إعادة الإعمار للمدن المدمرة جزئيًا أوكليا، التجربة الألمانية كنموزج للتجربة السودانية.

جونا كوكو/ مهندس معماري ومهتم بقضايا التخطيط العمراني والحضري

 

بتاريخ 30 أكتوبر 2024م

 

مفهوم اعادة الإعمار:

دراسة “ظاهرة الحروب والكوارث “مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بإعادة الإعمار، حيث يشكل هذا المفهوم أحد عناصر مؤامة المجتمع لحالة الدمار، كما يعتبر أحد أهم وسائل بناء السلام من خلال الإعمار الاقتصادي والسياسي للمجتمعات بما يساهم في ترميم الذاكرة المتصدعة للمدٌن وامتصاص الصدمة لدى أبناء المجتمع ويري الباحثان Hesloot and Ruitenberg أن إستجابة المواطن خلال الكوارث يمكن أن تنهار وتصل إلى مرحلة الإحباط، وتتأثر هذه الاستجابة بالإجراءات التي تم اتخاذها والتي تتمول فًي تهٌيئة الإسعافات الطارئة، المأوى… . الخ وصولاً الي مرحلة إعادة الإعمار.

أن هدف من هذا المقال هو إلقاء الضوء علي بعض المناهج واساليب التعامل مع المدن المدمرة والشبه مدمرة منها المتضررة جراء الحروب والكوارث وتلبية الاحتياجات الاسكانية والخدمية للفئات المستهدفة عبر استراتٌجية شاملة تساعد صانعً القرار في التعامل مع هذه المشكلة عبر تمكين المجتمع المحلي لبناء مساكن ميسرة تدعمها وترعاها الدولة، كأسلوب فعال لايجاد بيبئات سكنية مستدامة.

والفرضية التي تتبناها الدراسة هي إن إعادة إعمار المدن المتضررة كلياً أو جزئياً بالحرب لابد ان ٌتم عبر بناء نموذج للمشاركة بين عدد من الجهات تتحدد فيه الأدوار المطلوبة من الجهات المشاركة ضمن منظور تخطيط شامل من خلال منهج علمي يقوم علي عملية اعادة الاعمار.

ومفهوم إعادة الإعمار هو إن إعادة الإعمار من المفاهٌيم التًي تحمل فًي طٌياتها العدٌيد من المعانًي المرتبطة والمتداخلة، وٌيرتبط مفهوم إعادة الإعمار بشكل مباشر بمفهوم بناء السلام بكل أبعاده و ٌيدور كلاهما حول فكرة رئيسيٌة هًي ترسٌيخ Peace building البنية التًي من شأنها إحلال مظاهر السلام ومنع العودة للحرب مرة أخرى .

وان إعادة الإعمار قضٌية تعنًي كل البلدان التًي تخرج من حالة الصراع حٌيث ٌمنح هذا المفهوم فرصة لاعادة اعمار المؤسسات المختلفة، وهًو بوابة اليوم الدافعة نحو التطور بعد مرحلة ساد فيها الخراب والدمار، وخاصة بعد حروب داخلٌية أو إجتياح خارجً . وربط جمٌيع المنظرٌين بين إعادة الإعمار (العمرانً) وبين إعادة إعمار في كل سياسات إعادة أعمار المدن فًي فترة ما بعد النزاعات والحروب .

وتتكامل خطط إعادة الإعمار مع كافة الهياكل الاجتماعٌية والاقتصادٌية والسٌياسٌية للمجتمع المطلوب إعادة إعماره نتيجة الحرب والدمار، فمنظومة إعادة الإعمار لا تتكامل إلا إذا تكاملت أبعادها الاقتصادٌية، الاجتماعٌية، السياسية مع أبعادها العمرانيٌة .

