16 مايو… خطاب السودان الجديد وقضايا التغير الجذري في السودان
كتب✍️: على كمنجة
احتفل العديد من السودانيين حول العالم، يوم الخميس الماضي، بذكرى تأسيس الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان، وربما كان الاحتفال هذا العام مختلفا عما سبق، لكونه يأتي بعد مرور عام ونيف وبلادنا تعيش أسوأ المراحل في تاريخها بسبب الحرب التي اندلعت في ١٥ أبريل العام الماضي، ولا تزال مستمرة بين الجيش السوداني التقليدي وحلفائه، ومجموعة المليشيات التي تحارب باسم قوات الدعم السريع.
ما يميز الاحتفالات بذكرى تأسيس الحركة الشعبية هذا العام، أنها كانت بمثابة تعبير عفوي من قبل الملايين االذين قصدوا توصيل صوتهم في هذه اللحظة التاريخية الحرجة، بأن ( السودان لم يحتاج من قبل الى خطاب السودان الجديد مثلما هو يحتاج إليه اليوم ) ، بعد ما أحدثته المعالجات المؤقتة لأزمة السودان من إضرار بالغة على بلادنا، وقطعا لن يخرج السودان من ورطته الوجودية التي دخل فيها بعد هذه السنوات الطويلة من الحروب وحكم الشموليات، إلا عبر تطبيق فكرة السودان الجديد التي طرحتها الحركة الشعبية لتحرير السودان ، لإنهاء وضعية السودان القديم، والتأسيس للسودان الجديد.
إن أزمة السودان كانت ولا تزال تتمثل في مشكلة الحكم (مشكلة الدولة)، بأبعادها المركبة، ( السياسية والاقتصادية والاجتماعية والهوياتية )، وربما لا تكون القضية الأساسية هي ان يتخذ الصراع (المرتبط بأزمة الدولة) منحا عنيفا (الحرب)، فأغلب شعوب العالم شهدت حروبا سياسية في مرحلة من مراحلها، لكن الأمر الأهم هو أن يدرك السودانيون مدى فظاعة الحرب، ووفقا لذلك، يتخذوا موقفاً حازماً يضع حداً نهائياً للحرب في السودان ، ويضمن عدم تجددها مرة أخرى في المستقبل، وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا عبر معالجة أسباب الحرب الجذرية ، وهذا ما يلخصه خطاب الحركة الشعبية عبر مفهوم ، ( إنهاء وضعية السودان القديم والتأسيس للسودان الجديد) .
الحقيقة الأكثر وضوحا ، والتي يكاد أن يكون متفق حولها من قبل الجميع ، هي أن الحرب الحالية اندلعت نتيجة للاستقطاب الحاد الذي حدث بين (النخبة العسكرية / المدنية ) التي استلمت السلطة بعد إزاحة الرئيس المخلوع البشير ، هذه النخبة تتكون من القيادة العليا للجيش والقيادة العليا لقوات الدعم السريع ، ومجموعة أحزاب قوى الحرية والتغير ، وبعض منسوبي نظام الاسلاميين الذين ساعدو في إزاحة البشير .
الاستقطاب الحاد الذي حدث وسط هذه النخبة المشار إليها ، هو الذي انتج قطبي الحرب المندلعة في السودان حاليا ، وهنا من المهم ان نذكر ثلاثه محطات رئيسية شكلت المسار الذي اتخذته عملية الاستقطاب ، اولا الخلاف الذي نشب داخل أحزاب قوى الحرية والتغير حول هيكلة التحالف وكيفية اتخاذ القرار ، والذي قاد إلى خروج الحزب الشيوعي ، وخروج قوى الكفاح المسلح ، وانقسام تجمع المهنيين ، الخ ..
ثانيا : الخلاف الذي حدث حول طريقة عمل لجنة ازالة التمكين ، بين رئيس لجنة ازالة التمكين بالانابة ، محمد الفكي سليمان ، و قائد الجيش عبد الفتاح البرهان ، ثم التداعيات التي ترتبت على هذا الخلاف ، والتي كان اهمها اعتصام القصر الذي نظمته احزاب الكتلة الديمقراطية .
ثالثا : انقلاب ٢٥ اكتوبر ، الذي مهد الطريق للحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع .
بالطبع ان هذه الخلافات كانت تدور حول الأجندة المطروحه من كل طرف بشأن خارطة الطريق التي يجب ان تسير عليها الفترة الانتقالية ، وهنا يأتي السؤال : هل كان من ضمن هذه الأجندة قضية هدم مؤسسات وافكار وسياسات وقوانين النظام البائد ؟ !
لم يكن للحرية والتغير وقتها ، وهو التحالف الحاكم ، خطاب فكري / سياسي متجاوز لخطاب نظام الإنقاذ ، اي بمعنى افضل من خطاب الإنقاذ ، فيما يتعلق بـ ( المشروع السياسي ) الذي سيتم على اساسه وضع اسس النظام الجديد ؟ كما لم نشهد نشاطاً واسعاً لتحالف الحرية والتغير وسط الجماهير ، فقد انشغلت بالسلطة اكثر من انشغالها بنشر خطاب التغير وسط فئات المجتمع .
الشئ الاخر والاهم تغاضت الحرية والتغير عن اهم معاول التغير ، وتركتها كما هي في قبضة منسوبي الانقاذ ، ابتداءا من الدستور الحاكم للفترة الانتقالية ، كان هو نفسه دستور ( الكيزان ) ، ايضا المؤسسات والقوانين والتشريعات والسياسات ظلت كما هي ، ولم يطالها اي تغير .
الشي الاخير تغاضت الحرية والتغير عن تشكيل المجلس الوطني ، والذي ورد ضمن بنود الوثيقة الدستورية نفسها ، وكان من المفترض ان يمثل فيه الشباب الذين صنعوا الثورة .
خلاصة الحديث ، ان الاستقطاب الذي حدث بين النخبة العسكرية والمدنية التي جاءت الى السلطة على اكتاف ثورة ديسمبر ، لم يكن نتيجة لخلاف حول قضايا التغير الحقيقية ، وانما كان صراع حول ( من يرث نظام البشير ؟! ) ، بدليل انهم لم يجتهدوا في تغير اي شئ في نظام المخلوع البشير عندما كانوا في السلطة لفترة عامين كما اشرنا ، وعليه يمكننا القول ، ان جميع الاطراف التي تشارك حاليا في الحرب هدفها هو ( ورثة نظام البشير كما هو) ، بجميع امتيازاته التي يمنحها لقلة من السودانين على اساس الانتماء والولاء ( التمكين ) ، وبكل سوآته التي تتمثل في غياب العدالة ، والظلم ، والفساد المقنن ، وطحن الشعب في مطحنة الحرب اللعينة ، وهذا هو نفسه ( السودان القديم ) ، لأنه ليس هناك طرف من أقطاب الحرب الحالية يسعى الى تغير السودان القديم ، وبالتالي ستظل اسباب الحرب موجودة وقائمة بغض النظر عن من سينتصر في الحرب الحالية ، والطريق الوحيد لأخراج السودان من هذه الازمة هو العمل من اجل ان ينتصر خطاب السودان الجديد ، الذي يدعو الى تغير المنظومة القديمة بكاملها ، بما في ذلك إنهاء اسباب الحرب بصورة جذرية ومستدامة .
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.