السلطة لا تغير طباع الأشخاص فقط ولكن …!!
باب الله كجور.
فلنتعلم الكلام بالإهانات ولنبذل الجهد كي يحترم أحدنا الآخر لأننا سنفتقر في النهاية.
غبريال غارسيا ماركيز.
سكان جغرافية الأرض التي تعرف في أدبيات الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال ب(المناطق المحررة) والموزعين بين إقليمي جبال النوبة والفونج الجديدة مجتمعات مناضلة تبحث عن الحرية. وفي سبيل تحقيق ذلك الهدف إختارت الكفاح المسلح كوسيلة لمواجهة الأنظمة التي حكمت البلاد وإمتلكت الثروة وإحتكرت السلطة ومارست الإستعلاء العرقي والديني والثقافي والاجتماعي.
هذه الشعوب تعلمت من أخطائها التي حدثت خلال مسيرة نضالها الطويل وإستفادت من تجارب غيرها من حركات التحرر على مستوى العالم.
والشعوب التي عاشت أوضاعا مماثلة لها أن تضع إعتبار لظرفي الزمان والمكان وتعترف بذلك وتضمنها في نظامها الأساسي (الدستور) وتقر فيها بالتغيير والتجديد والإحلال والإبدال في تقلد المناصب التنفيذية وتولي المواقع السياسية فهذه ليست نقطة خلاف جوهري لأنها مسألة تكليف وليس تشريف. ولكن ما يقلق المضاجع ويسبب الأرق والسهر الدائم والصداع المزمن هو إستخدام السلطة من قبل البعض وتوظيفها كأداة للأغتيال المعنوي والقهر المتعمد وتحقيق مكاسب شخصية.
فالذي دافع عن حياض هذه الأرض التي إرتوت ظاهرها بدماء الجرحى وتحمل في باطنها رفات الشهداء الذين إنتقلت أرواحهم في ساحات القتال والمعارك إلى الرفيق الأعلى والأمجاد السماوية سيظل ما دام على قيد الحياة وفي بالعهد وعلى أهبة الإستعداد لتقديم المزيد من التضحيات من أجل حياة كريمة للنساء الأرامل والأمهات الثكلى والأطفال الأيتام – كثائر متجرد ناكر للذات ولن يتوانى أو يتقاعس في القيام بواجبه وإن يقدم النقد البناء المفيد – لا الهدام. وإن يكون شديد الحرص على أن يسدي النصح ويقول الكلام الذى يجب أن يقال بلا تصفية حسابات مع خصومه أو تجريح أو تشفي، حتى يروعي كل مكابر لا يستمع لرأي رفيق صابر إحترف الصمت ولا يتحدث إلا عند الضرورة و آخر متعند لا يحمل ما يخرج من نصح على لسان عضو ملتزم يتحلى بالإنضباط التنظيمي ويحترم المؤسسية حين يتعلق الأمر بالشان العام والمصلحة العليا بإعتباره طوق النجاة والترياق ضد أي تصرف غير مقبول أو فعل غير لائق يمكن أن يعيق مشروع السودان الجديد.
ويبدد الجهود أو يلغي المساعي المبذولة للوصول إلى غايته التي تجعل الأجيال الناشئة التي تمثل نصف الحاضر وكل المستقبل تعيش في وضع إنساني أفضل تغيب فيه الإستغلال وينتفي فيه الإضطهاد.
فالسلطة في مخيلة كاتب هذه السطور أشبه بالرقص على إيقاع الكرنق الرقصة الشعبية الأوسع إنتشارا والأكثر ممارسة في جبال النوبة. فيستحيل على الراقص والراقصة أن يصفق بكلتا يديه ويرقص بقدم واحدة لأنه ببساطة سيفقد التوازن وسيسقط لا محالة على الأرض وسيكون مصدر للسخرية والضحك. فسكان المناطق المحررة على بساطتهم لهم وعي كامل وإدراك تام بأن السلطة لا تغير طباع الأشخاص فقط ولكن تكشف كذلك حقيقة معادنهم، وإنها لا تدوم لأحد وعلى كل قادم جديد أو وافد حديث إلى سدتها أن لا يطعن في قدرات من سبقه في تولي منصب أو موقع، وأن لا يستهين بإمكانيات رفيق آخر جالس على رصيف الإنتظار – فالأيام دول.
لمريك
25 سبتمبر 2023