وهذا يعني لنا في الحالة السودانية الراهنة هو أعادة بناء المرافق الأساسية، والنقل، وشبكات الاتصالات، والمرافق العامة وبناء جسور الحوار بٌين المجتمعات المختلفة ليتمكن المخططين العمرانيين من تقديم الاستشارات وتطبيق الخطط الهندسية بالشكل الكافي لتقدٌيم المساعدة التقنٌية وبناء القدرات لاعادة تاهيل المؤسسات الضرورية التي من خلالها تعمل المؤسسات المختلفة .

وإعادة الإعمار للمدن المدمرة كليا او جزئيا في السودان ضروري الان، لانه يرتبط بوجود خسائر كبيرة في قطاعات متعددة أهمها إعمار البنية التحتية، أو إعادة إعمار قطاع الإسكان، أو إعادة إعمار المناطق التجارية وذات القيٌمة العالية. كما أن مستويات إعادة الإعمار تعتمد على حجم ومساحة المنطقة التًي تعرضت للدمار، مثل ماحدث في مصر بعد حرب أكتوبر عام 1967 وكذلك إعادة إعمار مدن القناة في مصر 1999-1998، أو اعادة دول بكاملها مثل ماحدث في كوسوفو 1998، وكذلك يمكن ان يكون اعادة إعمار قارة بأكملها عندما تكون الكارثة عالمية كما تم تمول إعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمٌة الثانية وكما حدث في امريكا بعد الحرب الأهلية في الولايات المتحدة الامريكية لمعالجة مشاكل الانفصال والعبودية وتحقيق الوحدة بين الشمال والجنوب الامريكي.

إعادة أعمار المدن في فترة ما بعد النزاعات والحروب بعد وقوعها سواء كان ذلك على المستوى قصير أو طويل الأمد، بحيث تكون هذه السياسات شاملة لكل نواحًي الحياة وتهتم بإعادة بناء ما تهدم خلال الحرب ضمن المحتويات الأخرى الاجتماعٌية، الاقتصادٌية، حيث تمثل إعادة الإعمار الفرصة السانحة لإعادة صياغة المجتمع من جديد، ومن شأنها تحسين الظروف المعيشية للمجتمع والافراد وإنتاج بينية عمرانية أفضل من تلك التًي كانت قائمة من قبل.

ونعني بذلك أنها مجموعة شاملة من الإجراءات الساعية إلى تلبية احتٌاجات المجتمعات الخارجة من النزاعات بما في ذلك احتٌاجات السكان المتضررٌن والحيلولة دون تصاعد النزاعات وتفادي الإنتكاس إلى العنف ومعالجة الأسباب الجذزيٌة وتدعٌم السلام المستدام. وبذلك فإن عملية إعادة الإعمار لفترة ما بعد الحرب في المدن المدمرة كليا او جزئيا تستند إلى التنمية المتجددة والمستدامة وعلى مراحل التحول والتنمية الطارئة القصيرة الأجل و المتوسطة الأجل والطويلة الأجل.

نموزج لإعادة الإعمار للمدن المدمرة جزئيًا أوكليا – التجربة الألمانية وأمكانية تطبيقها علي اعمار المدن السودانية المدمرة جزئيا أو كليا:

في هذه الجزئية من المقال نسلط الضوء علي كيف قامت ألمانيا بإعادة الإعمار لمدنها بعد الحرب العالمية الثانية ؟، وكذلك تفسير ملامح الصراع العمراني مابين الحداثة الاشتراكية بألمانيا الشرقية والحداثة الرسمالية بألمانيا الغربية ، والتي كانت فترة جيدة لظهور الشوراع الحضرية الرئيسية وظهور شوراع المنطقة المحمية للمشاة وابراز المعالم التاريخية بالمدن… الخ.

