أنا ما أنا الا لأنك أنت ولأننا نحن (السلام من منظور افروثقافي: فلسفة الأوبونتو نموذجا)

إعداد: علي الزين

 

10/8/2024

كلما وردت الي مسامعنا مفردة فلسفة فانه يقفز الي ذهننا اسماء مثل أفلاطون وارسطو وديكارت وهيغل ومجموعة الفلاسفة الأوروبيين القدامي والمحدثين في تجاهل للمفاهيم الفلسفية في قارتنا الافريقيه مثل فلسفة أوبونتو وهي واحدة من تلك التقاليد الفلسفية في شعوب البانتو والخوسا في جنوب إفريقيا ونشرها ديزموند توتو ونيلسون مانديلا، وتجسد فلسفة أوبونتو روحًا مجتمعية تؤكد على المسؤولية المشتركة والثقة المتبادلة والترابط بين أفراد المجتمع.

أصل الكلمة والتقاليد الشفهية لفلسفة أوبونتو

إن أوبونتو تبتعد عن مقولة ديكارت أنا أفكر، إذن أنا موجود، والتي تعتبر الفرد مصدرًا للمعرفة. بل إن المثل القائل (أومونتو نغومونتو نجابانتو) يشكل محورًا أساسيًا في أوبونتو، والذي يعني الشخص هو شخص من خلال أشخاص آخرين وبالتالي فإن مصدر المعرفة هو المجتمع، وليس الفرد. لذلك، يمكننا أن نقول إن أوبونتو تعني (أنا موجود لأننا موجودون). ولذا فان الفكرة المركزية لأوبونتو هي الاعتراف التام بالترابط بين البشر مع الاعتراف بالقيمة المتأصلة لكل فرد وان كل شخص لديه ما يقدمه، ولا ينبغي أن تسود خبرة واحدة في الحياة على الأخرين.

العيش هو السبيل الوحيد نحو فهم اوبونتو

في التقليد الأكاديمي، غالباً ما تقتصر الفلسفة على المجال النظري والافتراضي وغالبا ما تتراي لنا الصورة النمطية للفيلسوف الجالس علي كرسيه وسط تلاميذه ولكن فلسفة أوبونتو لا يمكن فهمها إلا من خلال الحياة او ما يسمي بالروح الافريقية الجماعية .

خلقية تاريخية

جاء أول استخدام للمصطلح في المطبوعات في عام 1846 في كتاب (وصية انتشا ) ومع ذلك، لم تصبح الكلمة شائعة حتى الخمسينيات من القرن الماضي، عندما كتب عنها جوردان كوش نجوباني في مجلة طبل افريقي وفي رواياته في عام 1960
وحقق المصطلح قفزة أخرى حيث تم استخدامه في مؤتمر معهد جنوب إفريقيا للعلاقات العرقية و تحول مفهوم أوبونتو إلى أيديولوجية سياسية في زيمبابوي ابان استقلالها عن المملكة المتحدة و في التسعينيات كانت ملهمه في جنوب إفريقيا مع الانتقال من نظام الفصل العنصري حتي ظهرت كلمة (أوبونتو)في الدستور المؤقت لجنوب أفريقيا، الذي تم وضعه في عام 1993 وتجلت فيها القيم الساميه بان هناك حاجة إلى الفهم ولكن ليس إلى الانتقام، وهناك حاجة إلى التعويض ولكن ليس إلى الانتقام، وهناك حاجة إلى أوبونتو ولكن ليس إلى التضحية.

الأوبونتو في حل النزاعات

الاوبنتو كمفهوم ثقافي قادر على بناء السلم لما يتيحه في الثقافة المحلية الأفريقية من إمكانية طلب المعتدي العفو من الضحية، و بالمقابل منح الضحية العفو للمعتدي، فهو مفهوم يشتمل علي كثير من القيم الإنسانية و أهمها العفو حيث يجتمع المجتمع ويتأمل في آثار الجريمة على المجتمعات الأوسع أو الأفراد المتضررين وان الجرائم التي يرتكبها فرد واحد لها عواقب بعيدة المدى، تتجاوز الجاني والأشخاص المتضررين المعنيين و من خلال الحوار والثقة، يتم صياغة (العقوبة) وينصب التركيز على إصلاح العلاقة بين الجاني والمجتمع عبر الحوار والاعتذار.

وعلى المستوى الأوسع والأكثر بنيوية فيما يتصل بعواقب الاستعمار والحروب والانتهاكات الجماعية حيث يسلخدم أوبونتو في عمليات شفاء لمعالجة الظلم التاريخي، وتعزيز المصالحة، وإظهار التماسك الاجتماعي،و تشكل مراسم الشفاء الجماعي والخدمات التذكارية وهذا يسمح للمجتمع بقبول انتهاكات الماضي، والاعتراف بالعواقب في الحاضر، وخلق مسار عادل للمضي قدما في المستقبل بالتركيز على الجوهر الروحي لأعضاء المجتمع، والذي يعتبر أعلى قيمة للإنسان.

وهي في ذلك قريبة الشبه الي مفهوم الجودية في السودان التي تنتمي ايضا إلى المؤسسات العدلية الأفريقية التقليدية والتي تعني بمعالجة النزاعات التي تنشأ بين الأفراد أو الجماعات الا ان اوبنتو تم تطويرها لتصبح اشمل في بناء وترسيخ السلام والعلائق
الانسانية وايضا شبيهة الي تقاليد في دول إفريقية أخرى مثل محكمة الاكانس في غانا وكبيلي في ليبيريا والندنيولي في تنزانيا والقاجاجا في رواندا التي طُورت واستُخدمت لمحاكمة المتورطين في الإبادة الجماعية في عام ١٩٩٤.

