مشاهدات من الإنتهاكات والجرائم بجبال النوبة في الحرب الأولى:(1984-2005).

بقلم: النور كوة مكي

 

 splmn.net

(الحلقة الثامنة)

(كيلك – الدية)

يبدو إن قرار ترحيلنا إلى سجن (الأبيض) أتخذ بعلم الدوائر الإستخباراتية، حيث بدت تزداد وتيرة العنف.

كان العنف في الماضي يرتبط بإلقاء القبض على أحد الرفاق من داخل المدينة أو من الأرياف البعيدة أتوا به من الشمالية أو القضارف بعد أن تم ضمه إلى قائمة (نحن كادقلي) – يتجدد العنف اللفظي معنا والضرب مع القادمين الجدد وفي كل مرة تتوتر الأجواء شفقة على هؤلاء ونخرج من كل دوائر الأمل إلى الوجوم والغيظ والتشظي الفكري، نحتاج بعد ذلك لأيام حتى نعود إلى الطبيعة البشرية.

علي مدى ثلاثة أيام حرمنا من التذود بالأطعمة التي يحضرها أهلنا من المدينة، كانوا (يترصون) بالخارج إنتظاراً للفرج – ولا فرج.

في صبيحة 23 فبراير 1989، كالعادة أتى القائد – العقيد/ حامد إبراهيم إلى تحية كركون الشرف. وبعد التحية دخل علينا يتفقد الجميع داخل السجن. رفعت يدي طالبا الإذن، أومأ برأسه وغادر إلى مكتبه. بعد برهة أرسل إلي أحد العساكر في طلبي. ذهبت إلى مكتبه وجلست وكان في حضرته بالمكتب عميد يضع كابه (الطاقية العسكرية) على المنضدة ويبدو إن العرف العسكري يحتم عليه عدم إرتداء الكاب في حضرة العقيد قائد الحامية.

قدمت شكواي للسيد العقيد/ حامد إبراهيم عن المعاملة السيئة لأفراد الإستخبارات تجاه أسرتي وبقية الأسر وحرماننا من الطعام، بالإضافة إلى الإساءات اللفظية لهم.

إلتفت العقيد/ حامد تجاه العميد وعرفه بي بقوله: (هذا شقيق يوسف كوة).

قبل أربعة أيام أتى هذا العميد إلى الحامية – وهو قائد منطقة غرب النوير – قادما من (الربكونا – الميرم) في إجازة ورحلة مرضية تمويهية بسبب حادثة قتل فتاة في (كيلك) عندما كان يطلق النار من بندقيته الكلاشنكوف في إحتفالية في (كيلك). فلزم الحامية بينما إنشغلت كادقلي – وأقصد أعيان المدينة – بمناقشة الحادثة والدية التي يمكن أن تدفع. بالطبع ليس مبلغ (الدية) فقط ولكن منحت (كيلك) خصوصية إدارية وسياسية، وإن أمكن إنشاء إقليم جديد هكذا أوردت الإبل.

(كيلك) أقتطعت من إدارية (ميري) ومنحت للغير مقابل (الدية).

هل أدركتم آل (الميراوي) ما فعلتموه بالوطن وبالأرض وبالمواطن. وهل أدركتم مؤمراتكم مع الجلابة مقابل حفنة دولارات؟.

كيلك للعرب مع وقف التنفيذ – كيلك جعلتوها قيمة الدية لفتاة قتلها (عميد بالجيش السوداني).

كان ذلك العميد هو الرئيس القادم للسودان – إنبرى هذا العميد يحاضرني عن التمرد في غرب النوير ساعات وساعات.

قلت له إن القتال والتمرد في الجنوب بدأ قبل أن نولد. فماذا عن جنوب كردفان؟. الذين يقاتلون هنا أكثر إدراكاً بأسباب القتال.فلنتكلم عن ماذا يجري اليوم هنا داخل هذه الحامية. نحن نرى القتل والتقتيل دون سبب يذكر وخارج نطاق العدالة والقانون. والبوليس والقاضي شاويش (رقيب). ولماذا فرقة الموت جميعهم من (عرب الحمرة) هذا تأصيل للغبن. وغداً سوف يذهبوا جميعاً ويحملون السلاح كخيار للدفاع عن النفس.

كان العقيد/ حامد مستمعا فقط ولم يتدخل قط. إنتهت الزيارة وعدت أدراجي إلى بيت العنكبوت.

وعند عودتي علمت إن غداً سنرحل إلى سجن (الأبيض).

نواصل.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.