مَلامحُ الجُمهورِيَّة الثانية…و سَيْطَرَةٌ الدعم السريع !!
جاتيقو أموجا دلمان
هذا المقال منشور بالموقع الالكتروني بتاريخ ١١ اغسطس ٢٠٢٢م ، ونسبة لأهميته نعيد نشره مجددا:
( عندما أقول الجنوب ، لا أعني بذلك سكان المديريات الجنوبية الثلاثة وإنما أولئك أيضا الذين يسكنون جنوب الفونج بمديرية النيل الازرق وبعض سكان دارفور وجبال النوبة وكردفان، وكما ذكرنا من قبل، فأن هؤلاء الناس ليسوا بمسلمين، كما لا يتحدثون العربية، ويتحدثون مع بعضهم البعض بصعوبة. وليس هنالك تقاليد أو عقيدة أو لغة أو ثقافة تجمع بينهم وبين أهل الشمال والربط الوحيد هو الحدود السياسية التي يعود تاريخها الي الغزو التركي المصري 1821م)
ابراهيم بدري – عضو لجنة تعديل الدستور – مايو 1951م
(1)
قوات الدعم السريع تشكلت من مليشيات شبه عسكرية ، كانت تقاتل نيابة عن الحكومة المركزية في دارفور، هذه المليشيات تكونت في اعقاب الاعلان عن التجمع العربي لغرب السودان،وهي بمثابة الجناح العسكري لهذا التجمع.
ولإحكام القبضة الامنية منح الرئيس المخلوع عمر البشير في ديسمبر 1999م سلطاته وصلاحياته الامنية والسياسية للفريق/ محمد أحمد مصطفى الدابي وهو ” ضابط استخبارات أسلامي دموي ، كلفته الجامعة العربية بمهام لاحقا في سوريا” ، وكانت مهمة الدابي في دارفور هي تجميع المليشيات العربية تحت قيادة واحدة وإعادة تدريبها وتسليحها ، ونجح الدابي في مهمته ووحد كل المليشيات العربية المعروفة بـ( الجنجويد) وأسس ما يسمي بـ ( قوات حرس الحدود)، التي تحولت لاحقا الي قوات الدعم السريع ، ولكن بنفس المهام والايديولوجية،رغم وجود عناصر غير عربية ضمن منسوبيها.
(2)
ويقول الباحث في الشئون الافريقية عباس محمد صالح أن قوات الدعم السريع خلقت وضعية هجينة أدت إلى نتيجتين: تكريس عسكرة السياسة من خلال السيطرة على أجهزة الدولة، واستمرار العسكر في السلطة ومنع أي فرص للتحول الديمقراطي بالبلاد، وستكون النتيجة منع إمكانية قيام قوات أمنية خاضعة للسيطرة المدنية ، ويضيف الباحث ” بشكل متسارع، تعزز نفوذ قوات “الدعم السريع” التي تحوَّلت “من ميليشيات غير منضبطة في بداياتها الأولى إلى تنظيم عسكري له مؤسسات، كما تزايد نفوذ قائدها بشكل كبير، لتغدو تلك القوات منظومة أخطبوطية لا يقتصر دورها على الداخل السوداني فحسب وإنما أصبحت فاعلًا على المستوى الإقليمي أيضًا، وذلك عقب مشاركتها بفاعلية في حرب اليمن ضمن قوات التحالف العربي منذ عام 2015، فضلًا عن شبكة العلاقات الخارجية لقائد هذه القوات (حميدتي) الذي يعتبر حليفًا قويًّا للإمارات العربية المتحدة، كما تحدثت تقارير عديدة عن مشاركة قوات الدعم السريع في الصراع الليبي.
(3)
وذكر تقرير أصدره مركز الدراسات الدفاعية المتقدمة (CADS) بواشنطن إن الفريق حميدتي، قائد قوات الدعم السريع يسيطر وعائلته على خمس شركات من بينها بنك الخليج، الذي يحوز على 58.28% من أسهمه، ويناور عبره لاختراق النظام المالي العالمي.
وقال التقرير أن قوات الدعم السريع أقامت امبراطورية اقتصادية متمددة، سبق أن تم التحقيق فيها من قبل منظمة غلوبال ويتنس (Global Witness) التي ركزت على مشاركتهم في سوق الذهب في السودان ومشتريات قوات الدعم السريع. لتحدد ثلاث شركات مرتبطة بقوات الدعم السريع هي: الجنيد، وتراديف للتجارة العامة، وجي إس كي أدفانس.
السؤال ما هي مهمة هذه القوات في المستقبل القريب ؟ وما هي علاقة هذه القوات بالمشروع العروبي في السودان؟ وهل نحن أمام تأسيس جمهورية ثانية لدولة العرب في السودان؟، وهل مازلت فكرة عرْبنًة السودان وأسلمته قائمة ؟.
(4)
وتكونت القومية العربية في السودان من شتات القبائل المستعربة، وبعد احتلال نخبها مواقع قيادية في مفاصل الدولة عند رحيل المستعمر الانجليزي المصري، تم خلق خطاب رسمي للدولة يعبر ان ايديولوجيا القومية العربية ،وتم فرضه علي الجميع بواسطة مؤسسات الدولة ومناهج التعليم والاعلام الرسمي.
وفي مارس 1953، اجتمع ممثلي القوي السياسية السودانية في القاهرة، للنظر في مستقبل السودان حال خروج المستعمر الانجليزي المصري، وسرعان ما حدد المجتمعين طبيعة الدولة السودانية المستقلة، وأتفقوا أن تكون هذه الدولة عربية وأسلامية، متجاهلين التنوع العرقي والثفافي والديني للسودان ومطالب الجنوبيين والاقاليم الاخري، وأسست هذه النخب العربية التي ورثت السلطة من المستعمر، ما يعرف بالجمهورية الاولي لدولة العرب في السودان، وفي خطابه بمناسبة الاستقلال – يناير 1956م ، حسم اسماعيل الازهري، أمر هوية هذه الدولة الوليدة،وأعلن إنضمام السودان الي الجامعة الدول العربية ، رغم الإهانة والسخرية التي وجدوها من دول العربية التي استهجنت هذه الانضمام.
