(بكري المدني) مرة أخرى.. مشكلة السودان أعمق من مُجرَّد (سلطة وثروة). والنظام العلماني الديمقراطي هو الحل.
عادل شالوكا
كتب (بكري المدني) منشوراً إطلعنا عليه في مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان: (تقرير مصير الشعوب السودانية – إتفاق نيروبي) وقد جاء في منشوره الذي لخَّصه في خمسة نقاط ما يلي:
(الورقة التي وقع عليها “الحلو ، عبدالواحد، حمدوك” في العاصمة الكينية نيروبي جعلت من العلمانية نقطة جوهرية وأسست لبند مزلزل حول حق تقرير مصير الشعوب السودانية حال عدم الإتفاق عليها – اي العلمانية)؛
(نقطة العلمانية في الإتفاق المذكور توحي وكأن هناك من يحارب اليوم في السودان لفرض الإسلام على الجميع أو حتى على البعض)؛
(الصحيح أن كل الحروب التى دارت وتدور في البلاد بسبب الخلاف على الثروة والسلطة والسلطة بمعنى من يحكم السودان وليس كيف يحكم ؟)؛
(أن قضية حسم صراع السلطة والثروة في السودان تستحق الحوار في نيروبي أو جدة أو حتى هنا في اركويت وهي حقيقة قضية جوهرية إن لم يتفق الناس حولها يكون من حق الشعوب السودانية أن تقرر مصيرها مثلما خرج الجنوب من بوابة كينيا ولم يعود)
(ضمنت كلمة “الفدرالية” بشكل خجول وعابر في إتفاق الحلو وعبد الواحد وحمدوك وكان من المفترض أن تأت بصوت جهور والكل يعلم -بمن فيهم -من وقفوا خلف إتفاق نيروبي يعلمون أن الفدرالية -حكم الأقاليم لنفسها داخل إطار الوحدة-هو الحل والذي دونه الحرب أو أن تقرر الشعوب السودانية مصيرها ) – إنتهى الإقتباس.
ونحن من جانبنا نرد عليه على النحو التالي:
أولاً: يستنكر (بكري المدني) ورود (العلمانية) كنقطة جوهرية في (إعلان نيروبي). وفي سياق ما كتب يرفض أن يكون حق تقرير المصير هو (الخيار) في حال عدم تطبيق (العلمانية) ولا أدري لماذا يعتبر (المدني) إن حق تقرير المصير هو بند (مُزلزِل)!! وهو حق إنساني ديمقراطي نصَّت عليه المواثيق الدولية ونصَّت عليه كذلك بعض دساتير البلدان الديمقراطية، فهذه العبارة قُصِد بها (التخويف). وينفي المدني (إن هنالك حرب في السودان بهدف فرض الإسلام على الجميع أو البعض).
بكري المدني كأنَّه يعيش في كوكب آخر وينتمي إلى دولة أخرى غير السودان. وكأنَّه لا يعرف جذور المشكلة في البلاد منذ خروج المستعمر. وكأنَّه لم يشهد محاولات نُخب المركز (الإسلاموعربية) في السُّودان فرض (دستور إسلامي) منذ الستينيات من القرن الماضي. وكأنه لا يعرف إن كل ذلك أدَّى إلى إنقسام البلاد في العام 2011. وإن حروب الهامش ضد المركز من العام 1955 – المفروضة عليهم – حتى الآن تتمحور حول (المواطنة المتساوية) التي لن تتحقَّق إلَّا بإقرار دستور علماني ديمقراطي. فهو الذي تحدَّث عن ذلك بشكل خجول وليس (إعلان نيروبي) عن (الفيدرالية) كما ذكر، وهذا إعلان للمبادئ، وبالطبع سيتم تفصيله لاحقاً.
الصراع حول فرض النظام الإسلامي لا زال قائماً، وليس غائب عن السودانيين أشواق الإسلاميين للعودة إلى الحكم مرة أخرى عبر بوابة حرب 15 أبريل 2023. ولكن بكري يتجاهل مشاركة ودور كتائب الإسلاميين في هذه الحرب سواء كانت (البرَّاء) أو غيرهم من (الفلول)، وهناك العديد من القوى السياسية والنُخب تُشاركهم هذه الأحلام (في الخفاء).
يقول المدني: (إن كل الحروب التي دارت وتدور في البلاد سببها الخلاف حول السلطة والثروة).. وهذه محاولة منه لتخفيف جذور المشكلة السودانية والتَّقليل من شأنها وهي أزمة العقلية المركزية وطرائق تفكير النُخب السودانية التي تعتقد إنها تستطيع حل المشكلة السودانية بـ(شوية قروش) ومناصب دستورية يتم بها شراء نخب الهامش. فمشكلة السودان أعمق من هذا بكتير لكونها ترتبط بالتركيبة الاجتماعية (المُشوَّهة) الموروثة منذ أزمان غابرة وتأثُّرها بعهد العبودية الذي أفرز علاقات سلطة وثروة غير متكافئة، فقام تقسيم العمل على هذه العلاقات وتم إبعاد بعض المكوِّنات الاجتماعية وإقصائها ثقافياً ودينياً وسياسياً واقتصادياً. فالتهميش الاقتصادي والسياسي هو نتيجة للإستعلاء العرقي المُستبطَن وليس سبباً للحروب في السودان. فهذه مجرَّد تجلِّيات للأزمة الحقيقية العميقة. وعليك أن تجد الإجابة لسؤال: (لماذا إمتلك البعض السلطة والثروة بينما حُرم منها الآخرون)؟
وإذا كانت الإجابة هي (الإستعمار) فالسؤال التالي: (على أي أسس قام هذا التصنيف الذي قسَّم الناس إلى من يملكون – ولا يملكون)؟. وحالياً أليس تركيز السلطة والثروة في أيدي المنتمين للمركز (الإسلاموعروبي) سببه التشريعات والقوانين العنصرية القائمة على أساس الدين؟ فكيف يمكن للسودانيين تحقيق الحرية والعدالة والمساواة في ظل التشريعات والقوانين الدينية والعنصرية؟
لقد نص (إعلان نيروبي) على العمل من أجل المعالجة الشاملة للأزمات التراكمية عبر عملية تأسيسية ترتكز على المبادئ التي وردت في الإعلان. وهذا ما يحتاج (تشجيع) السودانيين عليه، وليس (تخويفهم) منه.