الأدب الشعبي الأفريقي في جبال النوبة. معوقات الحكم الراشد في السودان: إلتفاتة إلى جبال النوبة / جنوب كردفان.

تأليف: د. عبدالباقي حسن فيرين ( أمون).

 

إستعراض: د. عبد الله ميرغني صالح صارمين

مؤلفات د. عبد الباقي فيرين – تمسك بعضها بعضا و(العنوان) عنده رغم إحكامه العلمي فهي (أُحجية) أفريقية ليست قصيرة، وهو نفسه لا يحتاج إلى كثير تعريف، فقصاصاته وأوراقه المتناثرة والمنشورة في الدوريات والمجلات، وأحاديثه ومحاضراته وحضوره القوي العميق في المنتديات الثقافية، تنبيك من هو ؟ وما همه ؟ وما قصده ؟.

إذا ما الجديد ؟.

في هذا الوقت الذي إشتد فيه البلاء على أهل السودان، وتعفر فيه الكثير بالتراب قتلا وسحلا، وأُخرجوا من ديارهم فارّين ولاجئين إلى الله في أرضه الواسعة ،،، خرج علينا الباحث والمؤلف د. عبد الباقي فيرين من قاهرة المعز ليعيد إلينا مقولة المسيح عليه السلام وحكمته الأبدية التي كادت أن تندثر تحت ركام رهق الحياة، وكبد العيش (ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان) .

في معرض الرياض الدولي للكتاب العربي الذى ينطلق في الأيام القادمة وهو معرض دوار بين (القاهرة، الدوحة، دبي، والكويت)، يعيد د. عبد الباقي طباعة إصدارته الرائعة (الأدب الشعبي الأفريقي في جبال النوبة) والذي قدم فيه تأملاته في الشعر النوبي بكل أنواعه من الغزل والهجاء والمدح، والقصة والمسرح، والأغاني والحكايات والأحاجي والحِكم والنكات والمبالغات الأفريقية عند النوبة وأغراضها، وأدب الحرب والثورة والمناحات والفخر والفروسية وكل ما يزخر به الأدب العربي والعالمي،،. ومقصده من هذا البحث العميق هو التأكيد على أصالة شعب جبال النوبة ودوره الكبير ومساهماته في الإنتاج الثقافي العالمي، وأن النوبة في السودان ليسوا بعالة على أحد بل يعيشون (بحقهم) وتراثهم الثقافي المادي والمعنوي هو والذي شكل ثقافة أهل السودان الذي قصرت الحكومات بمؤسساتها الثقافية عن بيانه لإثراء التنوع بدل من الإتجاه الواحد، وتجاهله بعض الباحثين سيرا على خطي الدولة، وعجز أبنائه في التصدي لهذا التجاهل.

 

ومما يجدر ذكره أن كتاب الأدب الشعبي حين صدوره قام بتقدمته د. قاسم نسيم حربة – وهو من أهل الإختصاص في الأدب العربي وهو صاحب البيان والفصاحة، ومن لم يطلع على تلك التقدمة وإكتفى بمقالتي فهو (كمن قصد البحر وإستقل السواقيا) وهو أستاذ الأدب العربي بجامعتي جوبا وأفريقيا العالمية، وكفى.

 

لم يقف د. فيرين عند الأدب الشعبي للنوبة بل زادنا فكرا ووعيا بإصدارته (معوقات الحكم اللا- مركزي الراشد في السودان: إلتفاتة إلى جبال النوبة/ جنوب كردفان)، هذه الإصدارة هي رسالته لنيل درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية وكانت جبال النوبة شغله الشاغل، وكان الأمل معقودا على الحكم اللا-مركزي لمعالجة أزمة المنطقة وهي الفرضية الرئيس في الكتاب حيث قام بإستدعاء صور إدارية للممالك والمكوكيات التاريخية في المنطقة مثل: (ميري “كادقلي”، تقلي، الآما “النيمانغ”، والكدرو “الجبال الستة”). ونظرات في الإدارة الأهلية الحديثة، إلا إن غياب الحكم الراشد في الحكم اللا- مركزي المعطوب دفع بالمنطقة إلى الصراع المسلح مرة ثانية حتى الآن، في وقت كانت نيفاشا قد حققت إستقرارا أوقف صوت السلاح ورفع من سقف طموحات النوبة نحو السلام والتنمية، ثم كانت حرب الجنجويد أحفاد التتار في أبريل 2023.

 

الكتاب يطرح فروض وأسئلة، ويشير إلى الفرص الضائعة في السياسة السودانية بإستخدام منطقة جبال النوبة دراسة حالة لهذه الفرص الضائعة وما أكثرها ! وما أكثر غفلات الساسة والحكومة وضعف ذاكرتهم السياسية، ويحذر الكتاب في ذات الوقت من إستمرار الخلل الإداري الذي قد يؤدي إلى تغيير الأجندة وتصاعد حدة المطالب وتنوعها.

 

د. فيرين ذو بصيرة ثاقبة، وقضية الثقافة همه وشغله، فلم يقعده وضعه الإستثنائي بالقاهرة من أن يرفد المكتبة السودانية والعربية بهذين الكتابين وهي مراجع ومصادر يصير من بعده عيالا عليه في هذا المجال الذي حذقه جيدا وصار فيه من الأوئل.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.