بحث العديد من المعماريين الباحثين في اعادة اعمار المدن خصوصا المتعلقة بألمانيا عن إجابات لكيفية أدارة ألمانيا بزمن قياسي إعادة إحياء حواضرها متبعةً سياسة لا مركزية تعاملت المدن مع مشاكلها بطرق مختلفة، غالباً ما كان ذلك تبعاً لنمط عمل مؤسسات التخطيط قبل الحرب. في المدى البعيد أخذت قضية واحدة بالاتضاح المدن التي اتبعت مخططات شوارع ما قبل الحرب وحافظت على الكثافة العمرانية القديمة تحولت لأماكن أكثر جاذبية مقارنة بالأماكن التي ابعدت العمران ووسعت المساحات بشكل حداثي، ويري البروفيسور ديفندروف أن المدن المدمرة بفعل الحروب الأهلية تستعيد عمرانها بطرق مختلفة عن تلك المدمرة بفعل حروب خارجية .

ماذا كان تأثير التخطيط على إعادة الإعمار في ألمانيا ؟

من كانت لديهم ممتلكات حاولوا إعادة تأهيلها فور تضررها . أثناء القصف حاول الناس إعادة تأهيل أماكن رزقهم وبيوتهم غير أن المخططين غالباً ما كانوا يحاولون التغيير . أرادوا بناء شوارع عريضة جديدة تستوعب حركة المرور بيد أن تطبيق الكثير من تلك الخطط اعتمد على التركبية السياسية في البلدات وقدرتها على فرض مخططات من هذا النوع . المخططين أرادوا تغيير المدن .

وحاول كونراد أديناور الذي أصبح لاحقاً مستشار ألمانيا الغربية الأول بعد الحرب توسيع الشوارع المحيطة بالكاتدرائية في كولونيا غير أنه جوبه برفض من السكان قاطني الحي . تراص الأبنية كان جزءاً من خصوصية تلك الشوارع وذلك الحي، هذه قضايا مهمة يتوجب على المدن أخذها بعين الاعتبار، ما الحيز الذي يجب تخصيصه للسيارات وأماكن ركونها ؟

متي بدأ التفكير في إعادة الإعمار في ألمانيا ؟

في الحقيقة بدأ التفكير في ذلك مبكراً ومن أحد مسببات هذا هو رغبة أدولف هتلر بتطوير الكثير من المدن حتى قبل بدء الحرب، حيث أراد فتح أماكن واسعة في المدن للمظاهرات السياسية. أراد رؤية مدن محدثة بشوارع عريضة للسيارات وأبنية ناطحة للسحاب . لهذا السبب بدأ المخططون بالتفكير بهذه الأمور من قبل الحرب ، ليس فقط في العاصمة برلين وإنما في هامبورغ ومدن أخرى. ظن المخططون مع بداً القصف أن ذلك سيسمح لهم بتطبيق خطط تحديث المدن بشكل أسهل غير أن هذا لم ينجح. أعربت المدن بعد القصف عن حاجتها للمخططين للمساعدة في إعادة الإعمار غير أن السكان لم يريدوا أولئك الداعمين للفكر النازي. لم يريدوا أن يخبرهم مخططون من مدن أخرى عن كيفية إعمار مدنهم .

جانب آخر يجعل ألمانيا مختلفة عن دول كاليابان والاتحاد السوفييتي وهو كونها لم تمتلك حكومة وطنية حتى أواخر عام 1949/1948، أي أنه لم تكن هناك عاصمة وطنية تملي على المدن كيف تقوم بإعادة الإعمار على نقيض اليابان والاتحاد السوفييتي حيث كان انطباع الناس بأن الحكومة الوطنية هي من عليها تحديد آلية إعادة الإعمار . قامت هذه الحكومات بإخبار المدن أن ( التمويل سيكون شريطة اتباع التعليمات الحكومية) اتبعت الكثير من المدن تعليمات الحكومة الوطنية بسبب حاجتها للتمويل لتستعيد عافيتها. في ألمانيا لم تكن هناك حكومة توفر التمويل وتعطي التعليمات للمدن مما ترك السكان يعيدون البناء بأنفسهم . فعلى سبيل المثال قامت العديد من الكنائس بإعادة الإعمار على نفقة أبناء الطائفة، مما جعل وضع إعادة الإعمار في ألمانيا مختلفاً إلى حد ما عن الدول الأخرى .

