لو كنتُ في محل البُزعي!

✍️ محمد جلال أحمد هاشم كمبالا - 25 يونيو 2024م

 

لو كنت في محل البُزعي ورأيت زينب إيرا وهي ترتدي الزي البحراوي النسائي، لصافحتُها مهنئا لها ابتدار هذه السانحة، ثم لقمت بتوجيه باقي المذيعين والمبيعات ليحذوا حذوها، ذلك من باب التقدير والامتنان لجميع أهلنا بالشرق عموماً، ثم بورسودان خاصةً، لاستضافتهم لرئاسة مؤسسة الدولة الوطنية السودانية خلال هذه الحرب.

***

بل أكثر من ذلك، كنتُ سأوجّه ببث برامج، ليس فقط بلغة البجا، بل بجميع لغات أهلنا في الشرق. وأكثر من ذلك، كنتُ سأوجّه بتخصيص برامج باللغات الوطنية السودانية في جميع القنوات الإذاعية والتلفزيونية في الأقاليم، كل محطة إذاعية/تلفزيونية بما يليها من لغات وطنية داخل محيطها الاجتماعي.

***

الحقيقة التي أغفل عنها الكثيرون ممن استهجنوا ما بادرت به زينب إيرا، مستحسنين ما قام به البُزعي من رد فعل، هو أنه، على وجه التحقيق، لا يوجد شيء اسمه “الزي القومي”، بمثلما ما لا يوجد شيء اسمه “الشعر القومي” … إلخ مثل هذه المسمّيات. أما على وجه التوصيف، فهناك بالفعل زي بعينه يوصف بأنه “قومي”، بمثلما هنالك شعر يوصف بذلك أيضا، هو ما أشعر به شعراء من شعر شعبي يخص أهلنا الأكارم بوسط وبطانة السودان ونجوعها. لكنها ليست “قومية” على وجه التحقيق، كونها لا تمثل جميع أهل السودان. فكيف ولماذا وُصفت بأنها “قومية”؟

***

وُصفت بأنها قومية، ببساطة لهيمنة منظور بوتقة الانصهار Melting Pot Perspective لجميع حرائك التفاعل الثقافي منذ 500 عام، أي بقيام السلطنة الزرقا (بمعنى “السوداء”، وليس “الزرقاء” كما يُحرّف الكثيرون الكلِمَ ليّاً بألسنتهم). وبقدر ما كان ذلك تدشينا لكلا الثقافتين العربية والإسلامية السمحتين في بلادنا، كان ذلك أيضا بدء تورط بلادنا في الأيديولوجيا الإسلاموعروبية الغاشمة. فالأخيرةُ، حسبما تواتر ذلك في كتاباتنا ومحاضراتنا، ليست سوى فيروس يستهدف الثقافة ويهاجمها، ثم يسافر عبر الزمان والمكان، بالضبط كما يفعل الطاعون البقري الذي يستهدف البقر ويسافر عبر الزمان والمكان عبرها. وبقدر ما لعبت الثقافتان العربية والإسلامية أدوارا هامة في تفاعلهما مع جميع الثقافات السودانية الأقدم منها (الإسلام الشعبي الصوفي مثالاً بكل ما اشتمل عليه من تسامح وقدرة عجيبة على جمع مختلف الناس)، بقدر ما ظلت الأيديولوجيا الإسلاموعروبية تعمل عكس ذلك عبر امتطائها لمؤسسة الدولة (المستوى السياسي للسلطة المفوضة من القاعدة) التي تحتكر العنف القانوني، ذلك كيما توظف عنف الدولة لتنفيس وإفشال ما تقوم بإنجازه عملية التفاعل الثقافي في المستوى القاعدي للسلطة، قبل أن يتم تفويضها إلى المستوى السياسي .

