هلوسة قائد الإرهابيين العنصريين بالعقوبات الأمريكية.
متوكل عثمان سلامات
سربت بعض المواقع الأخبارية خبر مفاده أن عبدالفتاح عبدالرحمن البرهان قائد القوات المسلحة السودانية سيواجه بعقوبات أمريكية يوم الخميس كما أفاد مصدر دبلوماسي “لوكالة رويترز الإخبارية”، وتأتي هذه التحركات الأمريكية لمعاقبة قائد الإراهابيين العنصريين لعدة أسباب أهمها، إستهداف القوات المسلحة السودانية للمدنيين والمؤسسات ومساكن المدنيين، وتأخير وصول العون، ورفض المشاركة في محادثات السلام في السنة الفائتة، وهناك تسريب آخر خطير جداً متعلق بإستخدام القوات المسلحة السودانية لأسلحة كيميائية في حربها، وهذا الموضوع لخطورته سنفرد له مقالاً منفصلاً.
الأمر الذي أرّق مضاجع الرجل وأثار قلقه فنصحه إعلامي “كرامات الذبائح البشرية بالجزيرة” للذهاب إلى الإعلام للرد على العقوبات “المحتملة” وقال من تحت كبري بيكة بولاية الجزيرة: “سمعنا عن عقوبات ستفرض على قادة الجيش ونحن نرحب بأي عقوبات في سبيل خدمة الوطن”، واوضح ان “الدولة والقانون مسؤولان عن حماية الناس ومحاسبتهم…”.
ويأتي هذا التصريح المرتبك في تقديرنا لعدة أسباب تتمثل في سعي البرهان لتخفيف حدة التوتر النفسي الذي أصابه بعد سماع الخبر، وتخفيف حدة الصدمة على عناصره الإرهابية في القوات المسلحة والمليشيات المتحالفة معها والتي إنهارت معنوياتها وطفقت تنشر فيديوهات تحاول بها ستر عوراتها عن عيون وعقول الشعوب السودانية والمجتمع الإقليمي والدولي المصدوم من هول عملية التطهير العرقي الذي تم لسكان الكنابي بولاية الجزيرة بعد دخولها من قبل الجيش والمليشيا المتحالفة معه بقيادة “ابوعاقلة محمد أحمد كيكل”دون أي معارك تذكر بعد إنسحاب الدعم السريع من الجزيرة، بناءً على بيانات الدعم السريع وفيديوهات جيش البرهان ومليشياته “حضرنا ولم نجدكم”، بالإضافة إلى محاولة كسب تعاطف بعض القوى الإقليمية والدولية وبعض المواطنين البسطاء، أما السبب الأخير لهذا التصريح المرتبك في تقديرنا فهو المحاولة المستمرة للبحث عن الشرعية له ولمجموعته في بورتسودان وللدولة غير الموجودة قانوناً.
ويأتي هذا التصريح بعد المجازر العرقية التي إرتكبتها القوات المسلحة ومليشياتها على سكان الكنابي بالجزيرة، فبتاريخ الثاني عشر من يناير 2025، اصدر مؤتمر مركزية الكنابي بيانا، اكد فيها “ان مليشيات قوات درع السودان التابعة لـ”ابوعاقلة كيكل” ارتكبت تطهير عرقي في كمبو خمسة شرق ام القري ولاية الجزيرة، وقتلت 12 شخصا، وهم احمد سليمان موسي، حامد محمد ابكر، احمد عيسي ادم، عبدالله محمد هارون، عبد الملك يوسف، ادم معروف، صالح حماد، خاطر ابراهيم محمد، عبد العزيز عبد الكريم عبد الله، انور، احمد محمد ادم، محمد عبدالله سليمان، الشيخ سعيد مفقود حتي الان”.
