حرب الجنرالات وهدر أروح المواطنين. (الحلقة الأولى )

نضال الطيب حامد.

 

قبل الخوض في تفاصيل الحرب اللعينة بين الجيش والدعم السريع، دعونا نتعرف على معني هدر روح الإنسان، في قاموس لسان العرب لإبن منظورة يعرف الهدر هو : ما يبطل من دم أو غيره، أي ما يستباح ويمكن سفحه في حالة من زوال حرمته التي تحصنه ضد التعدي عليه وإلخ .

والشاهد من ذلك يمكن القول إن الهدر الإنساني حالة ليست نادرة الحدوث، وإنها تتفاوت من إباحة إراقة الدم في فعل القتل أو التصفيات كحد أقصى، إلى سحب القيمة والتنكر لها مما يجعل الكيان الإنساني يفقد مكانته أو منعته وحرمته. وقد يتخذ هدر روح الإنسان شكل عدم الإعتراف بالحق في الحياة، وحتى الحق بالوعي بالذات والوجود، فإن التبريرات التي تسحب حق الإعتراف بإنسانية الإنسان وكيانه. تلك هي مساحة الهدر الإنساني، وقد يكون الهدر مادياً أو معنوياً أو على مستوى الحقوق، إلا أنه يتم على خلفية من الاستباحة العامة.

إذا نظرنا إلى هذه الحرب، نجد أنها قد اهدرت عدد من أروح المواطنين بالخرطوم ، ولكنها أقل فداحة من هدر أروح المواطنين في بقية أنحاء السودان، مثل دارفور ( الجنينة) وجبال النوبة والنيل الأزرق. وهكذا فالاستبداد ليس مجرد حجب للديمقراطية أو منع للحقوق فحسب، بل هو علاقة مختلفة نوعياً تقوم على إختزال الكيان الإنساني للآخرين إلى مستوى (( الرعية)) التي تعني لغوياً القطيع أو الأغنام الذي يمتلكه صاحب السلطة، ويتصرف فيه كيفما شاء بإدعاء الأطراف المتحاربة بمبررات واهية و حجج عبثية وأحاديث فطيرة .

يبرر الجيش إدعائه للحرب على الدعم السريع بحجة التمرد عليه والخروج عن أمره .. ويبرر الدعم السريع الحرب على الجيش بحجة الديمقراطية وتسليم السلطة للمدنيين. ولاندري من الذي بدأ الحرب العبثية على الآخر . ولكن لا عبور إلى الديمقراطية بدون استرداد الإنسان لحقوقه في الحياة ومكانته الإنسانية، إذاً لا ديمقراطية ممكنة بدون الشرط المسبق المتمثل في إيقاف الحرب وهدر الأرواح وإستعادة قيمة الكيان الإنساني وحرمته وأحقيته. دائماً ما ينادي المسؤلين بحكم المؤسسات في الدولة وحكم القانون، إلا أنهم يتصرفون إنطلاقاً من مرجعية العصبيات الايديولجية أو الأثنية التقليدية، وهذا ما جعل الدولة ومؤسساتها تعيش حالة الازدواجية الفعلية ما بين الظاهر الرسمي والفعل الايديولجي
الخفي، وما يحرك الخلاف الحقيقي هو العصبية على إختلافها : قبلية – عائلية – طائفية – جهوية – وليست إدراة الدولة وحدها مايسير بشكل خفي بل كل مؤسسات المجتمع يتساوى في ذلك الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، كلها تسير بشكل خفي خلاف ظاهرها. أو تلك التي تسيطر عليه عائلة واحدة ومعينة قد تتفق على مبدأ المحافظة على السلطة والثروة، وقد اتضح لنا أن أنظمة الحكم ليست وحدها تسير علي هذا الحال، بل إن المؤسسات العسكرية تقوم أيضاً على أساس العصبية أيضاً، اما طائفية سياسية أو دينية أو قبلية أو جهوية. وقد تجد القيادات المسؤولة صاحبة القرار ترجع إلى أصول أيديولوجياً أو قبلية وأنها تقوم على أساس الولاء و الإنتماء الطائفي أو القبلي، يبدو أننا في حاجة لدراسة واقعنا الإجتماعي والسياسي ومخاطبة جزور الأزمة السودانية بشكل فاحص.

نكمل..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.