ماذا يريد الاخوان المسلمون أن يفعلوا بهذا الشعب ؟!

د. عمر القراي

 

(هَٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)

صدق الله العظيم

عندما قام الاخوان المسلمون بفتنتهم الأولى، وصعدوا الحرب ضد جنوب السودان باسم الجهاد ضد الكفار، واستعملوا فيها الجيش، والدفاع الشعبي، وكتائبهم المختلفة، وقتلوا الآلاف من إخواننا الجنوبيين، ومن الشبان الشماليين، الذي كانوا يخطفونهم من الشوارع، ويرسلونهم الى محرقة الحرب، ثم يزفونهم في بيوت المآتم، فيما اسموه عرس “الشهيد”، وصفوا المثقفين المدنيين، والسياسيين الذين ادانوا الحرب، وطالبوا بايقافها، ووصوفها بأنها حرباً سياسية، يخوضها تنظيم الاخوان المسلمين ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان، لا مصلحة الوطن فيها، وصفهم اعلام حكومة الاخوان المسلمين بأنهم خونة، وعلمانيين، وكفار، واتباع أجندة السفارات الأجنبية !! وفي نفس الوقت، كان ذلك الاعلام الكذوب، يروج لانتصاراتهم الوهمية، في برنامج ” ساحات الفداء”، ويعتبر قتلاهم شهداء، ويؤكد رفضهم لأي هدنة، ولأي وقف للحرب، حتى يقضوا تماماً على الكفار.. ولما وقعت المفاصلة بينهم، وانقسموا الى مؤتمر وطني وشعبي، اعتدوا على إخوانهم، وسجنوا مرشدهم، ووصفوه بالخيانة، وعدم الوطنية، والنفاق، لأنه غير موقفه، وادان حرب الجنوب، وقال أنه لا علاقة لها بالجهاد، ومن ماتوا فيها ليسوا شهداء!! ومما يؤكد أن هذه الجماعة لا علاقة لها بالدين، ترك معظمهم د. الترابي وقد كان مرشدهم الديني، ومعلمهم، والداعية والمؤلف الإسلامي، واتباع عمر البشير، الذي لم يكن لديه إلا السلطة الدنيوية الزائلة، ومع ذلك ظلوا يهتفون( لا لدنيا قد عملنا)!! وحين انهزموا، وافقوا على اتفاقية السلام الشامل، ومشاركة الحركة الشعبية لتحرير السودان في السلطة، وجعل د. جون قرنق المسيحي، النائب الأول لرئيس الجمهورية الإسلامية، التي زعموا أنهم يقيمونها في السودان!!
وفي اثناء حربهم للجنوب، اشعلوا الحرب في جبال النوبة، وفي النيل الأزرق، بدعوى مواجهة عناصر الحركة الشعبية في هذه المناطق، التي وصفوها بالكفر.. مع أنهم كانوا يضربون المدنيين، ويقذفون البراميل المشتعلة بالطائرات، على القرى، فيحرقون النساء والأطفال، ويشيد اعلامهم بهذه الجرائم النكراء، ويصف من يدينها بأنه عملاء، وخونة، وعلمانيين، ويقفون ضد جيش المجاهدين الوطني، في حربه ضد المتمردين الكفار!!
وحين ظهر وجود للحركة الشعبية في دارفور، والتحق بها بعض من كانوا في تنظيم الاخوان المسلمين، أمثال داؤود يحي بولاد، قرروا الإبادة العرقية، ومحو مكونات سكانية من الوجود في دارفور. وكان ذلك المخطط الآثم يقتضي ارتكاب جرائم ضد المدنيين، وضد الإنسانية، لا يضمنون قيام الجيش وحده بها، كما لا يضمنون تضليل السودانيين للموافقة عليها، لأنهم عجزوا عن رفع ادعاءات الكفر ضد أهل دارفور. ومن ناحية أخرى، لم يكتمل بعد تحويل عقيدة الجيش، وجعله جناح عسكري تابع للحركة الإسلامية، الأمرالذي كانوا قد بدأوه منذ عام 1990م، حين حصروا دخول الكلية الحربية، والترقيات الاستثنائية على كوادرهم. لهذا أنشأوا في عام 2002م مليشيات من القبائل العربية، وسلحوها، وزعموا أنهم يستهدفون القضاء على النهب المسلح، ولكنها وجهت في عام 2003م، بواسطة قيادات التنتظيم، ومعها كوادرهم في الجيش، وفي الأمن، وفي الدفاع الشعبي، لارتكاب أفظع الجرائم ضد المدنيين، فقتلوا الآلاف، وشردوا بين النزوح واللجوء حوالي مليوني مواطن من دارفور، وارتكبوا أفظع الجرائم، واغتصبوا في قرية “تابت” وحدها حوالي مأتي إمراة سودانية. ولقد سمى الأهالي هؤلاء المعتدون، الذين لا يعلمون من أين جاءوا ب”الجنجويد”!! ولكن حكومة البشير المخلوع سمتهم “قوات الدعم السريع” !! وأنكرت معرفتها ب”الجنجويد”، وما ارتكبوا من جرائم، وحين قام مثقفون، وصحفيون شرفاء، بنقد جرائم “الجنجويد”، ونقل صور فظائعهم للعالم، اعتقلتهم حكومة الاخوان المسلمين، وصادرت الصحف، ووصفت من وقفوا ضد حرب دارفور، بأنهم خونة، عملاء للسفارات الأجنبية، وأذيال ل”أوكامبو”، خاصة عندما وجهت المحكمة الجنائية الدولية، الاتهام للبشير ومعه 51 من قادة تنظيم الاخوان المسلمين في السودان، بارتكاب جرائم إبادة، وتطهير عرقي، وجرائم ضد الإنسانية.