***

كل ذلك كان مقبولا في مرحلة ما قبل الدولة الوطنية التي تأسست بعد عام 1648م وفق الشروط الويستفالية. فقد كانت الغلبة القائمة على استخدام جميع آلات العنف هي أنجع وسيلة لبناء مؤسسة الدولة، ما كان يعني بالضرورة بروز مجموعة إثنية تشرع في الاستقواء عسكريا إلى أن تُخضع لسيطرتها باقي الإثنيات بقدر ما أمكنها ذلك. فإذا توسعت لدرجة تمكنها من مغادرة موطنها الأول، أصبحت إمبراطورية (إمبراطورية المغول مثالا). أما إذا لم تفعل ذلك، فاكتفت بمنطقتها الجغرافية مع بعض تمدد هنا وهناك، أعطتنا مؤسسة الدولة المشيخة، أو الإماراتية (مملكة الفونج مثالا، وكذلك ممالك دارفور وتقليل … إلخ). في الحالة الأخيرة يستوجب على المجموعة الإثنية التي أذعنت لها باقي الإثنيات أن تستصحب معها هذه الأخريات بما يحقق اللُحمة الاجتماعية الضرورية للتعايش السلمي وتحقيق القدر المستطاع من العدالة (نظام الحواكير نموذجا).

***

كل هذا كان يقوم على بوتقة الانصهار، ذلك بوصفها فتحا تاريخيا أدى غرضه وحقق أهدافه، وإلا لما كنا نحن اليوم. لكن كل هذا تغير بعد أن حدث التطور التاريخي لمؤسسة الدولة، ذلك بعد التوقيع على اتفاقية ويستفاليا عام 1648م بين الإمبراطورية الرومانية المقدسة Holy Roman Empire وبين ما عُرف (لأول مرة في التاريخ) بجمهورية الأراضي المنخفضة (تطورت لاحقا إلى دولة هولندا)، بوصف الأخيرة (لاحظوا: لأول مرة في تاريخ البشرية) دولةً:

1. ذات حدود جغرافية معترف بها، ولا يجوز تعديها، دخولا أو خروجا، إلا بإذن رسمي (فيزا)؛

2. ذات استقلالية داخل حدودها، ذلك بحيث يمتنع الآخرون خارج حدودها عن التدخل في شئونها الداخلية بوصفها دولة مستقلة، ذات سيادة (كل هذا لأول مرة في تاريخ البشرية)؛

3. الشعب هو مصدر السلطة في هذه الدولة، ذلك بموجب التفاعل الثقافي قاعديا حيث تحدث عملية توليد السلطة، ومن ثمّ تجري عملية تفويضها إلى المستوى السياسي لتمارسها القوة الاجتماعية الحاكمة، أكانت نظاما ملكيا أو انتخابيا. وتكمن خطورة هذا الأمر في أنها ألغت بذلك (داخلها على أقل تقدير) الحكم بالحق الإلهي، وهو ما كانت تعمل بموجبه الإمبراطورية الرومانية المقدسة. أي أن مصدر السلطة هو الأرض والشعب، وليس السماء، بحيث تبطل أي دعاوى من هذا القبيل؛

4. الدولة غير مسئولة عن الضمير Conscience، ما يعني عمليا أن وظيفتها هي حماية حقوق جميع مواطنيها دون أي انحياز أو تحيز، ودون أن تكون من مهامها تحديد أي دين أو مذهب على الشعب؛

5. الدولة تقوم على حقوق المواطنة المتساوية دون أي تمييز على أساس العرق أو الدين أو الوضعية الاجتماعية. فالشعب في جميع قطاعاته ليس سوى مواطنين متساوين، بصرف النظر عمّن هو كاثوليكي أو بروتستانتي، أو حتى لاديني، أو يهودي أو مسلم. لذلك، إبان محاكم التفتيش في إسبانيا، كان اليهود يهربون إلى هولندا، مثل أسرة الفيلسوف إسبينوزا، بينما كان المسلمون يتجهون جنوبا نحو المغرب ثم شرقا أو جنوب/شرق إلى شريط بلاد السودان.