وعلي الرغم من انتشار مقولة أن خطة مارشال موّلت إعادة الإعمار، لم يكن ذلك صحيحاً.خطة مارشال لم تبدأ إلا مع أواخر عام1948/1949 كان غرض الخطة إعادة بناء الاقتصاد وليس المدن، وقامت الخطة في الواقع بإنفاق بعض المال على إعادة إعمار برلين الغربية لأسباب سياسية حيث نظر لها الأمريكيون على كونها (مدينة رأسمالية في وسط الشرق الشيوعي) تحولت خطة مارشال إلى مصطلح رتيب يتكرر سماعه دولياً كلما تدمرت مدن بفعل الحرب غير أن ذلك لم ينطبق على غالبية ما تم إعادة إعماره في ألمانيا ، حيث أقترض السكان المال غالباً من أقاربهم في الريف حيث وجدوا هناك أيضاً مواد البناء، ولم تكن إعادة الإعمار مدارة بشكل مركزي على الإطلاق .

 

ما هي آثار إدارة إعادة الإعمار محليًا ؟

حاول الناس في كثير من المناطق التعريف والحفاظ على الهوية المحلية لحواضرهم. دعني أعطك مثالاً : في بادئ الأمر أراد المخططون في مدينة ميونخ – بناءً على أفكار نوقشت خلال الحرب – شق شارع كبير في المدينة يكون بمثابة الشريان المروري تماماً مقابل مبنى البلدية. برز حراك شعبي كبير مناهض لتلك الخطة وما آلت إليه الأمور في نهاية المطاف هو منطقة واسعة لحركة المشاة . كان الناس مع الوقت سعيدون بذلك وطرح السؤال التالي وهو (هل عليك إستحداث أماكن للمشاة أم للسيارات فقط ؟):

فضل بعض المخططين استحداث العديد من الشوراع المرورية العريضة غير أن تلك الخطط عموماً جوبهت بالمعارضة . تم شق شارع عريض للمرور في مدينة دوسلدورف على الرغم من معارضة الكثيرين. قام المخططون بعملهم وأقاموا المعارض . كان الناس يأتون لمشاهدة تلك المخططات فيما عارضت غالبيتهم خطط التحديث تلك لمدنهم. لم تنجح تلك المعارضة في وقف بعض مشاريع التحديث بينما نجحت في بعضها الآخر لكون التخطيط فيها من مهام الإدارة المحلية .

يثني الناس على المدن التي تمتلك هوية محلية واضحة، وهذا ما يدفعك لزيارة مدينة بعينها. لا يريد العامة رؤية كل المدن كمدينة نيويورك – USA أو أماكن أخرى، هذا إشكالي في مدينة فرانكفورت لكونها مركزاً للبنوك مما جعلها محتاجة للمساحات المكتبية الواسعة كتلك في المدن الحديثة غير أن الناس طالبوا بالإعمار الجديد على حواف المدن وليس في المدينة القديمة .

كيف استطاع الألمان إزالة الأنقاض من مدنهم بفعالية كبيرة ؟

أثناء الحرب استخدمت كثير من المدن سجناء الحرب والمعتقلات النازية في إزالة الأنقاض وإبعادها، وتحول ذلك لاحقاً لمصدر إحراج طويل الأجل حيث رفضت عدة مدن الاعتراف بما كانت تفعلة الحكومات المحلية، غير أن الأرشيفات تحوي صوراً يظهر خلالها معتقلي سجون الموت النازية يحملون الأحجار المتساقطة والطوب . وشددت الحكومة كثيراً على إزالة الأنقاض خلال الحرب حيث كان النازيون يخبرون الجميع بأنهم سينتصرون مع حلول عام 1944. ليظهروا للناس حقيقة أن النصر سيكون حليفهم أرادوا إزالة الأنقاض أولا بأول . لم تكن بولندا والاتحاد السوفييتي على نفس تلك الحال فتلك الدرجة من التفاؤل لم تكن موجودة في أماكن أخرى . الدول المحتلة لم تمتلك حكومات محلية تقوم بفعل ذلك .