بعض من معاني اوبونتو

أصبح مصطلح أوبونتو معروفاً في الغرب إلى حد كبير من خلال كتابات ديزموند توتو، رئيس أساقفة كيب تاون الذي كان زعيماً لحركة مناهضة الفصل العنصري والذي فاز بجائزة نوبل للسلام عن عمله. وعندما اقترب من التقاعد، طلب مانديلا من توتو أن يرأس لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا، التي سعت إلى التوصل إلى اتفاق بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في الماضي من أجل المضي قدماً نحو المستقبل. وفي مذكراته عن تلك الفترة، بعنوان (لا مستقبل بدون تسامح) كتب توتو: “من الصعب للغاية ترجمة مصطلح أوبونتو إلى لغة غربية. فهو يتحدث عن جوهر الإنسان. فعندما نريد أن نثني على شخص ما نقول له: يو، يو اوبنتو اي ان انك شخص كريم، ومضياف، وودود، ومتعاطف، ورحيم. وتشارك الآخرين ما لديك إنها تعني أن إنسانيتي مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بإنسانيتك. ونحن ننتمي إلى حزمة من الحياة.

في عام 2006، أجرى الصحفي الجنوب أفريقي تيم موديسي مقابلة مع مانديلا وسأله على وجه التحديد كيف يعرف مفهوم أوبونتو. أجاب مانديلا، في الأيام الخوالي عندما كنا صغارًا، كان المسافر عبر بلد ما يتوقف في قرية، ولم يكن مضطرًا لطلب الطعام أو الماء؛ بمجرد توقفه، يقدم له الناس الطعام ويستضيفونه. هذا جانب واحد من أوبونتو، ولكن سيكون له جوانب مختلفة. لا يعني أوبونتو أن الناس لا ينبغي أن يخاطبوا أنفسهم. لذلك فإن السؤال هو، هل ستفعل ذلك من أجل تمكين المجتمع من حولك، وتمكينه من التحسن؟ هذه أشياء مهمة في الحياة. وإذا كان بوسعك أن تفعل ذلك، فقد فعلت شيئًا مهمًا للغاية.

*أوبونتو نظام تشغيل ينافس مايكروسوفت*

هو أيضًا اسم نظام التشغيل المجاني الأكثر شعبية في العالم. وقد أطلق عليه هذا الاسم رجل الأعمال الجنوب أفريقي مارك شاتلوورث، الذي أطلق أوبونتو في عام 2005 للتنافس مع مايكروسوفت. أوبونتو هو نظام تشغيل مفتوح المصدر اذ يتم تشجيع الناس على تحسين البرنامج حتى يصبح أفضل باستمرار.

أوبونتو في الرياضة

كان لأوبونتو تأثير على الدوري الاميركي للمحترفين. وقد تسربت هذه الفكرة إلى كرة السلة الاحترافية الأميركية من خلال كيتا تييري ماتونجولو، مؤسس منظمة “هوبز فور هوب” في جنوب أفريقيا ، ففي عام 2002، انتهى المطاف بماتونجولو إلى الجلوس على نفس الطاولة في حدث لجمع التبرعات مع دكتور ريفرز من فريق بوسطن سيلتيكس، وعرّفه على مفهوم أوبونتو. وبعد خمس سنوات، دعا ريفرز ماتونجولو للتحدث إلى فريقه، وأصبح أوبونتو نداءهم الحاشد ــ حتى أنه تم نقشه على خواتم البطولة الخاصة بهم في عام 2008. ومؤخرا، نقل ريفرز هذا المفهوم إلى فريق لوس أنجلوس كليبرز. ويقول ريفرز: أوبونتو تعمل في الحياة. إنها تعمل للجميع. ولا يجب أن تكون في كرة سلة فقط. بل إنها تتعلق بالمرونة و الفرحة مع زميلك في الفريق عندما يكون في حالة جيدة والشعور بالألم عندما يشعر زميلك بالسوء

*اوبونتو في المناخ*

يمكن تطبيق أفكار أوبونتو حول الجماعية على تغير المناخ؟ يجادل الناشط الجنوب أفريقي أليكس لينفيرنا في مقال نُشر بعنوان ما الذي يمكن أن يتعلمه نشطاء تغير المناخ من إرث مانديلا العظيم، يشرح لينفيرنا كيف يمكن التفكير في إنسانيتنا الجماعية وأن نساعد في تشكيل جبهة موحدة للحفاظ على البيئة. ويكتب لينفيرنا عن أوبونتو: إذا قبلنا مثل هذه الفلسفة، فنظرًا لمعرفتنا بتغير المناخ الناجم عن أنشطة الإنسان، فإن سعينا إلى إثراء أنفسنا من خلال استخدام أساليب التنمية المكثفة للغازات المسببة للانحباس الحراري على حساب مناخنا وكوكبنا ورفاهية الأجيال الحالية والمستقبلية لا ينبغي أن يُنظر إليه على أنه تنمية حقيقية بل شيء ينتهك أوبونتو ويقلل من إنسانيتنا ويجعلنا كأفراد ودول ومجتمع عالمي أقل مما يمكن أن نكون عليه بخلاف ذلك ونستخدم فكرة أوبونتو الملهمة لإصلاح استخدامنا للموارد .

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.