المجاعة على مقياس ريختر و بلغة الأرقام

منال إبراهيم حسين

 

يواجه الملايين في السودان خطر المجاعة الدائرة منذ اكثر من عام وقد اجبر القتال جزءا كبيرا من السكان علي الفرار من منازلهم .

بينما تعرف المجاعة بأنها جوع شديد طويل الأمد يصيب نسبة كبيرة من السكان في بلد او منطقة ما، تتسبب في الوفاة نتيجة لارتفاع معدلات سوء التغذية الحادة بين الأفراد و يرجع حدوث المجاعة لسببين رئيسيين الأول ناتج عن الكوارث الطبيعية من فيضانات و اعاصير و جفاف و برد غير موسمي و تفشي الحشرات و أمراض النباتات و تغيير المناخ و الفقر و غيرها، بينما تمثل الحروب و القيود المفروضة على توصيل المساعدات و الصراعات المسلحة السبب الرئيسي و الأساسي للمجاعات . حيث يتم الإعلان عن المجاعة بشكل عام من قبل الأمم المتحدة (احيانا بالاشتراك مع حكومة البلاد) و (غالبا جنبا الي جنب مع منظمات الإغاثة الدولية الأخرى او الوكالات الانسانية).

في ظل الأوضاع المأسوية التي يمر بها السودان تزداد الأمور سوءا يوما بعد يوم وقد حذر برنامج الأغذية العالمي من أن هذه الحرب المستمرة قد تخلف اكبر أزمة جوع في العالم في بلد يشهد اساسا اكبر أزمة نزوح على المستوى الدولي ما يهدد حياة اكثر من ٤٠ مليون شخص يواجهون خطر المجاعة بنهاية عام ٢٠٢٤م .

وبلغة الأرقام فإن هناك طفل يموت كل يوم في مخيمات النزوح بينما يعاني الملايين من انعدام الامن الغذائي الحاد في ظل صراعا عسكريا حاد و أصبح الاربعين مليون نسمة على شفا مجاعة حقيقية، اما من هم قادرون علي توفير وجبة كاملة لأنفسهم من السودانيين فلا يتجاوزون نسبة ٥% وفق برنامج الأغذية العالمي. و هذا ما يعرف دوليا بالتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي و هي المرحلة التي تستدعي ان يتم فيها الإقرار بحدوث مجاعة منذ وضع المعيار قبل ٢٠ عاما .

بينما أشارت اليونسيف إلي ان نحو ١٩ ملايين طفل سوداني يعانون من إعدام الامن الغذائي الحاد و عدم الوصول الي مياه الشرب.

و في إشارة أخرى للجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الطفل ان ٢٤ مليون طفل معرضون لخطر كارثة عابرة للأجيال و ان حقوقهم في الحياة و البقاء و الحماية و التعليم و الصحة و التنمية جميعها قد انتهكت بشكل خطير في الصراع الحالي .

كانت المجاعة الأولى في سبعينات القرن الماضي تلتها أخرى في عامي ٨٤ – ١٩٨٥م و كانت من اشد المجاعات التي مرت على السودان و أفريقيا كلها فتكا، حيث نتجت عنها خسائر بشرية هائلة راح ضحيتها حوالي٨/٥ مليون متضرر.

عندما حلت المجاعة في السودان، طالب حاكم إقليم دارفور الأسبق محمد إبراهيم دريج الرئيس نميري بإعلان المجاعة لحشد الدعم الدولي لإنقاذ السودانيين ولكن تعنت نميري و رفض ذلك و أصر ملحا انه ( لا توجد مجاعة و لن تحدث) و كان نتيجة ذلك ان مات الآلاف من السودانيين جوعا في مختلف السودان خاصة دارفور و كردفان،و القى دريج خطاب استقالته باكيا حسرانا و اسفا على ما حل بالسودان و غادر البلاد حينها.

فما هي المجاعة و متى يتم إعلانها ؟.
تحدث المجاعة عندما يعاني بلدا ما من نقص حاد في الغذاء بحيث يواجه سكانه سوء تغذية حاد او جوع او موت.
أعلنت المجاعة في السودان لاحقا بعد أن مات العديد من السودانيين، فالتاريخ يعيد نفسه فقد صرح وزير زراعة حكومة الحرب ببورتسودان ابو بكر بشرى قبل شهرين انه لن تحدث مجاعة في السودان ، و بحسب التقارير فإن اكثر من ٣٥/٦ مليون من أصل ٤٧/٨ سوداني يعانون من مستويات عليا من نقص الامن الغذائي ، ان المعيار العالمي لقياس انعدام الامن الغذائي، أو ما يمكن ان نسميه مقياس ريختر للجوع هو التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي IPC و لكي يتم إعلان المجاعة رسميا يجب أن تحدث ثلاثة اشياء في منطقة جغرافية محددة:
ما لا يقل عن ٢٠% من الأسر تواجه نقصا شديدا في الغذاء بعد زيادة ١٧ مخيما جديدا في المناطق الواقعة تحت سيطرة حركة جيش تحرير السودان ليصبح إجمالي المخيمات ١٧٢ مخيم للنازحين بدارفور .
يعاني ما لا يقل عن ٣٠% من الأطفال من سوء التغذية الحاد هذا دلالة على ان الوضع بائس للغاية عندما يقتاد الناس على أوراق الأشجار و بقايا الفول السوداني و السمسم (الامباس) و قشر عيش الدخن (الكنفوت) و اتخاذ الجراد وجبة اساسية كي يبقوا على قيد الحياة.
يموت شخصان بالغان او أربعة أطفال لكل ١٠٠٠٠ شخص كل يوم بسبب الجوع المباشر او تفاعل سوء التغذية و المرض و هذا ما اعلنه قياديان في مخيمات النازحين بدارفور ان عدد ١٠٥٠٠ حالة وفاة تحدث بين الأطفال و كبار السن وسط انعدام الغذاء و الدواء و التلوث البيئي إلا أن لجنة مراجعة المجاعة أعلنت مؤخرا و بشكل رسمي المجاعة بمعسكر زمزم بولاية شمال دارفور.

كل إنسان سوي يتمنى ان تتوقف الحرب و تتحقق احلام السودانيين و امنياته من خلال المنظومة الانسانية و الاخلاقية التي يؤمن بها عكس تيار البعض الذي يريد و يتمنى ان تستمر الحرب اللعينة لتحقيق شئ لنفسه المريضة من خلال منظومة الهوس الديني الذي تربى عليه و جعله لا يكترس لوازع أخلاقي و إنساني يردعه و من ابشع المناظر ان يصل البعض لهذه الدرجة من القسوة و الوحشية و ان يعتاد على الصور المؤلمة حد الألم للمواطنين السودانيين و هم يأكلون التراب (رمله) حيث لا وجود لبدائل أخرى للبقاء على قيد الحياة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.