6. بالرغم من بروز مؤسسة الدولة الوطنية من داخل منظور بوتقة الانصهار، ذلك بوصفها الحالة السائدة والمهيمنة على شكل التفاعل الثقافي (مصنع السلطة)، إلا أنها نظريّاً دشّنت منظور الوحدة في التنوع Unity in Diversity Perspective. وسوف تظل مؤسسة الدولة الوطنية الحديثة وفق الشروط الويستفالية تتراوح ما بين هذين المنظورين حتى وقتنا الحالي. وقد سقطت مؤخراً عدة دول أوروبية في هذا الاختبار. وهذا يعني (لنا نحن الآفروعموميين Pan Afrikans بوجه خاص) نستشعر مسئوليتنا التاريخية في تحقيق النموذج الأفضل لمؤسسة الدولة الوطنية بحيث يكون هذا النموذج محصّنا من الانتكاس. ونقطة الانطلاق هنا هو دولة ما بعد الاستعمار، ذلك بتحويلها إلى مؤسسة دولة وطنية، مستوفية لشرط عَلمانيتها البنيوية، وقائمة على قسم المواطنة بلا أي تمييز أو انحياز منها على أساس الضمير (العقيدة) أو ابعرق، أو الوضعية الاجتماعية. وهذه هي اللبنة التي يفترض أن ننتقل منها إلى الوحدة الأفريقية القائمة، بدورها، على منظور الوحدة في التنوع، أي باتحاد دول مستقلة. وهي المشروع الذي تبنته أوروبا من الآفروعمومية وطبقته، فكان الاتحاد الأوروبي.

***

كل هذا يعني أمرا جدّ خطير، ألا وهو أن الدولة الوطنية الحديثة هي عَلمانية من حيث بنيتها structurally secular. وهذا بدورها يعني أمرا اخر أشد خطرا، ألا وهو أن فقدان الدولة الوطنية لشرط عَلمانيتها البنيوية سوف يؤدي إلى بالضرورة إلى نسف الشروط الخمسة أعلاه، بما يعني أن تصبح الدولة:

أ) منحازة لعقيدة دينية، أو مذهبية دينية بعينها؛

ب) التمييز بين مواطنيها بُناءً على هذا، بحيث لا يتم معاملة جميع المواطنين وفق حقوق المواطنة المتساوية؛

ج) التنكيل بمن لا يتفقون مع دين الدولة أو مذهبها، وبالتالي، وبالتالي استغلال السلطة المفوّضة قاعديا من كل قطاعات الشعب، لكن لمصلحة قطاع بعينه، ما يعني استيلاد عائلات عدم الرضى Discontent، وما قد يؤدي إلى ما يعرف بالحرب الأهلية. وللعلم، مصطلح “الحرب الأهلية” لم يكن له وجود قبل بروز مؤسسة الدولة الوطنية الحديثة وفق الشروط الويستفالية.

د) النهاية المحتومة للدولة الوطنية الحديثة، متى ما فقدت شرط عَلمانيتها البنيوية، هو أن تتفكك. وليس ما يحدث في السودان منذ عام 1955م إلا مثالاً حياً لما نقوله.

***

فقد ظل السودان، حتى قبل أن ينال استقلاله بقرون إلى لحظتنا الراهنة، محكوما بمنظور بوتقة الانصهار ، وفق الأيديولوجيا الإسلاموعروبية، بما في ذلك فترات الاستعمار التركي المصري والاستعمار البريطاني. فمنظور بوتقة الانصهار يسيطر على الوعي الأيديولوجي العام بين قطاعات الشعب، ممثلاً في آليات الأسلمة والاستعراب (آليات Mechanisms، وليس عمليات Processes التثاقف الاجتماعي حيث تحتل الثقافتان العربية والإسلامية مكانهما المبجّل بين باقي الثقافات السودانية الأخرى). ولكن الخطورة تكمن في أن منظور بوتقة الانصهار ظل، ولا يزال، يسيطر على مؤسسة الدولة عبر كل هذه العصور المشار إليها أعلاه. وقد بلغت، منذ الحكم الذاتي عام 1953م، أي قبل الاستقلال، درجة عدم البصرة حدا غير مسبوق من قبل، ذلك عندما تحولت شعارات الأسلمة والاستعراب برنامجاً سياسيا لأكبر كتلتين سياسيين واجتماعيتين، هما طائفتا الخامسة والأنصار، تشايعهما في ذلك العديد من زعامات العشائر الإثنية وجيش جرار من طبقة الأفندية (بيمينها ويسارها) ناتجة التعليم غير الوطني. ولهذا كان منطقيا أن تستقوي هذه النخب الثلاث بنخبة ما بعد استعمارية أخرى، ليست فقط ذات علاقة مباشرة بمؤسسة الدولة الوطني، بل هي أداتها الاحتكار العنف، ألا وهي المؤسسة العسكرية (البوليس، الأمن، ثم الجيش بوجه خاص. أي، باختصار، أن نخب دولة ما بعد الاستعمار الأربع قد تحالفت جميعا على أن تحكم وفق الأيديولوجيا الإسلاموعروبية بما يتناقض وشروط الدولة الوطنية الحديثة القائمة وفق الشروط الويستفالية التي استعرضناها.