(5)
أنعقد مؤتمر (فورولينا) عام 1967م، بحضور الدكتور حسن الترابي والامام الصادق المهدي واخرين، ورغم أن المؤتمر كان مخصصا لتوحيد القبائل العربية في تشاد بغرض الاستيلاء علي السلطة هناك وإيجاد موضع قدم للعرب في الغرب الافريقي ، الا أن القبائل العربية في دارفور وجدت المؤتمر فرصة مواتية لتقدم أحتجاجها و تذمرها من انفراد عرب البحر( النخب النيلية) بالسلطة والثروة ، ومن خلال مداولات المؤتمر تحصلت القبائل العربية في دارفور علي وعود وضمانات بالمشاركة في الحكومة المركزية، وظلت هذه الوعود الكذوب مستمرة الي يومنا هذا، ونجحت نخب المركز في توجيه القبائل العربية في الغرب وسيطرة عليها وإستخدامها في تنفيذ إجندة المركز، ولم يورث عرب الغرب من عرب البحر ( النخب النيلية) سوي الحروبات العبثية والتهميش.
(6)
في الخامس من أكتوبر 1987، صدر البيان التأسيسي لتنظيم ما يسمي بـ( التجمع العربي) ، وجاء في البيان ( أن قبائل العربية لها ثقل سياسي وإجتماعي وإقتصادي باقليم دارفور وكردفان وبالتالي نحن نطالب بأن نمثل بالنصف كحد أدى في المناصب الدستورية بحكومات الإقليمية وممثلي بالحكومة المركزية) واختتم البيان بعبارات تحذيرية شديدة اللهجة، ذكر فيها ” وعليه نحن نخشى إن إستمرار هذا الإهمال للعنصر العربي في المشاركة أن تفلت الأمر من أيدي العقلاء إلى أيدي الجهلاء ويحدث ما لا تحمد عقباه ، وذلك لأن ظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند”، والتجمع العربي لم يحدد في بيانه ، من هم هؤلاء الجهلاء؟ وهل كان يقصد ( مليشيا الجنجويد ) التي أسسها عبد الله مسار وصافي النور أم يقصد( قوات المراحيل) التي أسسها اللواء فضل الله برمة ناصر، أم يقصد المليشيات العربية في مالي والنيجر وافريقيا الوسطي التي جلبها حميدتي؟.
(7)
واشار تقرير داخلي صادر من الأمم المتحدة في العام 2007م ، نشرته صحيفة “الإنديبندت” البريطانية ، أن ما يقارب الـ(30) ألف من مقاتلي القبائل العربية عبروا الحدود من مالي وافريقيا الوسطي ووصلوا الي دارفور، وقد وصل معظم هؤلاء بممتلكاتهم وقطعانهم واسرهم ، وتم توطينهم بواسطة الحكومة الاقليمية في قرى خالية تم إفراغها بواسطة مليشيا الجنجويد لهذا الغرض. كما عبرت مجموعة اخري من مقاتلي القبائل العربية قوامها (45) ألف من النيجر ووصلت دارفور، وكل هؤلاء المقاتلين اصبحوا جزء من قوات الدعم السريع، والان الحاضنة الاجتماعية لقوات الدعم السريع هي القبائل العربية في دارفور وكردفان والقبائل الوافدة من مالي والنيجر وافريقيا الوسطي، وتأتي تصريحات ناظر الرزيقات محمود موسي مادبو الذي أوضح فيها بأن ” حميدتي ” خط أحمر في هذا السياق ، وناظر الرزيقات ليس وحده من تغازل وتودد في الدعم السريع وقائده ، فقد سبقه الرئيس المخلوع البشير الذي قال في لقاء جماهيري ” افضل قرار أتخذته في حياتي هو تكوين الدعم السريع”.
وفي تصريح له ،منشور بـ(صحيفة التغيير الإكترونية)، قال ياسرعرمان” أن قوات الدعم السريع قامت بأدوار مهمة ولديها ما تقدمه للشعب السوداني” وسبق عرمان في مدح الدعم السريع الاستاذ وجدي صالح الذي قال في مؤتمر صحفي بسونا “عشان نكون واضحين الدعم السريع تصدي لكل حركات التمرد في دارفور، وحسمت كل التفلتات في البحر الاحمر”.
وبعض النخب النيلية ( عرب البحر) يعتقدون بأن قوات الدعم السريع بتكوينها العرقي والايديولوجي،هي مؤهلة لحماية مصالح وأمتيازات المركزية الاسلاموعروبية في السودان، لذلك تسارعوا في المدح والثناء ، رغم علمهم بالجرم الذي إرتكبته هذه القوات.
(8)
الجمهورية الثانية التي سيكون الدعم السريع حامييها والمسّيطر علي مشهدها، قد بدأت ملامحها بإثارة الحروبات العرقية في الاطراف، بغرض التمهيد لحرب شامل تستهدف كل الهامش السوداني،هذه الجمهورية الثانية يجري الاتفاق عليها تحت الطاولة وأبرز المشاركين في تأسيسها هم ( المؤسسة العسكرية ، اصحاب الامتيازات التاريخية في المركز ، أبناء تجار الرقيق و فلول النظام البائد) وبمباركة الامبريالية والدول العربية صاحبة المصلحة في هذه الجمهورية ” الكارثة