنا:
الدولة المدنية الحديثة تعني أن كل المواطنين متساوون أمام القانون، بغض النظر عن دينهم أو خلفيتهم الثقافية، وهذا يضمن المواطنة المتساوية وعدم التمييز.
اما إذا ظل الدين مصدرًا للتشريع، فقد يتم تقييد الحريات الفردية، خاصة حقوق المرأة والأقليات الدينية، كما حدث في التجارب السابقة في السودان.
السلطة المدنية والعسكرية: /2
هل السودان ديمقراطي مدني أم عسكري ديكتاتوري؟
نصوص الوثيقتين:
الدستور الانتقالي 2025
ينص على فصل السلطات، ويؤكد في (المادة 6) على أن الجيش والقوات النظامية يجب أن تخضع للسلطة المدنية المنتخبة، مما يعني إنهاء تدخل الجيش في السياسة.
الوثيقة الدستورية المعدلة:
تستبدل مصطلحات “المدنيين” و”العسكريين” بمفهوم “الشركاء”، مما قد يشير إلى استمرار تقاسم السلطة بين المكونين العسكري والمدني، بدلاً من الانتقال الكامل إلى الحكم المدني.
تحليلنا:
إذا تم تقييد دور الجيش سياسيًا، فسيؤدي ذلك إلى استقرار سياسي طويل الأمد.
واما إذا بقي الجيش شريكًا في الحكم، فذلك يعزز احتمالات الانقلابات والصراعات السياسية، كما شهدت السودان تاريخيًا.
موقع الجيش والقوات النظامية: /3
مؤسسة وطنية أم طرف سياسي؟
نصوص الوثيقتين:
الدستور الانتقالي 2025
ينص في (المادة 7) على أن القوات المسلحة يجب أن تكون مهنية، غير مسيسة، ومحايدة، ولا يحق لها التدخل في العملية السياسية.
الوثيقة الدستورية المعدلة:
. تشير إلى استمرار دور الجيش في المشهد السياسي، عبر مفهوم “الشراكة”، مما يعني بقاء نفوذه
تحليلنا:
إذا أصبح الجيش مؤسسة مهنية غير سياسية، فسيضمن ذلك عدم تكرار التدخل العسكري في الحكم.
إذا بقي الجيش شريكًا في السلطة، فإن السودان قد يظل في دائرة النزاعات بين العسكريين والمدنيين.
: الحقوق الأساسية وحقوق المرأة وربطها بمصادر التشريع /4
نصوص الوثيقتين:
الدستور الانتقالي 2025
يكرس في (المادة 19) حماية كاملة للحقوق الأساسية، والمساواة بين الجنسين، ويؤكد على تجريم العنف ضد المرأة، مع إلغاء أي قوانين تمييزية.
الوثيقة الدستورية المعدلة:
لم توضح موقفها بوضوح من هذه الحقوق، مما يفتح المجال لإعادة تفسيرها وفقًا لمصادر تشريع غير مدنية بالكامل
تحليلنا:
إذا التزم السودان بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، فستكون حقوق المرأة والأقليات محمية
إذا كانت مصادر التشريع غير علمانية، فسيتم تقليص بعض هذه الحقوق، خاصة فيما يتعلق بالأحوال الشخصية والعمل السياسي، والابداع وحريات البحث العلمي.
قضية الهوية الوطنية: /5
الوحدة أم الإقصاء؟
نصوص الوثيقتين:
الدستور الانتقالي 2025
ينص في (المادة 3) على أن السودان دولة متعددة الثقافات والأعراق، ويحمي جميع المكونات الاجتماعية
الوثيقة الدستورية المعدلة:
. الوثيقة المعدلة لم توضح موقفها من التعدد الثقافي والعرقي بشكل واضح، مما يترك المجال لفرض فرض هوية أحادية
تحليلنا:
إذا تم احترام التعددية الثقافية، فسيؤدي ذلك إلى تقليل النزاعات العرقية والسياسية.
اما إذا تم فرض هوية واحدة، فقد يؤدي ذلك إلى الإقصاء وتصاعد التوترات.
موقف الوثيقتين من القوانين والمواثيق الدولية ودساتير الدول الحديثة: /6
نصوص الوثيقتين:
الدستور الانتقالي 2025
ينص في (المادة 28) على الالتزام الكامل بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ويعتمد على نماذج دساتير حديثة في المحيط الافريقي مثل دستور جنوب إفريقيا وكينيا وغيرهم.
الوثيقة الدستورية المعدلة:
. لم تؤكد التزامها الواضح بالمواثيق الدولية، مما يترك مجالاً لإعادة تفسير الالتزامات الدولية
تحليلنا:
إذا التزم السودان بالمواثيق الدولية، فسيحصل على الاعتراف الدولي والدعم الاقتصادي والمساعدات التنموية.
إذا تجاهل الالتزامات الدولية، سيؤدي ذلك إلى عزلة دولية وعقوبات محتملة.
