سيظل المك في ضلاله .. وسيبقى المنداجة في غيهم.

✍️ باب الله كجور

 

ردا على المك (كوكو خميس) معلقا على ما كتبت في مطلع هذا الشهر تحت عنوان: (رسالة إلى الذين يمارسون سياسة تغبيش وتزييف الوعي) والذي نشر في الموقع الإليكتروني للحركة الشعبية – شمال، وبعض مواقع التواصل الإجتماعي الأخرى، حيث ذكر هذا المك – كوكو خميس: (أن هنالك قلة من أبناء النوبة يؤمن بالعلمانية لأنها فكرة غيرة جديرة بالإحترام، فهي منافية للأعراف والتقاليد، وتنادي بتجريد الناس من الدين والقيم والأخلاق السوية).

 

وأضاف أيضا: (إن أهداف تنظيم الشباب “كمولو” وإتحاد عام جبال النوبة وحزب العمل والحزب القومي السوداني والتي وضعت اللبنة الأولى للعمل السياسي لشعب النوبة، لم تشير إلى الدين والثقافة السائدة بأنها تمثل حجر عثرة أو عقبة أمام النوبة للوصول إلى السلطة، فالأغلبية منهم يدينون بالإسلام ويتحدثون باللغة العربية، والسودانيين كلهم مهمشين والمقاصل ستكون جاهزة لقطع رأس كل من آمن أو أيد ودافع عن مشروع السودان الجديد متى ما إنتهت الحرب بهزيمتكم) – إنتهى.

 

ثم أضاف المك بعد ذلك: (وأنا على يقين، ولا أشك في ذلك، ولحسن الحظ إن الله معنا نحن وسينصر القوات المسلحة والمستنفرين المسلمين المجاهدين في سبيل الله الحامين للأرض والعرض، فالكل أصبح ضدكم لأنكم ما عملتوا للنوبة أي حاجة خلال أربعين سنة) – أنتهى إلى هنا حديث المك كوكو.

 

القراء الكرام: (المنداجة) كلمة متداولة في مجتمع قبيلة لموريك (تيما) التي تنتمي إلى مجموعة (كتلا) اللغوية، إحدى مجموعات جبال النوبة اللغوية العشرة التي تضم (كالك “كتلا” وجلوط “جلد”). والجمع (منداجة) والمفرد ( منداجي) وتطلق على الشخص المبتدئ في مهنة التجارة وليست لديه الخبرة في هذا المجال أو رأس المال الكافي لتسير عمله ويعتمد على (الشيلة) من تجار الإجمالي في السوق.

 

وبصرف النظر عن الإتفاق أو الاختلاف مع المك كوكو على ما جاء في سياق تعليقه الذي أرسله لي – مشكورا – في حسابي الخاص بالوتساب، مع إنني لم أشير إلى العلمانية في ذلك المقال المنشور سابقا، لكنني مضطر للرد على هذه النقطة بالتحديد. فالجيد أن هنالك قلة تؤمن بالعلمانية وتسعى جاهدة إلى نشرها بكل الوسائل والسبل المتاحة لإزالة الغموض واللبس و(الغباش) ودحض إفتراءات بعض المضللين وتبسيط مفهومها للعامة. بأنها: (حالة ذهنية وأسلوب في التفكير للإقرار بنسبية الأمور الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية. وإعمال العقل وإتباع المنهج العلمي لإيجاد الطرق المناسبة والنظام الذي يحكم الناس ويدير شؤون حياتهم في الدولة الحديثة والتي بطبيعتها متنوعة من حيث الإتجاهات الفكرية والسياسية والثقافية والدينية، والعرقية) مثل حالة السودان.

 

وإذا كنت لا تعرف أهداف التنظيمات السرية والكيانات المطلبية والأحزاب في جبال النوبة التي تأسست في منتصف الستينيات والسبعنيات والثمانيات من القرن الماضي، أو لم تسمع بها، فمن الجدير أن أذكرك بأنها قد ركزت في مطالبها على رفع المعاناة والظلم الاجتماعي، والمطالبة بالتنمية الشاملة المتوازنة والتقسيم العادل للثروة والسلطة وحرية الأديان وإيلاء الثقافات المحلية قدرا من الإهتمام تأكيدا للتنوع الثقافي والديني والإثني في البلاد.

 

أما فزاعة قطع الرؤوس بالمقاصل والموت لن يخيف أحد ويجعله يتراجع طالما إن مشروعنا يهدف إلى إعادة هيكلة الدولة و بناء سودان جديد موحد طوعيا على أسس جديدة يرتكز على الحرية والعدالة والمساواة، ويجعل المواطنة أساس للحقوق والوجبات. وهذا لن يتحقق إلا في ظل وجود دولة علمانية ديمقراطية تساوي بين الجميع دون تمييز. وتفصل بين المجال الخاص (الدين الذي مكانه الضمير) والمجال العام (الدولة التي هي للجميع).

 

والموت ليس هو الخسارة الكبرى، ولكن الخسارة الأكبر هي ما يموت فينا ونحن أحياء كما يقول الكاتب السورى (محمد الماغط). أما مسألة الهزيمة أو النصر، فهي واردة وغير مستبعدة فالحرب ظاهرة إجتماعية معقدة ومركبة، وقتال من أجل البقاء على قيد الحياة، ويلعب فيها العنصر البشري والعقيدة القتالية والروح المعنوية ورباط جأش القادة والجنود في ميادين المعركة والمعرفة الجيدة لطبيعة الأرض الدور الحاسم في النصر أو الخسارة. وعلى الرغم من أنه نزاع مسلح وخلاف عدائي، لكنه لا يحسم بالهزيمة المطلقة إذا وصل الطرفان المتحاربان إلى قناعة بأن هنالك إمكانية لتحقيق الأهداف والتطلعات والمصالح بطريقة سلمية عبر للتفاوض. وهي إحدى وسائلنا للتغيير وبناء السودان الجديد.

 

وإذا كنت تملك إحصائيات دقيقة بالأرقام تعضد وتسند بها مزاعمكم بأن النوبة (كلهم ضدنا) فهنيئا لهم إذا كان هذا هو إختيارهم. فيكفينا شرفا أننا نسطير على أرض تعادل في مساحتها دول، وبها شعب وسلطة مدنية إستقبلت أكثر من (700،000) نازح فر من جحيم الحرب الحالية (حرب 15 أبريل 2023) التي لا تعرف أنت أسباب إندلاعها لأن أمثالك لا تتم مشاورتهم أصلا، بل يتم إستخدامه للإستنفار والتعبئة. وإدعائك إننا لم نفعل شئ للنوبة خلال أربعين سنة، فالإجابة على هذا الإفتراء متروك للتاريخ الذي هو الكفيل بالإجابة والرد عليه.

إذا لم يكن للمك كوكو الإستعداد ليكتشف الحقيقة بنفسه، سيكون مغيبا مسجونا في غياهب وزنازين (الحركة الإسلامية) التي دائما يأخذها بأن تهزم ما هو باطل في وجهة نظرها، ولكنها لا تدري كيف (تحق الحق). وما لم يتخذ المك قرار شجاع بأن يحرر عقله ويستقل بذاته ويتحرر من القيود ويتطلع ليعرف بأن للتهميش في السودان خارطة، وأنه درجات ومستويات مختلفة، سيظل في ضلاله مسطح الوعي. وسيبقى المنداجة الذين هم في بداية المشوار وطور المراهقة السياسية ولم يبلغوا سن الرشد بعد، في قمم الإسلام السياسي المحكم الإغلاق، ولا زالوا في غيهم وبعيدين كل البعد عن الواقع.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.