وقد إمتد إنتهاكات الكنابي نتيجة لخطاب الكراهية والعنصرية المنتشر في منصات التواصل الإجتماعي والمحسوبة للقوات المسلحة ومليشياته والعنصريين المستعربين/ات الإسلامويين/ات ليشمل حتى مواطنيين محسوبين لمجتمع شرق إفريقيا، الأمر الذي دعى خارجية دولة جنوب السودان تستدعى سفير السودان بجنوب السودان لتوضيح ملابسات الأمر، وفي إتجاه ذات صلة أدان الرئيس الكيني ويليام روتو، رئيس مجتمع شرق إفريقيا الهجوم على أساس العرق الذي يتعرض له مواطني شرق إفريقيا بالسودان، وتوالت ردود الأفعال المحلية والإقليمية، حيث أصدرت (14) منظمة حقوقية وإنسانية بيان تدين بموجبه القتل على أساس العرق في الكنابي بولاية الجزيرة بواسطة القوات المسلحة والمليشيات المتحالفة معها، وطالبتهم بضرورة الإلتزام بالقانون الدولي الإنساني.
ظللنا نؤكد مراراً وتكراراً أن الذي يحاول البرهان ومجموعته تسويقه بأنها دولة غير موجود وفقاً لعناصرها او أركانها المنصوص عليها في القانون الدولي العام او النظرية الدستورية، والمتمثلة في الرقعة الجغرافية، وهي رقعة مقسمة مابين الأراضي المحررة التي يسيطر عليها الجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة القائد/ عبدالعزيز آدم الحلو تلو، والأراضي المحررة تحت سيطرة جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد النور، والأراضي المحررة تحت سيطرة الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، أما ركن الحكومة، فمجموعة بورتسودان هي مجموعة عسكرية إنقلابية فاقدة للشرعية الدستورية، لذلك تم تجميد عضويتها في الإتحاد الإفريقي، وهي ليست وحدها من تحكم السودان فهناك السلطة المدنية للسودان الجديد يديرها السكرتير الأول القائد/ أرنو نقوتوللو لودي ويقودها ويرأسها القائد/ عبدالعزيز آدم الحلو تلو وتمثل كل الدولة السودانية، كما هناك إدارات مدنية في مناطق سيطرة عبدالواحد نور وحميدتي، أما ركن الشعب فهو مقسم أيضاً، ولما كانت سيادة الدول تمثلها الشعوب ومن ثم تفوضها للحكومة، فليس هناك في السودان حكومة مفوضة من الشعوب السودانية لممارسة السيادة غير السلطة المدنية للسودان الجديد، وبالتالي ليس هناك دولة بها حكومة في مناطق سيطرة الجيش ومليشياته حتى تحمي المواطنين، فتصريح البرهان مردود إليه لإرتكابه هو ومليشياته وجيشه لإنتهاكات جسيمة بحق الناس ولايجد الناس الأمان والحماية في مناطق سيطرته، وفي ذات الوقت فشلت مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية على مر التاريخ في توفير الحماية للمواطنين لأن المواطن السوداني هو عدوها الأول.
أما بخصوص القانون الذي يحمي الناس ويحاسبهم، فهو حديث بعيد عن الواقع وتاريخ الدولة السودانية المختلة، فهي دولة قامت في الأساس على عدم إحترام إرادة الشعوب وعدم إحترام او وجود لمبدأ سيادة حكم القانون، ويسود فيها دائماً وأبداً مبدأ الإفلات من العقاب حتى ولو إرتكب الجناة الجرائم الكبرى مثل الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب او جرائم الخيانة العظمى التي يرتكبها جيشه ومليشياته طيلة فترة وجودهم على سدة حكم الدولة، فما بالكم بمرحلة عدم وجود للدولة، وما أرتكب على مستوى تزوير إرادة السودانيين فيما يتعلق بهوية الدولة، وعلى مستوى رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء والمؤسسات التنفيذية الأخرى، والبرلمان، والسلطة القضائية، من جرائم ومخالفات فلت مرتكبوها من العقاب، فالحكومات غير عادلة وتمييز بين المواطنيين، وبالتالي القوانين التي تشرعها تلك الحكومات غير عادلة ولا تعبر عن كل السودانيين لأن قاعدتها قائمة على بنية القاعدة القانونية الإستعمارية والتي ملئت قوالبها بعد خروج المستعمر الأوروبي والذي حل محله المستعمر المستعرب بحماية ونشر العروبة والإسلام وحماية حقوق ومصالح المستعربين، لا يراعي مشرعها مبدأ التجرد والشمول والمواطنة المتساوية والتنوع والتعدد وإحترام حقوق الإنسان والمواثيق الدولية وغيره من المعايير التي تستمد مشروعيتها من طبيعة الدولة العلمانية، وبالتالي فهي تشريعات عبودية وعنصرية فهي مصممة لتطبق بشكل إنتقائي، “قانون الوجوه الغريبة” مثلاً، وكما تطبق تلك القوانين على بعض الخصوم السياسيين الصادقين في عدائهم لهذا الخلل السياسي والثقافي والإجتماعي والإقتصادي المستمر.
