الحرب والخيارات الصعبة والاختزال المميت

معتصم أقرع

 

يجيد قادة السياسة والرأي في السودان تعديد تفاصيل الدمار الذي أحدثته ثلاثة عقود من حكم الاخوان ولكنهم يفشلون في التعرف علي أو الاعتراف بأكثر اضرار حكم الاخوان فداحة وكلفة. أعنى الدمار الذي احدثه العهد الاخواني في عقل الطبقة السياسية وقادة الرأي العام وتجريفه لمقدراتها التحليلية والفكرية.

فمثلا من ابجديات التفكير السليم في قضية ما ان يحلل الانسان الوضع من جميع جوانبه ويقدر اين تكمن المصلحة الوطنية ويحدد موقفه على أساسها.

لكن للأسف الكثير من الفاعلين السياسيين فقدوا المقدرة على رؤية جميع أبعاد الصورة كما فقدوا المقدرة على التقييم التجريدي المتجرد.

يحتل بعبع الاخوان عقل هذه الطائفة بالكامل فهي لا تري من الصورة الا ركنها الاخواني ولا تعي ان الركن الاخواني – على أهميته – انما هو جزء من الصورة وليس كل الصورة فيما يختص بالأسباب والمألات والاستنتاجات والنتائج والمصير المشترك.

فمهما كبر شيطان الاخوان الا ان الواقع يظل اكبر وأوسع واكثر تعقيدا ولا يحتكر الاخوان الشر.

هذه الطائفة لا تحلل الوضع كاملا وبتجرد لان عقلها المحتل تمكن منه اختلال يفرض عليه التعامل مع أي تحدي جديد بان ينظر اين يقف الاخوان ثم يتبني الموقف المعاكس اتوماتيكيا بافتراض انه قمة الوطنية والحكمة السياسية. ثم لا يدرك هذا العقل انه محتل بالكامل من قبل الاخوان الذين يحددون موقفه بالسالب المعكوس.

هذا الانسان لا يختار فهو ينتظر الاخوان ان يختاروا ثم يختار بناء على خيارهم. هذا انسان فقد الاستقلالية الفكرية وصار صدي تابعا للإخوان حتى في عكسيته. هذا العقل المختطف ليس حكرا علي مدرسة فكرية أو ايديلوجية فهو سائد في الساحة السياسية من اقصي اليمين إلي اقصي اليسار ولا أحد يحتكر الحكمة ولا مدرسة فكرية تحتكر الحماقة.

من نافلة القول هو ان التفكير الصحيح يبدا بتحليل شامل لتحديد المصلحة الوطنية واتخاذ الموقف بناء علي القرائن والتحليل وليختار الاخوان ما يختاروا أو فليشربوا البحر الأحمر حتى يتدوعلو. هذا هو العقل الحر الذي لا يسيطر عليه اخوان ينتظر موقفهم ليتماهى معه أو مع ما يتوهم انه ضده.

خذ على سبيل المثال الحرب الدائرة الان. يصر الكثير من أهل الرأي في اختزالها في تآمر اخواني ولا شيء غير ذلك. وينسي جل هؤلاء ان هذا هو نفس الجيش الذي تحالفت معه القوي المدنية وسمت زواجها منه بالشراكة المثالية المتناغمة بعد ان أعلنت انه انحاز الي جانب الثورة. وهو نفس الجيش الذي سجن البشير وقيادات الاخوان. وهو نفس الجيش الذي لم يأمنه البشير فأنشأ قوات الدعم السريع لتحميه من غضبته. فهل يجوز في هذا السياق القول بسيطرة كاملة مطلقة للإخوان على هذا الجيش؟

لن يجادل أحد في نفوذ الاخوان داخل الجيش ودورهم في هذه الحرب، ولكن هل هذا كل الحقيقة؟ الا توجد أسباب اخري ساعدت علي اشعال نيران الحرب إضافة الي العامل الاخواني؟ الم تساهم جهات داخلية وخارجية في اشعال نيران الحرب بما فعلت وبما اهملت؟ هل ساهمت اصطفافات الإطاري في التعجيل بالحرب؟

لم يخف علي المراقبين السودانيين والأجانب التقارب بين الدعم السريع وقوي مدنية مقابل الجيش في مفاوضات الاطاري وحصول هذا التقارب علي دعم الخارج.