استطاع الألمان بعد الحرب أيضاً إيجاد طرق لتنظيم شؤونهم والعمل بشكل سريع نسبياً . تم تنظيم أعداد هائلة من النساء لإزالة الركام . العديد من الرجال قتلوا أو كانوا سجناء حرب . عند انتهاء الحرب، شجعت القوات المحتلة الحكومات المحلية أن تلزم أعضاء الحزب النازي بإزالة الأنقاض .

امتهان إزالة الأنقاض تحول إلى قضية جدلية، المتعاقدون الذين كانوا يقومون بشق الطرق في المناطق المحتلة عادوا من تلك المناطق وبدأوا بالعمل في إزالة الأنقاض بعد الحرب، قامت البلدات في كثير من الحالات باستجلابهم لهذا الغرض لكونهم يمتلكون المهارات والمعدات اللازمة، غير أنه كذلك كانت هناك الكثير من الاعتراضات على استقدام شركات مرتبطة بالنازية وإعمالها على إزالة الأنقاض .

 

قام الناس في كثير من المدن المدمرة بشدة كمدينة برلين وهامبورغ بجمع الطوب والأحجار لإعادة استخدامها بيد أنه كانت تنقصهم اليد العاملة المؤهلة لإعادة الإعمار، رأى غالبية الناس في ألمانيا الشرقية بأنه من غير المبرر إعادة الإعمار باستخدام المواد القديمة وقاموا بالتالي بالانتقال لاستخدام المواد العصرية كالخرسانة مسبقة الصنع . نقص العمالة المؤهلة للبناء كان له أثر حقيقي على عملية إعادة الإعمار ككل . كان للباوهاوس Bauhaus ( تلك الأبنية المدرسية العصرية في مدينة ديساو التي تم إغلاقها في ظل الحكم النازي ) دور فعال جداً في المطالبة باستخدام مواد البناء العصرية .

أما في الحالة الراهنة في السودان حاليا الناتجة عن الحرب فيتوقع ان يكون هناك نقص اليد العاملة ويتوقع ان تكون مشكلة محتملة في العاصمة المثلثة ( الخرطوم وبحرى وامدرمان)، وهذا يحتم البحث عن أجابة عن اسئلة أفتراضية لمعالجة المشكلة وهي:-

1 – هل سيستطيع السكان إيجاد عدد كافٍ من العمال المؤهلين لإعادة اصلاح المباني المدمرة ؟

2 – أو هل سيتوجب عليهم القول بأن بعض المباني تم تدميرها بشدة لدرجة يكون نسيانها أفضل ؟

كيف تم إعادة إعمار مدينة برلين بعد الحرب ؟

تعتبر مدينة برلين مدينة واسعة جداً عمرانياً وكان هناك بعض المطالبات بمتابعة تحديث المدينة بعد الحرب بيد أن تلك لم تكن الحالة لدى الجميع . قام الناس باستعادة مبنى بلدية برلين الغربية المقصوف إلى جانب بعض المباني ذات الرمزية وحاولوا أيضاً صيانة بعض الأحياء كشارلوتنبورغ – Charlotte burg . وكانت الفرص في ألمانيا الشرقية أقل إتاحة لعمل ذلك حيث كان هنالك نزعة واضحة نحو الحداثة .

وطفى على السطح مؤخراً جدلية حول قصر مدينة برلين القديم، مقر الإقامة الشتوية لملوك بروسيا الذي كانت ألمانيا الشرقية قد قامت بإزالته وعمرت مكانه مبنىً عصرياً لحكومتها . تم هدم المبنى المستحدث بعد سقوط جدار برلين بينما يتم حالياً إعادة بناء القصر القديم . إذا ذهب أحدهم إلى بعض المناطق الشرقية المجاورة لمركز المدينة سيشاهد كيف أن بعض الأماكن يتم هدمها . كانت رغبة كل من الألمانيين الشرقيين والسوفييت في إنشاء بلد جديد رأوه قائداً للأفكار العصرية سبب ميل ألمانيا الشرقية للحداثة الاشتراكية .