***

وهكذا ظل السودان ينحدر من حالقٍ إلى خانقٍ بطريقة المتواليات العددية (إن لم يكن المتواليات الهندسية)، وبطريقة ذات إيقاع مضبوط. لا غرو أن انتهى الأمر بدولة دينية، بدأت مع نظام نميري وبلغت الغاية في زمن الإنقاذ، ذلك عندما بلغ الغباء الأيديولوجي أعلى درجاته واستحكم. فقد سيطرت على الحكم، مستعينة بعنف الدولة وامتطاء ظهر الجيش، مجموعة صغيرة، لكنها مركزية التنظيم، قوامها طبقة الأفندية (مقطوعي الطاري) ناتجة مؤسسات التعليم العالي (فتصور)! هؤلاء غلبت على فكرهم وشعورهم الأيديولوجيا الإسلاموعروبية لدرجة أورثتهم غباءها، فاستحكم الغباء الأيديولوجي عليهم. فقد ظلوا لعقود يعملون كخلية النحل، بلا ملل ولا كلل، لاستلام السلطة لإقامة دولة وفق نموذج دولة المدينة المنورة التي أقامها النبي محمد (ص) في القرن السابع الميلادي. أي العودة 14 قرناً إلى الوراء، وليس مجرد الأربعة قرون التي تفصلنا من اتفاقية ويستفاليا (1648م). وفي غلواء غبائهم الأيديولوجي الذي محق كل مخايل الذكاء الشخصي الذي ورثوه عن آبائهم وأمهاتهم.

***

هؤلاء فات عليهم أن يقرأوا التاريخ ليستمدوا منه العبر، ذلك كيما يخططوا في راهنهم لبناء مستقبل أفضل مما سبق. هؤلاء أرادوا أن يحققوا المستحيل، ذلك بأن يعودوا بالزمن إلى الوراء، وما هذا إلا مجرد وهم. وهكذا تفعل الأيديولوجيا، مطلق أيديولوجيا، لأنها تزيّف الواقع، وتبعا لذلك تزيّف الوعي هؤلاء فات عليهم أن النبي محمد (ص) لو كان قد بُعث اليوم، لأقام دولته من آخر نقطة من التطور والتبلور توصلت إليها مؤسسة الدولة، ألا وهي الدولة الوطنية الحديثة وفق الشروط الويستفالية. فهو، كما قال، إنما جاء ليُتمّم مكارم الأخلاق، لا ليؤسسها من الأول. وكل سيرته تثبت كيف استصحب معه كل التطورات التاريخية التي سبقته، ذلك طالما أثبتت جدواها.

***

جاء هؤلاء فأعلنوا، بكل بخيلاء وغرور المؤدلجين الموهومين، أنهم سيقومون الدولة الإسلامية وفق الشروط البنيوية السابقة لاتفاقية ويستفاليا. أي إقامة دولة دينية على أعقاب دولة ما بعد الاستعمار التي فشل رعيل الاستقلال السياسي دون تحطوسرها إلى دولة وطنية وفق الشروط الويستفالية، أي دولة مواطنة بحق وحقيق. وهكذا فرّقوا بين المواطنين على أساس الدين والعرق والوضع الاجتماعي. وكان من ضمن أساسيات سياساتهم إعلان الجهاد ضد مواطني الدولة نفسها. هذه عِماية ايديولوجية مكتملة الغباء سوف يمكث المؤرخون طويلا، طويلا في دراستها.

