مشاهدات من الإنتهاكات والجرائم بجبال النوبة في الحرب الأولى:(1984-2005).

بقلم: النور كوة مكي

 

 splmn.net

(الحلقة السادسة).

(معتقل قوانتنامو)

يبدوا إن أيامنا شارفت على الإنتهاء في هذا المعسكر، حيث بدأت ترتفع سقوف الإساءة والبذاءة ليس لقاطني الزنزانة فحسب بل للزائرين والكبار والعجزة الذين حملوا عمدان الأطعمة ليطعموننا ويقتربوا إلى قلوبنا بإشباع بطوننا حين عجزوا أن يوصلونا عناقاً ومحبة.

 

يصطفون بالخارج يرفضون المغادرة وقوفاً لا شجرة ولا ظل، لا تقهرهم ولا تهزمهم إلا مغيب الشمس حينها يطأطؤون رؤوسهم ويجرجرون أرجلهم عودة لا خيبة، ثم يعاودون الكرة صبيحة اليوم التالي، هذه كانت معاركهم. أمهاتنا وعماتنا وخالاتنا وأخواتنا وبناتنا يعودون إلى ميدان المعركة وقد تسلحوا بعمدان الطعام وسراميس الشاي سلاحاً.

 

طلبت أن أزور أبي فقد بلغني إنه مريض، سمح لي بالذهاب تحت حراسة مشددة فذهبنا مترجلين على طول الشارع (أم بطاح – كليمو).

 

في الطريق تقابلت مع أحد زملاء الدراسة الجامعية أردت أن أحييه ولكنه أدار رأسه إلى الناحية الأخرى وبدا مشغولاً ينظر في الإتجاه الآخر، وعندما بلغت قبالة نادي الهلال رأيت إبن خال لي يقود سيارة. وعندما إلتفت ورفعت يدي بالتحية أسرع للنظر بالإتجاه الآخر كذلك، أدركت مقدار الرعب الذي تعيشه هذه المدينة يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه.

 

وصلت إلى منزلنا بقعر الحجر، دخلت إلى غرفة أبي فنظر إلي وأعاد الكرة مرتين،

حضنني يبكي بأعلى صوته وهو ذلك الكهل، أحد مقاتلي وجالبي إستقلال السودان، قاد كل معارك الجبهة الشرقية في كرن ومعركة العلمين في الصحراء الغربية ومعركة طرابلس والزاوية وبعدها فلسطين. لقد مر بكل المواقف المحزنة والمؤلمة وكان يزين صدره بنياشين (منتجمري) و(تشرشل) وغيرها، كان يرفع رأسه دائماً بما قدمه لهذا الوطن فخراً، سودان المواطنة .. سودان جديد. لكنه يبكي اليوم ويقهر ويستشعر الظلم وبالغد القريب نزعت منه طاحونته التي يتعيش بها في (منطقة أطورو) قرية (إيري). وقد فككت وحملت إلى حامية كادقلي ولا ندري إلى يومنا هذا إلى نصيب من من القادة آلت الطاحونة، لقد إعتادوا أن يقتسموا الغنائم كما يفعل (الجنجويد) اليوم، فالرحم واحد والمدرسة واحدة.

 

كان أبي يبدو مقهوراً لهذه الإهانات التي يوجهها الجيش السوداني لأمثاله من من أفنوا عمرهم في صناعة وتأسيس هذا البلد (السودان) عندما قدم روحه رخيصة. كان يبكي عندما ناصحني وقال كما قال الرجل لسيدنا موسى (إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك، فأخرج إني لك من الناصحين). رديت النصيحة إيماناً بعدالة الدولة ودولة القانون.

 

لم يتوارد في مخيلتي إن مؤسسات الدولة هي مؤسسات لخدمة أهواء السادة يحركها المهنيين والمثليين فنحن لا نعدوا إلا (عبيد) في خدمة أولياء نعمتنا صاغرين. أين نحن من هذه الدولة السودانية.

هذه دولة (أنا ربكم الأعلى)

ودولة (أنا أحيي وأميت).

 

نواصل.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.