ثم دعمت حكومة الاخوان المسلمين قوات الدعم السريع، ومكنت لها، ورفعت أهميتها، وقربها من الرئيس، فوق الجيش الرسمي !! وهناك أمثلة عديدة على ذلك، منها حين طالب الفريق عصمت عبد الرحمن، وزير الداخلية البرلمان في عام 2017م، باستدعاء “حميدتي” ومساءلته عن سيطرة مليشياته على جبل عامر، دون علم الحكومة. لم يحرك الجيش ساكناً، ولم يفعل البرلمان شيئاً، بل استدعى البشير المخلوع الفريق عصمت، وطالبه بتقديم استقالته ففعل. ثم أن حكومة الاخوان المسلمين استخدمت قوات الدعم السريع، حتى في قمع مظاهرات المدن، وكان مجرد الإشارة لنقد ما يقوم به الدعم السريع، كافياً لمصادرة الصحيفة وتشريد الصحفي وفتح بلاغات كيدية ضد الكاتب. وحين أكتملت سيطرتهم على الجيش، وتخلصوا من كافة العناصر المناوئة لهم فيه، أصدروا قانون الدعم السريع لسنة 2017م، ليحجموا فيه قوات الدعم السريع. فجعلوا في المادة 5 الحق لرئيس الجمهورية في دمج الدعم السريع في الجيش، متى ما رأى ذلك، وهي المادة التي الغاها البرهان في عام 2021م ليغري الدعم السريع بمشاركته في انقلابه ضد الحكومة المدنية، ثم حين أختلف معه الدعم السريع في الاتفاق الاطاري، أخذ الآن يتباكى على الدمج، الذي أصبح لا يسنده قانون.
لقد اشعل الاخوان المسلمون الحرب الدائرة الآن، ليمنعوا الشعب السوداني من إقامة حكومة مدنية ديمقراطية، تباعد بينهم وبين كراسي الحكم. واختطفوا سلاح الجيش السوداني، وطائراته، بواسطة عناصرهم في القوات المسلحة، والأمن، وألبسوا كتائب ظلهم، وجماعاتهم الجهادية، زي الجيش، والاحتياطي المركزي، ثم مارسوا في هذه الحرب الجائرة، نفس جرائمهم السابقة، من ضرب المدنيين بالطائرات، وهدم المنازل والمرافق فوق رؤوسهم، حتى اضطروا كثيرين للنزوح خارج العاصمة، وخارج السودان، بل منعوا المواطنين من دفن موتاهم.
ثم بعد كل ذلك، خرج علينا اعلامهم يطالب الشعب، الذي قتلوا أبناءه، واغتصبوا بناته أمام القيادة العامة، ثم اصطاد قناصوهم أولاده وبناته كالعصافير، في المظاهرات، وجوعوه، وشردوه، ثم هاهم يضربونه بالطائرات، يطالبهم أن يقيفوا معه ضد قوات الدعم السريع !! بل بلغت بهم الجهالة والبلاهة، أن يتهموا من يطالب بالسلم، وإيقاف الحرب بالخيانة، مع أن التوجيه قد جاء للنبي صلى الله عليه وسلم، في الجهاد الحقيقي، بقوله تعالى (وإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
ماذا يريد الاخوان المسلمون من هذه الحرب، التي وصفوها بأنها حرب كرامة، من أجل مساندة الجيش الوطني، بينما وصفها قائد الجيش نفسه الفريق البرهان بأنها (حرب عبثية ليس فيها منتصر)؟! هل يريدون تطبيق شعارهم (فليعد للدين مجده أو ترق كل الدماء)؟! وهل اذا وقف معهم الشعب الذي قتلوه، واغتصبوه، وجوعوه، وشردوه، ونهبوه لمدة ثلاثين عاماً، حتى هزموا الدعم السريع هل سيعود للدين مجده ؟! د. مدثر عبد الرحيم من قدامى الاخوان المسلمين، وكان مديراً لجامعة أمدرمان الإسلامية في عهد نظام الإنقاذ، كتب في لحظة صحوة ضمير، مقالاً مطولاً، عن مفارقات جماعته للدين، اثناء حكمهم باسمه، وقال في خلاصة المقال، المنشور في وسائل التواصل (إذاً لم يكن الامر عند الكيزان أمر دين وإنما أمر دنيا كان الدين هو الوسيلة لها وكان علماء الدين جنودها وادواتها. فعندما تشدد وقتل ابناؤهم تتم نجدتهم بفقه المراجعات وعندما سرقوا اعانوهم بفقه التحلل وعندما أكلوا الربا حللوه بفقه الضرورات وعندما سفكوا الدماء ساندوهم بفتوى تجيز قتل ثلث الشعب كل تلك الأفعال ولم نر جعير وبكاء لدرجة الشحتفة في المنابر.. عندما خرج أسامة بن لادن فاراً من السودان أجرت معه مجلة المجلة السعودية لقاءاً من أفغانستان أجاب حينها عن كيف يصف النظام الحاكم في السودان فقال ” هو نظام هجين بين الهوس الديني والجريمة المنظمة” ).
أيها الاخوان المسلمون أليس منكم رجل رشيد؟ ماذا تريدون أن تفعلوا بالشعب السوداني ؟ ألا تكفيكم كل هذا الدماء التي اهرقتم؟ أليس منكم من يقول كفانا دماء أهلنا، فلنوقف الحرب ولو خسرنا الحكم؟
على شرفاء القوات المسلحة، أن ينفضوا أيديهم من مؤامرة الاخوان المسلمين، وان يعتقلوا زعماءهم الذين يديرون الحرب، وان ينحازوا لشعبهم، ويحرروا أنفسهم من قبضة الشيطان.
6 مايو 2023

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.