العنف الرمزي في السياسات الإستعمارية.
كتب✍️: عبده إسحق (ديكارت)
بموقف الكنداكة (زينب ايرا) الشجاع في مقاومة أخطر أنواع الإضطهاد في السياسات الإستعمارية (العنف الرمزي) فإنها حققت كذلك إنتصار فردي مهم وإستردت حقها الإنساني. ولكن جذور الأزمة السودانية لا زالت قائمة والتي تتمثل في مظاهر الكراهية بمختلف أنماطها كواحدة من المغذيات الرئيسية للعنصرية المؤسسية في بنية دولة السودان القديم، حيث يعتبر التعليم والإعلام حسب الفيلسوف (بيير بورديو) عالم الأنثروبولوجيا الإجتماعية، أهم وأكثر الأدوات عنفا في قهر الضحايا، وإن كل الأنشطة التربوية تقوم على تلقين وفرض المعلومات التي تكرس قيم وطرائق التفكير (الإستعدادات والتصورات – Habitus) التي تخدم مصالح الطبقات والفئات المسيطرة. ويعتبر التعليم أحد أهم أدوات الفرز الاجتماعي، سواء أن كان سلبا أو إيجابا. ودوره ونتائجه معروفة في السودان.
أما الأداة الثانية فهي وسائل الإعلام وأبرزها التلفزيون الذي يقوم بتقديم مواد تتعلق بما تشتهيه السلطة الفعلية المهيمنة، إضافة لنشر وترسيخ المنظومة القيمية المعيارية للآيديولوجية المسيطرة المتحكمة على الوضعية القائمة.
عليه فإن حفيدة (عثمان دقنة) قد أدركت توجهات هذه المؤسسة ورأت إنه قد حان وقت الإنتفاض على هذه القوانين واللوائح والأوامر والموجهات التي تفرض وتكرس الآيديولوجيا الإسلامو – عروبية الأحادية الاستعلائية والإقصائية ذات البنية الذكورية البطرياركية المعادية لحرية الأنثى. وإن معاييرها تختزل قيمة وشرف المرأة في أن تخفي جسدها من أنظار الذكور، ولا يجوز لها إقامة أي نوع من العلاقات الجندرية حتى لو كان إشباعا لنداءات الغريزة الطبيعية (الجنس) إلا برغبة وموافقة الذكر، أي ما يسمى بالولي في الشريعة الإسلامية. وبناءا على هذا الإمتياز يحق لولي الأمر مصادرة إرادة بنته أو أخته أو زوجته أو حتى أمه ولو كانت قاضية في أعلى محمكة في النظام القضائي للدول المنعوتة بالعربية حيث مصدر تشريعات بعضها هو الدين الإسلامي. والسودان نموذجا.
المادة (32) من قانون الأحوال الشخصية لسنة 1991 يعطي مشروعية الوصاية على النساء الأقرب بالنسب كما هو مبين أعلاه. يعطي هذا الحق حتى لامثال حميدتي وأردول ومناوي وغيرهم من النخب الإنتهازية المغيبة فكريا.
وإذا كانت (ايرا) لم تكن تعي توجهات هذه الالية الاستعلائية التى بدأت فى تلقيحها بالجرعة الأولى من حزم (إعادة الإنتاج)، لكنها لم تستجب رغم الإبتزاز والتهديد بالفصل من العمل، وإختارت التمسك بأبرز محددات الهوية الثقافية لمجموعتها الإثنية إلا وهي الفلكور. إذن في كلتا الفرضيتان، سواء كانت هي على وعي بماهية رسالة وغرض المؤسسة وقت رفضها لقرار المدير، أو غير ذلك، فإن هذا في تقديرى يعتبر موقف شجاع وتحول نوعي تاريخي في الوعي الثوري بالحقوق، وظاهرة وأداة جديدة في وسائل المهمشين ونضالهم التاريخي في طريق التحرر من غطرسة الآيديولوجيا الإسلامو- العروبية.
إن موقف (زينب ايرا) رغم تباعد الأمكنة وإختلاف الأزمنة، فيه إستلهام لموقف (روزا باركليس) رفيقة مارتن لوثر كينج أحد طلائع ورواد حركة الحقوق المدنية في حقبة التمييز العنصري بالولايات المتحدة الأمريكية ضد المجتمعات السوداء، حيث كانت أول إنسانة تقوم بتحدي قانون الفصل العنصري في أحد أسوأ مواده الذي يلزم أي راكب أسود في المواصلات العامة بأن يقوم من معقده للراكب الابيض وخاصة في المقاعد الأمامية داخل البص أو أي وسيلة مواصلات أخرى. ولكن في ذلك اليوم رفضت (روزا) تنفيذ ذلك القانون وتعرضت لجميع أنواع العنف من قبل المواطنين البيض والشرطة العنصرية آنذاك. وقد شكل موقفها ذاك تحول تاريخي نوعي ودفعة قوية في الحركة الإجتماعية والسياسية والحقوقية للسود من أجل نيل حقوقهم المدنية.. وأصبحت (باركليس) إيقونة ورمز من رموز النضال في تلك الحركة. لذا نتمنى أن تغتنم (زينب ايرا) الفرصة التي صنعتها لنفسها وتنضم إلى مسيرة نضال الهامش والنخب المستنيرة من المركز لإحداث التغيير الجذري وتفكيك بنية السودان القديم من أجل بناء السودان الجديد العلماني الديمقراطي التعددي اللامركزي، القائم على الوحدة الطوعية للشعوب السودانية. حينها سيتم بناء مؤسسة إعلامية وطنية مهنية لا تتبني أي شعارات أو رموز أو مواد أو توجهات ذات مرجعيات دينية أوثقافية معينة في أداء رسالتها المجتمعية.
و(بجا) حديد – سودان جديد.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.