مشاهدات من الإنتهاكات والجرائم بجبال النوبة في الحرب الأولى: (1984-2005).
✍️ النور كوة مكي
(الحلقة التانية)
حوار المك/ ضيفان أرنو كبي – الجزء الثاني
# صوت بعاتي خور العفن #
سمعت صوت إغلاق أبواب العربة، ثم صوت المحرك يدور، ثم يبتعد الصوت رويداً رويداً حتي إختفى ذلك الصوت، وعندما إختفى الصوت قمت وجلست. ولأنني كنت مقيداً ويدي خلف ظهري قمت بتنظيف وجهي من الدم عن طريق مسح وجهي علي ركبتي. نظرت حولي ووجدت إن جميع رفاقي قد ماتوا، ثم تحركت ومشيت مسافة طويلة حتى وجدت كوخاً صغيراً في منتصف الحقول (منطقة العتمور). قلت يا أهل الداخل السلام عليكم أخرجوا وساعدوني، لا تخافوا عندما تروني أنا نوباوي مثلكم. نظرت إمرأة إلى الخارج، كانت خائفة وعادت إلى الداخل، وعندما خرج الرجل كان خائفاً أيضاً وعلى وشك الهروب، فهدأت من روعه بقولي: من فضلك لا تخف .. من فضلك لا تركض أنا نوباي مثلك – وسأل (من أي نوبة أنت ؟ .. أي قبيلة؟). قلت انا من (أطورو) منطقة (أيري) وسالني مرة أخرى: (ولماذا أنت هنا). رديت بقولي (أحضرني الجيش وأطلقوا النار علي). فقال: (هل الطلقات النارية التي سمعناها فى وقت سابق هذا المساء هي التي تتحدث عنها ؟). قلت: نعم – قال: (يأتي الجيش في كل ليلة ويطلق النار علي الناس في هذا المكان، رائحة الجثث تزعجنا ولا نستطيع حتي البقاء هنا).
قلت له: (أريد منك فقط أن تفك قيدي هذا). وهذا ما فعله. ولأن الحبال كانت مشدودة وموجعة لم يكن الدم يتحرك في عروقي.
أخذني الفلاح على الفور إلى شيخه فقال الشيخ من الأفضل أن تمكث معنا عشرة أيام نبحث لك عن علاج ومن ثم نعيدك إلى شعبك. لكن بعد أربعة أيام عاد الشيخ وأخبرنا إنه تلقى تحذيراً من الجيش إنهم أطلقوا النار على ستة أفراد ولم يجدوا سوى خمسة جثث، وإذا كان الحي مختبئ في إحدى قراكم سنأتي ونحرق هذه القرية.
قلت للشيخ (لا أريد أن أكون سبباً لحرق قريتكم وقتلكم، خذني بعيداً وأرمني في تلك الغابة البعيدة وسأنتظر لأرى ماذا سيحدث لي). أخذوني تلك الليلة إلى الأدغال. مكثت أربعة أيام. هناك الأرض ممطرة وكنت أكل الطين الممزوج بالماء. كان بعض هذا المزيج يدخل في حلقي والجزء الآخر ينسكب إلى الخارج لأن فكي كان مفتوحاً.
بعد أربعة أيام وصلت (أيري)، لقد كنت مرهقاً بالفعل. عائلتي لم يتعرفوا علي، عندما ناديت والدتي قالت: (من هذا الذي يناديني بهذا الصوت الغريب).
كان الضرر الذي لحق بلساني وفكي قد أعاق كلامي. قلت لها: (أنا إبنك ضيفان). وعندما تعرفوا علي تدافعوا نحوي يبكون فقلت لهم: (لا تبكوا أنا الآن معكم بالفعل).
سألت زوجتي وإبنتي على الفور إن كان هناك زوار من الجنود حضروا إلى المنزل. فأكدوا لي قائلين: (بالأمس كان هناك ثلاثة جنود في المنزل يروحون ويعودون).
عندما سمعت ذلك تحركت علي الفور إلى معسكر الجيش الشعبي لتحرير السودان. إلى القائد/ جمعة كبي.
لقد شفي جرحي ولكن حتى اليوم لا أستطيع تناول الطعام المناسب. يمكنني فقط تناول الحساء والسوائل الأخري.
نواصل
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.