سودان المستقبل .. وتهالك الحاضنات الحزبية.
الفاتح إسماعيل, كاودا
[email protected]
إن القيادات التي تسير دفة الحكم اليوم، والتي تعارض، وتلك التي تقود المطالب بالحقوق في أقاليم السودان المختلفة، تحمل كل هذه القيادات تلك العلل الموروثة، مضافاً إليها ضعف حاضناتهم الحزبية، وثارات صراعاتهم السياسية، هذا إلى جانب إنخفاض سقوفهم المعرفية، التي تجلت بوضوح في كيفية تعاطيهم مع مشاكل السودان، ومدى إستجابتهم لمتطلبات الواقع.
لهذا لا يتوقع من هؤلاء جميعياً أن يخرجوا بالسودان إلي سودان المستقبل المستقر الموحد المتعايش.
أن سودان المستقبل في ظل إرث الصراعات، وأزمة القيادات، وتهالك الحاضنات الحزبية، في ظل تجدد مصالح القوى الدولية وتوسعها، ودخول حقبة ما بعد الحداثة بما لها من آثار، ولا سيما سؤال الأخلاق الذي أوجدته حقبه الحداثة، ويعيد طرح نفسه الآن في مستوى جديد، فأن سودان المستقبل يتطلب قيادات ذات قيادات جديدة. أن أهم سمات هذه القيادات إمتلاك الرؤية والقدرة على التحدي والتفاعل مع العصر والمعرفة بتاريخ السودان، وإدارك أبعاد أركيولوجيته الثقافية والوعي بإرثه الحضاري، والعمل إنطلاقاً من الواقع لا من فوقه، والدقة القوية في البناء الجماعي، والزهد الحقيقي في الثارات السياسية، والإدراك الذكي لمطامع القوى الدولية.
إن القوى الدولية تحرص على تبني القضايا الداخلية كضامن لمصالحها وشرط أساس لإستمرار هيمنتها.
لابد لهذه القيادات من أن يكون تكوينها الفكري والمعرفي عابر للمدارس الحزبية ونظريات عصر الحداثة، لتسطيع تحقيق الإنجازات الإستراتيجية والإنتصارات للشعب، لا إنجازات ترقيعية آنية، وإنتصارات جهوية أو حزبية ضيقة. مثل هذه القيادات لا تتوفر إلا في الأجيال الشبابية القادمة، فهي تمتلك المستقبل. وبحكم العصر، وتجارب الشعوب المبذولة في الفضاء المعرفي الكوكبي، تمتلك القدرة على التفاعل مع الواقع ومعطياته. وبحكم الفطرة وفرص التعلم الذاتي، تمتلك الشجاعة العقلية وقوة الحاسة النقدية، وستكون هي الأقدر على القيام بالمراجعة الشاملة، ومن ثم تصحيح مسار السودان.
تبشرنا حالة الإنقلاب الفكري الذي تشهده المنطقة العربية، وشمال أفريقيا، وقد تجلت في الثورات الشبابية في تونس ومصر، وما فتئت أن توسعت أفقياً لتشمل دولاً أخرى، تبشرنا تلك الحالة بقدوم مثل هذه القيادات. لقد حدثت الثورة الشعبية من أجل تغيير الأنظمة الشمولية في السودان على ثلاثة مرحل : المرحلة الأولى مثلتها ثورة أكتوبر 1964م، وبعدها أبريل 1985م، ثم ثورة ديسمبر 2019م، وكانت هذه الثورات كلها سلمية أسقطت أنظمة عسكرية.
أما المرحلة الثانية، التي تزامنت مع ما جرى بداية من الأطراف، كما في مصر وتونس، قد حدثت في السودان بالفعل، لكن قبل أكثر من عقدين، ولا تزال. بيد أن ثورات المرحلة الثانية إستخدمت لغة الكفاح المسلح في الأطراف، بدلاً من الحراك الجماهيري السلمي، كما جرى في جنوب السودان، وجنوب النيل الأزرق، وجبال النوبة، وشرق السودان، ودارفور. وعلى الرغم من أن الكفاح المسلح بسمته الجهوية الإثنية التي فرضته تراكمات المظالم والغبن الثقافي، يعد خصماً لغرض الثورة الشبابية من أجل التغيير على النحو الذي جرى في تونس ومصر، إلا أن التغيير والتحول إلى سودان المستقبل قادم بقيادة العقول الشبابية الجديدة، ونوعدكم بأن العقول الشبابية آتية لا محالة . فمتى ما تم ذلك، الآن أو مستقبلاً، فإن إدارة السودان على أساس التنوع الثقافي، وإقامة الدولة المدنية على أساس المواطنة، ستكون من أبجديات الحراك السياسي، وعندها ستتم الوحدة بين أقاليم السودان المختلفة، بما في ذلك جنوبه الذي تم فصله تعسفاً والذي إختار إسم “السودان الجنوبي” لدولته، وفي هذا نبوءة مستقبلية لوحدة مقبلة.