خطاب الحلو .. فرصة أخيرة للمحافظة على ما تبقى من سودان!!

أنس آدم

 

تأتي أهمية خطاب الحلو – 16 مايو 2024 في هذه المرحلة المعقدة والمفصلية من تاريخ ما تبقى من سودان كونه تلَّمس بشجاعة وجرأة القضايا المصيرية كـ[علاقة الدين بالدولة، أزمة الهوية، نظام الحكم، الوحدة الطوعية..الخ]. قضايا ملحة ظلت وما تزال حبيسة أدراج دولة الجلابة وتجنبتها قوى السودان القديم – بل وتهربت منها حفاظاً على إمتيازاتها التاريخية وتكريساً للهيمنة وإحتكاراً للسلطة Monopolization of power – الحركة الشعبية هي القوة الوحيدة التي تجرأت لمواجهة التابوهات السياسية في السودان ووضعت ما عرف في السياسة السودانية بـ”المسكوت عنه” في مختبر التفكيك والتحليل الدقيق وهذا ما جسده خطاب الحلو.

إن الحركة الشعبية وبخطاب رئيسها القائد عبد العزيز آدم الحلو تكون قد ألقت صخرة في بركة أزمات البلاد المتفاقمة، لتضع بذلك وعن دراية سياسية، دولة التفويض الإلهي بأطرافها المحتربة والمتصارعة حول كراسي السلطة من قوى عسكرية، سياسية ومدنية أمام إمتحان من الصعوبة أو الإستحالة بمكان تجاوزه، إما سودان جديد يسع الجميع أو سودانات جديدة مستقلة.

ولكن بات مؤكداً أنه من رابع المستحيلات تجاوز الإمتحان في ظل مترسة جمهورية بورتسودان المترنحة وخندقة نخبها المركزية الإنتهازية The Opportunism Centricity Elites خلف ما يُسمى بالثوابت الوطنية (العروبة والإسلام بإعتبارها هوية رسمية للدولة) في بلاد تتسم بالتعدد والتنوع. وبالإضافة إلى الهوية الآحادية المفروضة قسرياً وبعنف وآلة الدولة الإعلامية فإن النخب الإنتهازية والقوى السياسية التقليدية ليست لديها الرغبة الحقيقية كما انها لا تمتلك الإرادة السياسية The Political will للتصدي للجذور التاريخية للمشكلة السودانية The roots causes of the problem.

فهذا ليس ببعيد فقد رأينا كيف سارع حزب الأمة القومي لإصدار تصريح صحفي بتاريخ 18 مايو 2024 مهاجماً إعلان نيروبي الموقع بين “الحركة الشعبية من جهة وتقدم وحركة تحرير السودان من جهة أخرى” قبل أن يجف الحبر الذي كتب به. فقد تعلل حزب الأمة في تصريحه الصحفي بأن قضايا كـ”علاقة الدين بالدولة” ونظام الحكم وأزمة الهوية التي يعتبر أكبر وأعمق أسباب الصراع في السودان لا يمكن البت فيها أو معالجتها إلا في المؤتمر الدستوري المزعوم.

بالتأكيد تغاضى حزب الأمة عن قصد وسوء نية مبيته في تصريحه الصحفي المرتجل، حقيقة أن الحقوق الأساسية لا تخضع لمعايير الأغلبية والأقلية – على سبيل المثال وليس الحصر (الدين والهويات) فحق الإنسان في الحياة أو حقه في أن يعتنق الدين الذي يريد لا يجب أن يخضع لمعايير الأغلبية والأقلية – آلية التصويت). فهذا ما يدعنا لقراءة وفهم تصريح حزب الأمة ومبرراته الواهنة في سياق إستمرار القوى الرجعية، المتدثرة بثوب العروبة والإسلام وفي مقدمتها حزب الأمة – مهندس أزمات البلاد في تكتيكات الأونطة وسياسة السواقة بالخلا، لتثبت تلك القوى مرة أخرى أنها غير مؤهلة أخلاقياً وسياسياً للحديث حتى عن الأزمة السودانية دعك عن مخاطبتها ومعالجتها.

زُبدة القول والرأي، إن غطرسة وإصرار النخب المستعربة على فرض ثوابت العروبة والإسلام بالقوة بالتأكيد ستدفع الشعوب السودانية المهمشة والمطضهدة سيما جبال النوبة والفونج الجديدة في إتجاة تقرير مصيرها السياسي والإداري وإعلان الإستقلال الكامل عن دولة الطيب مصطفى العنصرية والمتشظية طال الزمن أم قصر.

يابوس – الأراضي المحررة

25 مايو 2024

تعليق 1
  1. محمد حسن شرف يقول

    مقال رائع جدا ورد في الصميم على كل من يريد تقديم مشروع السودان القديم مرة أخرى إلى الشعب السوداني في ظل المعترك السياسي الحالي ومطلب لمشروع السودان الجديد، وهنا أجد أن المقارعة السياسية والحجة بالحجة من جانبنا كحركة شعبية وسياسية متبنين مشروع سودان الجديد الرد في مثل هذا الظروف على كل من يحاول أن يطرح على الشعب السوداني مشروع السودان القديم المرفوض أصلا من قبل الشعب السوداني الذي خرجوا في ثورة ديسمبر 2019 م الماضية وذلك تعبيراً عن مدى رفضهم لمشروع السودان القديم ، وهنا ارى انه أمر طبيعي وواجب تنظيمي لرد على هؤلاء المدافعين عن مشروع السودان القديم ، ولا أدري كيف يقترح حزب الأمة القومية موضوع المؤتمر الدستوري الذي يعتقدون بأنه سيبدأ فيه حل القضايا المصيرية في السودان وفي نفس الوقت الذي اختار الشعب السوداني طريقه لعملية التغيير السياسي الجذري في ثورة ديسمبر المجيدة الرافضة لمشروع السودان القديم؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.