ما أجادت ألمانيا فعله في كثير من الأماكن هو حفاظها على مكونات أساسية من الهوية المدنية كإعادة بناء الكنائس ذات طراز الرومانسك ( Romanesque ) بمدينة كولونيا وليس فقط الكاتدرائية القوطية القديمة. ممارسات من هذا القبيل جعلت مدناً كميونخ وكولونيا تستحق الزيارة . في مدينة لوبيك تشعر بروح المدينة التاريخية فهي ليست فقط عبارة عن مجموعة من المباني المستحدثة . هذا كان من الأشياء المهمة جداً التي تم فعلها. وأشار الناس في مدينة لاببزيغ لجدل حول إعادة الإعمار . تم استعادة مدينة درسدن القديمة التي كانت جزءاً مهماً من هوية المدينة وبالرغم من عدم استعادتهم الكاملة لما يرونه كأهم مدينة ألمانية في عصر النهضة، قاموا بإعادة بناء الكاتدرائية حيث تم دفع غالبية التكاليف من البريطانيين والأجانب . كان لإعادة تكوين الهوية التاريخية للمدن أهمية قصوى . كان من المهم القول بأنه ( لا يتوجب علينا أن نكون حداثيين لأبعد الحدود وإيجاد أماكن لركن السيارات وما شابه أو أن يتمحور عمران مدننا حول وجود السيارات).

يقرأ المرء في الاخبار عن تدمير البنيه التحتية والمباني الأثرية مثل المتحف القومي ومساجد (مسجد فاروق بالخرطوم ) والكنائس والأديرة والمؤسسات الحكومية الأخرى وسيكون من المثير للاهتمام مشاهدة لأي حد سيتم إصلاحها أو إعادة بناؤها، أم هل سيتم نسيان هذه الأجزاء من التاريخ؟ بدأ برنامج لإعادة بناء قصر هوهنزولرن في ألمانيا الشرقية بعد سقوط جدار برلين . أرادوا إعادة بناءه لأنه من المهم لبرلين الاحتفاظ بأبنيتها التاريخية . غير أنه من المحوري أن يتم تحديد أي مكونات التاريخ المعماري مهمة . إذا قررت استعادة قصر بناه أباطرة فلم لا تستعيد مقر مستشارية هتلر ؟ إعادة تأهيل أحد المباني وليس الآخر ؟ هنالك العديد من الخيارات المعقدة حول تحديد ما يتم وما لا يتم إعادة اعماره .

كيف تعاملت ألمانيا مع المباني التي لها تاريخ في العنف والرعب ؟

طالبت القوات المحتلة ألمانيا بإزالة رموز النازية في مبانٍ كمبنى شرطة مدينة دوسلدورف وألح الحلفاء في طلبهم، وفي السبعينيات تم تحويل مبنى صغير للغيستابو (الشرطة السرية النازية) في كولونيا حيث تم قتل وتعذيب الناس إلى متحف حول تاريخ كولونيا في الحقبة النازية، ويمتلك المتحف معارض صغيرة وأرشيف ومكتبة، ويستطيع الناس زيارته ومشاهدة معروضاته حيث يعترف المتحف بتاريخه كمبنى للشرطة السرية ، وكان لهذا أهمية قصوى بخصوص ألمانيا ما بعد الحرب، وإنها دولة قبلت المسؤولية الجماعية لمآسي الحقبة النازية، حيث لم يكن فقط هتلر أو وحدات الوقاية المعروفة باسم إس إس من فعلوا ذلك، بل إرتكبت ألمانيا الفظائع وكان ذلك جزءاً من المسببات المنطقية لمساعدة الضحايا وذويهم .

 

أهم المصادر والمراجع والهوامش والاقتباسات :-

1) مقابلة مع البروفيسور (جيفري ديفندورف) تشرين الأول، 2015

2) ألمانيا إعادة الإعمار الحرب العالمية الثانية. Related Posts

3) Paul Collier,2007

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.