السُوْدَان الجَديد خُلاصَة التضّحِيات (2)

نضال عبدالوهاب

 

في الجزء السابق تحدثنا عن أن هذا السُودان ظلّ ومنذ سنوات طويلة ومابعد إستقلاله أسير لعقليات وأنظمة لم تُحسن إدارة التعدد والتنوع فيه ، و حاولت إختطافه بإتجاهات عمّقت الفوارق بين بنات وأبناء الوطن الواحد ، وأدي هذا لإشتعال الحرب فيه بحثاً عن الحقوق الغائبة ، والتي بدلاً من الإعتراف بها والعمل علي حلها والوصول لها و منذ زمان بعيد وبكل يُسر ، إلا أن ذات العقليات التي ذكرتها أبت إلا تسير في ذات المسار ، والذي كانت إحدي اسوأ نتائجه هي في إنفصال الجنوب ، ثم في الحرب الطويلة في دارفور والصراع في غالبية أقاليم البلاد في الشرق والنيل الأزرق وجبال النوبة وجنوب كردفان ، حتي وصلت أخيراً إلي الخرطوم مابعد ١٥ أبريل ٢٠٢٣ ، وختمنا بأنه وبرغم محولات الإختطاف هذه للدولة وإتجاهاتها ، إلا أنه وبالمقابل كانت هنالك تضحيات عظيمة لأجل التغيير والعدالة والمساواة والحرية ، مهرتها أجيال عظيمة من خلال ثورات مُسلحة وأخري سِلمية لأجل أن ينعتق الوطن من المُختطفين ، ضحي العديدون وماتوا وأستشهدوا من أجل رفع الظُلم والمظالِم ، من أجل المساواة في الوطن الواحد ، لا دين يُفرق ولا إثنية ولا قبلية ولا مناطق ولا لغات ولا ثقافات ، ولا ثروات تتكدس في أيدي حفنة ولا ثروات أيضاً لإقليم محدد داخل السُودان لاتذهب أولاً لتنمية هذا الإقليم ولتعليم بناته وأبنائه وعلاجهم ومن ثم تكون هنالك نسب مركزية تتوزع لبقية البلد وخزانته بعدالة ، ضحي الكثيرون ولسنوات طويلة من أجل أن تتساوي الحقوق داخل الدولة السُودانية ، وكذلك من أجل نعيش فيها أحراراً غير مُسترقين ولا مُستعبدين ولا أذلاء ولا مقهورين ومبطوش بنا ، ضحي الكثيرون لأجل أن لا يتسلط العسكر ويتغولوا علي السُلطة ، و ضحوا من أجل إستدامة الحُكم العادل المدني الديمُقراطي والتداول السِلمي للسُلطة ، وضحوا من أجل عدم إستغلال الدين والتفرقة به ، وضحوا من أجل عدم فرض هوية علي أخري كما ظل يحدث طوال تاريخ دولتنا الحديثة بفرض الهوية العربية الإسلامية وتناسِي أن غالبية السُكان والكثيرين داخله ذوي هويات مُختلفة أفريقية وغير عربية ، وبعد كُل هذه التضّحِيات من أجل سُودان جديد آن ميقات جنّي ثمارها ، بعد أن أوصلتنا الصراعات و بفعل العقليات المُختطِفة إلي حافة تلاشئ السُودان كدولة مدعومة بمطامع الآخرين والأجانب والمُستعمرين الجُدد…
حان موعد حدوث قطيعة تامة مع كُل هذا التاريخ الغاتم للسُودان المُختل في كُل شئ…
الذين يقاومون ويحاولون رفض التخلي عن السُودان القديم من أجل إستمرار ذات المنظومة الفاشلة المُقسّمة للوطن والوجدان والإنتماء ، والباطشة والمُهيمنة علي السُلطة والثروة لايُمكن أن يتم السماح لهم بالمواصلة في السير في ذات هذا الطريق المعوج…
القطيعة مع هذا التاريخ المُظلم تبدأ بالإعتراف به ، وبالأخطاء التاريخية التي شوهت دولتنا وجعلت شعوب أصّيلة فيه غريبة داخل وطنها وبعيدة عن نيّل حقوقها فيه والتساوي داخله مع الآخرين أصحاب الحظوة والتمييز ، سواء كان ذلك بسبب الإثنية أو الديانة أو اللغة أو المنطقة الجغرافية فيه…
حسم القضايا التي مزقت الوطن كثيراً وعمّقت فيه الصّراعات وأنتجت الحروب هي التي يجب أن يتم تقديمها والإصرار علي هذا والتوصل لدستور ومبادئ تعلو عليه ترفض الإخلال بحقوق المُواطنة المتساوية فيه كاملة دون نقصان…..
لن تكون كُل هذه التضحيات هباءً منثورا لصالح مشاريع السُودان القديم ذاته التقسيمية والإقصائية والمُستبدّة والظالمة ، بل ستكون فاصلاً مابين العهود المُظلمة فيه إلي عهد جديد لسُودان جديد تكون فيه الحرب الحالية هي آخر الحروب بحق وحقيقة ، سُودان ليس للعسكر فيه ولا للملشيات وجود في السُلطة ، ولا يُحكم بنظام مركزي ، ولا بدستور ديني ، يعطي التمييز لفئات ظالمة وسارقة للثروات ومُحتكرة لها وللسُلطة ، ولا يوجه التنمية فيه لمناطق محددة مع تهميش الأقاليم الأخري ، ولا يستعلِي ويُمّكن لهوية وثقافة علي البقية وإنما يعترف بتعدد الهويات والثقافات ويساوي بينها في حقوق جميع السُودانين مع إختلافاتهم لصالح الهوية السُودانية الجامعة لكل شعوبه ، مع إعطاء كُل الثقافات حقها في مُمارسة تقاليدها الخاصة بها والتي لاتتعارض مع حقوق المُواطنة المُتساوية وفق الدستور ومبادئه العامة والعُليا…
هذا هو السُودان الجديد خُلاصة التضّحِيات…..
نستعرض في الجزء القادم و الأخير أهميّة التمسُك بمشروع السُودان الجديد ومُحاربة ورفض كُل المشاريع التي يُمكن أن تعيد الصراعات وتسجن وطننا وشعوبنا فيها ولا تنتج غير السُودان القديم بكل فشله وضعفه وإنقساماته وفشل منظومته التي جربها السُودانيون لسنوات طويلة تُقارب الثماني وستون عاما…
23 نوفمبر 2023

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.