قراءة في دفاتر العلمانية وفصل الدين عن الدولة. قرأنا مقال بعنوان: “قانون الدولة أم دولة القانون”.
الكاتب لم يذكر إسمه
ولكنه قال: إن الحارس الشخصي لأسامة بن لادن، تونسي الجنسية
في الأربعين من عمره. رجل متدين ومهذب وملتزم.
وواصل بقوله: غادر إلى “ألمانيا” بعد مقتل “أسامة بن لادن” ليعيش ويعمل بألمانيا. وكان يؤم الناس في المساجد ويلقي محاضرات فيها .. وكانت محاضراته تتسم بالإعتدال والتوازن .
ضيقت الحكومة الألمانية عليه الخناق .. ولكنها لم تستطع ترحيله لكونه يحمل الجنسية الألمانية من ناحية. ولا يوجد أي دليل إدانة ضده من الناحية الأخرى.
حاولت الإستخبارات الألمانية تلفيق أي تهمة ضده .. طلبت الشرطك الالمانيك من قاضي المحكمة أن يصدر أمرا بالقبض عليه وترحيله لتونس، ولكن القاضي رفض، وبرر رفضه بأنه لا يمكن ذلك إلا إذا توفر شرطان :
الشرط الأول :
أدلة تدينه بالتحريض على الإرهاب.
الشرط الثاني:
أن يتلقى إلتزاماً مؤكداً من الحكومة التونسية بعدم قتله أو تعذيبه.
لكن وزارة الداخلية الألمانية قامت بإهمال مذكرة القاضي وألقت القبض على حارس “بن لادن” التونسي وقامت بترحيله بالفعل إلي تونس.
عندما علم القاضي بذلك صعّد الموضوع إلى أعلى مستوى وتسبب هذا التصعيد في إستقالة (7) من كبار قادة الشرطة من مناصبهم. كما قام القاضي بإنذار وزير الداخلية. وأنه سيرفع عنه الحصانة وسيزج به في السجن إن لم يعتذر لهذا التونسي ويسترجعه من بلده بطائرة خاصة ويعطيه تعويضاً عما أصابه من ضرر وإهانة.
بالفعل.. رضخت وزارة الداخلية لأمر القاضي. وقامت بإرجاع التونسي من تونس لألمانيا بطائرة خاصة وقامت بالإعتذار له وتعويضه مالياً …
من هنا.. هل أدركت ياعزيزي المسلم لماذا تطور الألمان وبلدهم “أحد بلدان الكفار الأوربية المتطورة” ؟!.
هل أدركت معنى دولة القانون …
وما هو الفرق بينها وبين قانون الدولة ..؟!
لا إعتقد إنك ستكابر أو تجحد عندما يقول لك أحدهم: لأنهم وضعوا القانون فوق الجميع … وكأنهم مسلمون.. لولا إنهم لاينطقون الشهادة ولايصلون..!
العدل أساس النجاح في الحكم. قولاً وفعلاً وليس شعاراً فقط ..
المحسوبية والعنصرية والقبلية. وما شابهها من الحالات التي يقرها قانون الدولة.. كلها تعتبر من أشد أنواع الظلم.. ومن أقوى معاول الهدم للدولة ولقانون الدولة.
أراد أن يتحدث عن دولة القانون ولكن:
أولا: كاتب المقال غارق في الجهل والظلامية ولم يتعظ أو يتعلم من حادثة حارس “أسامة بن لادن” التي أوردها كنموذج، لأنه ما زال يردد جهالات الإسلاميين بأن “الألمان وبلدهم هي إحدى بلدان الكفار الأوربية المتطورة” .. وإنهم لاينطقون الشهادة، ولكنهم وضعوا القانون فوق الجميع، وكأنهم مسلمون” !! .. وغير ذلك من حديث.
وهذا يوضح إنه لم يقرأ التاريخ ليعرف إن الدولة الدينية وقوانينها كانت مطبقة في أوربا. وإن “الألمان” أول من ثاروا ضد القوانين الدينية وسلطة الكنيسة الكاثوليكية الحاكمة في أوربا، وبعدها كل أوربا تبنت العلمانية، رغم أنها لا زالت على مسيحيتها كعقيدة. ولكنهم فصلوا العلاقة بين الفرد وربه. ولم تتبنى دول أوربا ذلك كقوانين تطبق على الجميع.
ثانيا: الكاتب يجهل إن الشريعة الإسلامية وكل القوانين الدينية سوا كانت “مسيحية أو بوذية أو يهودية” فإنها بطبيعتها تميز بين الناس: (مؤمنين، كفار، طيبون، أشرار، إلخ ..إلخ).
ثالثا: الكاتب لم يسأل نفسه لماذا لجأ حارس “أسامة بن لادن” إلى ألمانيا ولم يلجأ إلى السعودية أو مصر مثلا؟ بل إن كل المتطرفين الدينيين الإسلاميين عادة ما يلجأون إلى دول أوربا عندما تضيق بهم الأحوال بدلا عن اللجوء إلى البلدان الإسلامية أو العربية؟ لم يأتي ذلك من فراغ، ولكن الدول الأوربية تبنت “العلمانية” وقامت بفصل الدين والهوية عن الدولة.
أخيرا: الكاتب لا يريد أن يعترف بأن “العلمانية” هي التي تتيح للجميع كافة الحقوق التي تمتع بها “حارس أسامة بن لادن” الذي لجأ إلى أوربا دون سواها. ونحن طرحناها لأنها الحل الوحيد لأزمات السودان، والعالم أجمع.
فإذا طرحنا عقلاني و”كوني” يستطحب تجارب البشرية كلها، ويفتح الأبواب للتعايش والتقدم والإزدهار.
“العلمانية” هي الحل لمشكلات بلادنا المنكوبة.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.