المحاسبة والعدالة الانتقالية: /7
لا مستقبل دون إنهاء الإفلات من العقاب:
الدستور الانتقالي 2025
يؤكد على عدم الإفلات من العقاب، ويُلزم الدولة بتفعيل آليات العدالة الانتقالية، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات، سواء من رموز النظام السابق أو من أطراف النزاع الحالي، كجزء من بناء سلام دائم قائم على العدالة
الوثيقة الدستورية المعدلة:
لا تضع التزامات واضحة بشأن المحاسبة، مما قد يسمح بإعادة دمج بعض رموز النظام السابق في المشهد السياسي دون مساءلة، ويفتح الباب أمام اتفاقيات سياسية تتجاهل حقوق الضحايا والمظلومين
تحليلنا:
إذا تم تطبيق مبدأ المحاسبة والعدالة الانتقالية، فسيكون ذلك خطوة نحو بناء دولة قانون ومؤسسات، واستعادة ثقة المواطنين في العدالة.
إذا استمر الإفلات من العقاب، فستُعاد إنتاج دوائر العنف، حيث سيدرك الفاعلون السياسيون والعسكريون أن ارتكاب الجرائم والانتهاكات لا يقود إلى المحاسبة، بل إلى التسويات السياسية والمناصب.
: فرص النجاح والسلام وفقًا لواقع السودان المعقد /8
نصوص الوثيقتين:
الدستور الانتقالي 2025
يركز على السلام المستدام من خلال معالجة أسباب النزاعات مثل التهميش وعدم المساواة
الوثيقة الدستورية المعدلة:
تميل إلى الترضيات والمناورة والحلول التفاوضية بترجيح الجيش وتقاسم السلطة بدلاً من إجراء إصلاحات جذرية
تحليلنا:
معالجة جذور النزاعات ستؤدي إلى استقرار حقيقي.
إذا كانت الحلول تعتمد على تقاسم السلطة، فقد تكون هدنة مؤقتة فقط.
أي الوثيقتين تتيح مستقبلًا ديمقراطيًا مستدامًا؟
أولا، الدستور الانتقالي 2025 يمثل فرصة حقيقية لبناء دولة ديمقراطية مدنية تعتمد على سيادة القانون والعدالة الانتقالية.
ثانيا، الوثيقة الدستورية المعدلة تقدم حلاً مؤقتًا لكنه لن يحقق التحول الديمقراطي باي درجة، خاصة إذا بقي الجيش متحكمًا في السلطة فستستمر الحروب.
السؤال الحاسم:
هل سيتمكن السودان من تجاوز الحلقة المفرغة من الحكم العسكري والصراعات، أم ستظل التعديلات تعيد إنتاج الأزمات القديمة؟
ختاما، السودان أمام لحظة حسم تاريخية – العدالة أم الفوضى؟
يمثل الدستور الانتقالي 2025 فرصة حقيقية لبناء دولة علمانية ومدنية ديمقراطية حديثة قائمة على سيادة القانون، العدالة، والمواطنة المتساوية، بعيدًا عن هيمنة العسكر والتجاذبات الأيديولوجية. في المقابل، تقدم الوثيقة الدستورية المعدلة حلاً مؤقتًا، لكنه لا يضمن تحولًا ديمقراطيًا حقيقيًا، خاصة إذا استمر الجيش طرفًا فاعلًا في السياسة، مما يعيد إنتاج الأزمات ويُبقي السودان في حالة اضطراب دائم.
القوى السياسية والمجتمع المدني أمام اختبار حاسم:
على القوى السياسية، منظمات المجتمع المدني، النقابات، والحركات النسوية والشبابية أن تحدد موقفها بوضوح
هل ستنحاز إلى دستور علماني ديمقراطي يعبر عن مستقبل السودان، ويؤسس لدولة الحقوق والمواطنة، ويضمن محاسبة كل من أجرم في حق الشعب؟
أم ستظل أسيرة حساباتها الضيقة، تاركة البلاد لمزيد من التدمير والانهيار، وإعادة تمكين الفاسدين والمجرمين؟
لا وقت للغرور السياسي والمزايدات – السودان يحترق:
لقد أهدرت النخب السودانية عقودًا في الصراعات، حيث ظل كل طرف يرفض أي حل لا يأتي منه، متجاهلًا الكارثة التي تحل بالبلاد. هذا السلوك يجب أن ينتهي فورًا، فالسودان لم يعد يملك رفاهية الوقت، والحرب تدمر كل شيء، وهي في طريقها لمسح ما تبقى من الدولة والمجتمع.
المحاسبة شرط أساسي للسلام الحقيقي، ولا يمكن بناء مستقبل ديمقراطي على أنقاض الظلم والإفلات من العقاب
الخيار واضح:
إما التوحد خلف دستور ديمقراطي علماني يفتح الباب أمام دولة مدنية حديثة قائمة على العدالة والمساءلة، أو البقاء في دائرة الفوضى والإفلات من العقاب، حيث يعاد تدوير القتلة والمجرمين في السلطة.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.