كنا قد نبهنا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة والمملكة العربية السعودية وبعض دول الإتحاد الأوربي والإتحاد الإفريقي والإيقاد، وكل الدول الساعية لوقف الحرب في السودان، عندما ناشد الرئيس الأمريكي المنتهية فترته جو بايدن الطرفين المتحاربين بتاريخ الخميس 18/9/2024م، للعودة إلى طاولة المفاوضات بأن وقف الحروب الحالية لاتعني إنهاء الحروب في السودان، فإنهاء الحروب تبدأ من معالجة الجذور التاريخية للمشكلة المسببة لها، كما نبهناكم على أنكم تتعاملون مع مجموعة عنصرية غير إنسانية ورثت حكم السودان منذ خروج المستعمر فشلت تماماً في حكم الدولة بسبب نقضها المستمر للعهود والإتفاقيات، وتسعى بإستمرار لقطع الطريق أمام أي معالجة لجذور المشكلة المسببة للحروب بإنقلابات عسكرية مستمرة حفظاً على بنيات الدولة التي تمنحهم إمتيازات إحتكار السلطة ونهب الثروات وفرض الثقافة والدين واللغة على بقية السودانيين، وهذا ما يوضح قتلها لسكان الكنابي على أساس العرق كأمتداد ومواصلة لعملية التطهير العرقي والديني، فسكان الكنابي بالرغم من أن معظمهم إن لم يكن جميعهم أصبحو مسلمين نتيجة للعنف المادي والمعنوي للدولة ولوجودهم لفترة طويلة في الجزيرة إلا أن ذلك التماحي لم يعفيهم من الموت بسبب لونهم وإثنياتهم ولغاتهم وليس بسبب إنتماؤهم للدعم السريع، ف”كيكل” الذي يتهمهم بذلك كان قائداً لقوات الدعم السريع بولاية الجزيرة ويتهمه مواطني الجزيرة بإرتكاب مجزرة ود النورة وإرتكبت قواته الإغتصاب الجماعي والعنف الجنسي بحق النساء في الولاية أثناء قيادته للفرقة العسكرية المسؤولة عن العمليات القتالية قبل عودته للقتال في صفوف الجيش، الأمر الذي يجعل هذه المجموعة العنصرية غير الإنسانية فاقدة لأهلية تحمُل أي مسؤلية لإدارة الدولة المتنوعة والمتعددة إثنياً وثقافياً ودينياً.
فهذه العقوبات المتوقعة تعتبر خطوه في الإتجاه الصحيح، أملاً في أن يخطوا الإتحاد الإفريقي والإيقاد والأمم المتحدة والإتحاد الأوربي وكل الدول الإنسانية خطوات جريئة مماثلة نحو الضغط على الأطراف مع ضرورة الإستماع لأصوات السودانيين المطالبين بالسلام المنهي للحروب من خلال معالجة جذور المشكلة السودانية التي تولد الحروب بإستمرار.