نتج عن هكذا اصطفاف معسكرين في أحدهما الجيش وحيدا وفي الاخر الدعم السريع وقوي مدنية والقوي الخارجية فشعر جنرالات الجيش بخطر التهميش والابعاد لا سيما وان الاتفاق الإطاري يجعل من الدعم السريع قوة موازية تساوي الجيش ولا تتبع له.

كما طلب الدعم السريع بعشرة أعوام للدمج في القوات المسلحة وهذه العشر سنوات ضد مصلحة الجيش لأنها تتيح للدعم السريع مواصلة نموه الأسي الذي تضاعفت وتائره منذ سقوط البشير وتتيح له الفترة الطويلة انشاء سلاح طيران ومسيرات ومدفعية ثقيلة ومواصلة تجنيد الجنود والكتاب والمستشارين.

هذه العشر سنين أو نصفها تكفي الدعم السريع للتفوق علي الجيش عدة وعتادا نسبة للموارد المتاحة له وتحالفاته الخارجية الشحيمة. وهذا يعني انه في غضون بضعة أعوام سيعني توازن القوة الجديد تأطير الحوار حول دمج الجيش في الدعم السريع بشروط الدعم السريع وقل علي الدولة السودانية كما تعرفونها السلام.

ولا ننسي ان تبعية الدعم السريع تحت الإطارية تكون لراس الدولة الذي سيكون للدعم السريع وحلفائه القدح المعلى في تسميته ما يعني استقلاله الكامل في مواصلة النمو والتمدد داخل الدولة والمجتمع.

كما ان عامل الزمن يعمل ضد الجيش ففي هذه العشر سنوات المقترحة يبلغ قادة الجيش سن التقاعد وقد يختار بعضهم الابتعاد تحت الإرهاق، ولكن الفريق دقلو في أربعيناته وبكامل الطموح والحيوية وربما يرث الأرض بعد ذهابهم.

الغرض من السردية أعلاه ليس نصرة طرف على آخر، بل القول ان هناك أسبابا موضوعية عجلت بالحرب لذلك لا يجوز اختزال مبتدأها ومنتهاها في خبث الاخوان حتى في وجوده الذي لا ينكره أحد.

اختزال الحرب في الاخوان في أحسن الفروض رؤية نفقية نجمت عن ثلاثة عقود من سطوة الاخوان علي عقل أعدائهم قبل أصدقائهم. يترتب علي هكذا اختزال بقصد أو بغيره مناصرة الدعم السريع باستدعاء وحشد كراهية الداخل والخارج للإخوان رغم ان الدعم السريع نفسه صنيعة اخوانية بامتياز دافعت عن نظام البشير الي يوم ان اضطرت مع جنرالات الجيش للإطاحة به لإنقاذ نفسها وليس عن توبة ديمقراطية نصوح.

ولكن حتى لو قبلنا ان هذه الحرب بالكامل من تخطيط الاخوان ثمة أسئلة لان علينا جميعا كما علي جماعات الاختزال ان نعي انه بغض النظر عن رأينا فان نتيجة الحرب ستخلق أوضاعا شديدة الاختلاف اعتمادا علي من ينتصر وبأي درجة وهذه الأوضاع لا تتساوي في درجة السوء. ومن الأسئلة:

إذا حاول “جيش الاخوان” تحطيم المليشيا التي صنعها هل نمتني له الفشل لنستمتع بثمار وطن فيه جيش وميليشا سالطة صنعها البشير ودعمها خارج؟

هل علينا الدعاء لهزيمة “جيش الاخوان” لان ذلك يخلق واقعا أفضل تحت دولة جديدة تسيطر عليها ميليشا الدعم السريع؟

هل يجوز التظاهر بان الامر لا يعنينا ونتمنى ان لا ينتصر طرف لان توازن الرعب في وجود جيشين يناسبنا؟

مهما تظاهرنا بان الحرب تدور بين مجموعات نكرهها إلا ان الحقية تظل هي ان مستقبلنا السياسي سيتحدد من نتيجة هذه الحرب والراشد من يدرك ان من طبيعة السياسة أحيانا عدم وجود خيارات مثالية ويظل المتاح هو انتقاء الأقل سوءا من مجموعة خيارات كلها من براز الشيطان ولكنها لا تتساوي في درجة السوء.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.