
فرق تسد: استراتيجية الاستعمار واستمرارها في السودان
بقلم✍️🏽: علي آدم خاطر | 24 فبراير 2025
لطالما اعتمد الاستعمار البريطاني على سياسة “فرق تسد” لإحكام سيطرته على الشعوب ونهب مواردها. وبعد خروج المستعمر، ورثت النخب الحاكمة في السودان، وخاصة المجموعة المهيمنة، هذه السياسة لضمان استمرار سلطتها لأطول فترة ممكنة.
في عام 2005، عقب اتفاق السلام الشامل بين الحركة الشعبية ونظام الخرطوم، اندلعت نزاعات إثنية في جبال النوبة وجنوب كردفان، مثل صراع النوبة والحوازمة في دابري، والنوبة والمسيرية في السنوط وأبوجنوك. رغم أن هذه الصراعات تبدو إثنية في ظاهرها، إلا أنها كانت جزءًا من مخطط لعزل الحركة الشعبية وتصويرها كحركة إثنية، مما ساهم في خلق متاريس بين مجتمعات البقارة والحركة الشعبية.
مع تصاعد النزاع، جرت عمليات تسليح واسعة لهذه المجموعات لتستخدم في الحرب ضد الحركة الشعبية، مما أدى إلى تشكيل قوات الدعم السريع في 2014. استمرت هذه الاستراتيجية حتى بعد سقوط نظام المؤتمر الوطني في 2019، حيث شهدت كردفان ودارفور موجة جديدة من الصراعات، مثل أحداث هبيلا وخور الورل والكداد في كردفان، وصراعات الزرقة والعرب في دارفور، إضافة إلى النزاع بين الحمر والمسيرية في غرب كردفان، الذي كان يهدف إلى منع الحمر من التحالف مع الدعم السريع.
القادة العسكريون، مثل الفريق أول شمس الدين كباشي، استغلوا هذه الانقسامات لتقريب بعض المجموعات وكسب ولائها، وهو نهج متبع لتأمين التحالفات عند الحاجة. كما أن بعض الحركات المسلحة في دارفور التي انحازت للجيش فعلت ذلك بسبب استخدامها السابق من قبل الدعم السريع في النزاعات.
في السياق نفسه، انخرط العديد من أبناء النوبة في التسلح والقتال إلى جانب الجيش، نتيجة للمؤثرات نفسها. ومع توقيع الميثاق التأسيسي في نيروبي قبل يومين، برزت ردود فعل متباينة، حيث حاولت القوى المركزية تشويه صورة الحركة الشعبية وحصرها في بعد إثني، بهدف إضعاف مشروعها القائم على إعادة تأسيس الدولة السودانية على أسس جديدة.
السياسات التي ينتهجها المركز ليست عشوائية، بل هي جزء من استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى إبقاء الهامش في حالة صراع دائم حتى لا تتوحد القوى المهمشة ضده. فالمركز يدرك جيدًا أن أي تقارب بين القوى الثورية في كردفان ودارفور وبقية المناطق المهمشة، سيؤدي إلى خلخلة هيمنته على الدولة السودانية. لذلك، يعمل باستمرار على تأجيج الصراعات المحلية وتغذية النزاعات القبلية، بهدف تفتيت هذه القوى ومنع أي تحالفات قد تهدد سيطرته.
إن توقيع الحركة الشعبية على الميثاق التأسيسي في نيروبي يعكس خطوة مهمة نحو تجاوز هذه الانقسامات المصطنعة، ويمثل محاولة جادة لإيجاد تحالفات عريضة بين القوى المدنية والمسلحة لمواجهة سياسات المركز. إلا أن نجاح هذا التحالف يتطلب وعيًا سياسيًا عاليًا، وقدرة على تجاوز الاستقطاب الإثني الذي ظل المركز يستغله لعقود.
لقد نجح المركز في تقسيم مجتمعات دارفور، حتى داخل المكونات الزرقة نفسها، مثل الزغاوة والفور والمساليت، مما جعل الحركات التحررية هشة وغير قادرة على تحقيق أهدافها، وانتهى بها المطاف في تحالفات مع ذات القوى التي قامت ضدها بالأمس.
منذ ثورة ديسمبر وحتى الآن، يقود أنصار النظام البائد الخطاب القبلي في كردفان ودارفور، رغم أنهم لم يهتموا بمصالح مجتمعاتهم أثناء وجودهم في السلطة. يهدف خطابهم إلى تعميق الانقسامات ومنع التقارب بين المجموعات المختلفة، مما يعيق أي نضال مشترك ضد المركز وهيمنته.
إن إدراك هذه الاستراتيجيات ومواجهتها هو المدخل الأساسي لتأسيس دولة سودانية عادلة، وتحقيق سلام اجتماعي مستدام، خاصة في كردفان ودارفور، حيث استمرت الصراعات لعقود فقط لضمان بقاء السلطة المركزية في قبضتها.
النضال مستمر، والنصر أكيد.
الثوري لا يحقد ولا يكره ولا ينتقم، بل يحب. فالحب هو الدافع للثورة ومحركها الحقيقي.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.