***

لا غرو أن بلغ الكيزان، عكسياً، القمة التي ما بعدها قمة في الانحدار والسقوط وطنيا لدرجة ابتناء مؤسسات موازية لمؤسسات الدولة المختصة بإنفاذ احتكارها للعنف. فالشرطة أنشأوا لها “الشرطة الشعبية”؛ وجهاز الأمن، أنشأوا له “الأمن الشعبي”؛ والجيش أنشأوا له “الدفاع الشعبي”. وبالطبع، ما كان لهم أن يقفوا عند هذا انحدارا وسقوطا. فقد ورثوا حرب الجنوب ولما تستقوي بعد الحرب في جبال النوبة والفونج، فكان أن نشروها في كل مكان. فانتشرت بذلك المظالم بين قطاعات الشعب وعبر مؤسسة الدولة نفسها التي كان يفترض أن ترعاهم بالعدل والقسطاط. ثم تفوق الكيزان (ومن والاهم من الإسلاموعروبيين أكانوا في شكل تنظيمات متحالفة أو قطاعات اجتماعية) على سوء الظن العريض، ذلك عندما وقعوا في الحمى، حمى محرمات الدولة الوطنية، وهي: قتل المواطنين والتنكيل بهم لمجرد الاختلاف؛ أكل مال السحت ممثلا المال العام؛ وأخيرا التفريط في الأرض، احتلالا أو انفصالها.

***

ثم قام الكيزان، ممثلين في نظام الإنقاذ، بارتكاب موبقتهم الكبرى، ذلك بالتورط في مشروع تسييل مؤسسة الدولة الوطنية الحديثة التي حكم ها، ثم فشلوا في إدارتها من حيث تحقيق أهدافهم بإعادة دولة النبي محمد (ص) الى هذا العصر. ففي الثلاثين عاما التي حكموها، تدهورت اللغة العربية والقيم الإسلامية حتى بلغت حضيضَها ورضيضَها، بقضِّها وقضيضِها. فكان أن أنشأوا مليشيات الجنجويد للتنكيل بالمدنيين الآمنين في قراهم ونجوعهم، ممن انتفض شبابهم وحمل السلاح، ذلك عقابا للأخيرين. وهكذا بتربية “جنا المرفعين” داخل صحن دارهم. وحكمة أهلنا تنصح بتربية “جنا” أي حيوان، إلا إثنين: المرفعين (الضبع) والتمساح، ذلك لأنهما متى كبُرا، فأول ما سيقومان به هو افتراس من قام بتربيتهم. هكذا بلغت بهم الغشامة من حيث هيمنة الغباء الأيديولوجي على كل مخايل الذكاء الشخصي الذي وهبه لهم المولى عز وجل. وما الحرب الدائرة الآن إلا بسبب “جنا المرفعين” الذي قام الكيزان بتربيته داخل صحن وطننا ولو استعانوا بشذاذ الآفاق من مستغربة حزام السودان.

***

في كل هذا كانت قوى الإمبريالية العالمية تراقب وتناظر لحظة بلوغ الضعف البنيوي بمؤسسة الدولة السودانية الحد الأدنى الذي يمكنها من تسجيلها تماما بغية فرض هيمنتها المطلقة على السودان وموارده. وقد شاركت في تسمين “جنا المرفعين” عبر وكلائها الإقليميين وكمبرادوراتها المحليين حتى بلغ التخمة، فزاد جوعُه للسلطة وقرر أن يأكل من تربٌى بمواردهم، ألا وهم الشعب السوداني ومؤسسة الدولة السودانية. فكانت حرب 15 أبريل 2024م التي شنتها، ولا تزال تشنها، مليشيات الجنجويد المجرمة ضد الشعب السوداني وضد كيان الدولة السودانية.

***

عودٌ على بدء! ما فعله البُزعي هو تصرف متسق من حرائك منظور بوتقة الانصهار (أصل وممكن الداء). هذه الحرب سوف تنتهي بانتصار الشعب السوداني عبر مؤسسة دولته الوطنية على مخطط قوى الإمبريالية العالمية. لكن اذا لم يرتفع الوعي الشعبي والرسمي ليتجاوز منظور بوتقة الانصهار، مستشرفا منظور الوحدة في التنوع، فإننا سوف نظل نعيد إنتاج الأزمة إلى أن يقضي اللهُ أمرا كان محتوما، ألا وهو ذهاب ريح ما يسمى بالشعب السوداني، معلم الشعوب، وذهاب ريح ما يعرف بالدولة السودانية المستقلة، ذات السيادة، والعضو المعترف به في الأمم المتحدة.

 

MJH

كمبالا – 25 يونيو 2024م

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.