أحزاب التوالي : الموقف من حرب 1999 المؤجلة لـ 2023 

✍️ منذر مصطفى  باحث بمركز السياسات العامة - السودان 17يونيو2024

 

قد يستغرب الناس من الموقف المرتبك للأحزاب السياسية من حرب 15 أبريل 2023، حيث جمدت نشاطها السياسي طوعاً واكتفت بظهور إعلامي خجول، يندد بالحرب وتكلفتها الإنسانية دون تحريك ساكن ، فلا تتعجب عزيزى من خبر : فرض حالة الطوارئ بالأحزاب اليسارية ، والسماح للإعلام برؤية الخلل التنظيمي باحزاب الوسط ويسار ويمين الوسط، هذه مجرد دراما رخيصة لإخراج موقفها المخزي.

 

نشأت قناعة لدى جزء كبير من المجتمع السياسي (الأحزاب) بأن المجتمع الدولي بقيادة أمريكا تريد “مشروع صيانة النظام الحالي”، بدلاً من إتاحة الفرصة للسودانيين لتشكيل نظام سياسي ديمقراطي، وهذا الموقف نتج بعد الصفقات البراغماتية التي أجراها ومفادها للتحول التدريجي لنظام دولة مدنية دينية (ثيوقراطية ديموقراطية) وبالفعل أصدر الإتحاد الأوروبي خارطة طريق (Khartoum Process) في نوفمبر 2014 ، كثمرة لجهود (برينستون ليمان- المبعوث الأمريكي الخاص للسودان وجنوب السودان من 2011 إلى 2013).

 

لقد شكلت حالة الاستقطاب الحاد داخل أروقة النظام في الفترة 1998-1999، إنتكاسة بالعمل السياسي في السودان، حيث فضل جزء ليس بالهين ومؤثر جدآ العودة لما قبل 1916، حيث دارفور الحالية وأجزاء كبيرة من كردفان، دولة ذات سيادة، بينما تحظى ولايات الشرق الثلاث وجزء من الإقليم الشمالي بذات الوضعية، وقد حسم إعلان برلين- مايو 1992، مسألة أقاليم جنوب السودان.

 

كل تلك المتغيرات إضافة لتجربة أحزاب التوالي في إنهاء مسرحية (التجمع الوطنى الديمقراطي) والعودة لبيت الطاعة في العام 2005 (برلمان الإنفصال) بعد أن أعطت للنظام بأسمرا- يوينو 1995 (مؤتمر القضايا المصيرية) شرعية إستخدام المليشيات دون تحرك المجتمع الدولى من إدانة ذلك ، وخروجها مرة أخرى لامتصاص غضب الشارع ، وإضاعة أي فرصة له في تكوين قيادة سياسية ناضجة، لا سيما بموجات ربيع الشرق الأوسط، ونجاحها الباهر في تصفيه تطلعات السودانيين، مما جعلها مؤهلة لديه للعب دور متعاظم بثورة ديسمبر 2018.

 

تم إعادة تعريف مسببات حرب التوالي، على أنها رفض للإتفاق الإطاري، وهذا جزء من الحقيقة، وتم التستر على عبث أخوان مسيلمة في رغبتهم بتصفية خصومتهم السياسية التى وصلت ذروتها في العام 1999، ما يسمى بالمفاصلة العرقية للتنظيم والنظام، وأشعلوا حرب أبريل 2023، لعودة التنظيم كقوة وازنة بالتفاعلات السياسية مرة اخرى، بعد أن جردهتم ثورة ديسمبر 2018 من هذه الوضعية، كما وصفها سيئ الذكر : أمين حسن عمر .

 

هذه التعريف لم يكن عفوي من أحزاب التوالي، طالما روجت في 2019-2021، للنموذج السوداني (تسوية سياسية كبرى تهدف لمنح الشرعية لأخوان مسيلمة)، وتهدف من هذه الحملة الإعلامية لإقناع التنظيم: بأنها تمثل الوكيل المثالي له في تضليل الشعب، ونجحت لحد ما في إعادة تدوير معظم مراكز القوى للتنظيم بواجهات مدنية وعسكرية ومليشيات.. الخ، لكن ذلك رفع طموح التنظيم للعودة كفاحاً وظن أن ديسمبر قد غبرت أو قادر على مسحها تماماً.

 

لم تكن حرب التوالي أبريل 2023، ظرفية مرتبطة بالتفاعلات التي قادت لإنقلاب أكتوبر 2021، كما يحاول البعض الترويج لها بسذاجة، كما روج من قبل للتسوية المعيبة (النموذج السوداني 2019-2021)، تحت إفتراض إرتباط مصالح القوى المدنية بأحد أطراف الحرب وتقاربه التاريخي أو خضوعه المطلق للطرف الآخر ، وهذه مقاربة هشة فالحرب لا تعني السودانيين ومجتمعهم المدني في شئ بل هم ضحيتها، ولن يتحملون تكلفتها وسوف يحاسب أخوان مسيلمة وتواليهم عليها.

 

كثير من المراقبين للمشهد السياسي يعتقدون بأن أحزاب التوالى قادرة على خلق تسوية جديدة تنهي حرب التوالي ، من خلال التوسط بين ما تبقى من أركان نظام الـ30 يوينو 1989، وهذا التحيز منبعه التضليل الكبير للرأي العام بأن (Civil society groups)، قد باركت هذا المسعى، لكن بعد قليل من التدقيق في خارطة التأثير السياسي، نجد بأن ذلك لم يحدث مطلقاً، وأن الذين قاموا بهذا الدور عبارة عن واجهات تنتمي لمجموعات التوالي (حفلة تنكرية).

 

مما يفتح أسئلة جوهرية:

– هل أحزاب التوالي قادرة من الإنعتاق من بيعة أخوان مسيلمة بالعام 1999؟.

– هل إعادة تدوير جزء من نظام الـ 30 يوينو 1989 يضمن الإستقرار للسودان على المدى المتوسط والبعيد ؟

– هل سوف تقبل (Civil society groups) بالتسوية المعيبة مرة أخرى؟

– هل يستطيع أخوان مسيلمة تضليل الرأي العام لوقت أبعد من الآن؟

– هل سوف تنتهي حرب التوالي باعادة تدوير نظام الـ 30 يوينو 1989؟.

– هل تستطيع أحزاب التوالي إتخاذ موقف غير الحالي من حرب 2023؟.

– هل هناك فرصة لتأسيس نظام ديمقراطي جديد بالسودان؟

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.