في ٧ ابريل الجاري كتب الصحفي الاستاذ/ وائل محجوب :

الاستاذ/ وائل محجوب :

 

• في الثلاثين من يوليو ٢٠١٩م اصدر رئيس المجلس العسكري الانتقالي وقتها الفريق الأول عبد الفتاح عبد الرهان مرسوما الغى بموجبه المادة “٥” من قانون الدعم السريع لسنة ٢٠١٧م، والتي نصت على خضوع هذه القوات لأحكام قانون القوات المسلحة بكل فقراتها، مما يعني عمليا انهاء سلطة القائد العام للقوات المسلحة على قوات الدعم السريع، وهو الوضع القانوني الذي سعى لتكريسه هذا القانون على أيام نظام الانقاذ الغابرة وتبعية هذه القوات للقصر وخضوعها لسلطة المخلوع البشير المباشرة، بعدما كانت هذه القوات تتبع اداريا وماليا لجهاز الأمن والمخابرات الذي قام بتأسيسها.

• ومنذ ذلك التاريخ، صار الدعم السريع عمليا جيشا موازيا، بقيادة منفصلة لا يجمعها بالقوات المسلحة سوى التنسيق، كما صارت له قدرات بشرية وتقنية، وتحالفات اقليمية ودولية، وموارد اقتصادية منفصلة، وتوسعت تبعا لذلك عملية تجنيد واسعة النطاق في مختلف انحاء السودان، تحت سمع وبصر قائد السلطة العسكرية، الذي ظل المدافع الأبرز عن هذه القوات، في مواجهة كل الاصوات التي ارتفعت تحذر من هذا التمدد، بما فيها اصوات من داخل المؤسسة العسكرية، كما ظل يؤكد ان هذه القوات خرجت من رحم القوات المسلحة، وان العلاقة بين الطرفين متينة ومتماسكة، ويسودها الاحترام والتنسيق التام.

• وكان هذا التنسيق حاضرا للحق، منذ رفض قائد الدعم السريع المشاركة في انقلاب عوض ابن عوف في ١١ ابريل ٢٠١٩م، مما سهل مهمة ابعاده عن السلطة واعادة تشكيلها بواسطة اللجنة الأمنية لنظام البشير، في انقلاب ١٣ ابريل، وقد احتل فيها قائد الدعم السريع منصب الرجل الثاني، استنادا لموقف قواته وقدراتها، وهي التي طوقت الخرطوم يومها من كل اتجاه، وزحفت لتحتل مواقع تتبع لجهاز الأمن والمخابرات ومقار الدفاع الشعبي والأمن الشعبي، اضافة لمواقع تخص الجيش تم منحها حق التواجد فيها من قبل، وكان هذا المرسوم بمثابة مكافأة على المواقف السياسية.

• وقد مضى هذا التنسيق والتوافق بين قائدي القوات منذ فض اعتصام القيادة في ٣ يونيو ٢٠١٩م وفي مفاوضات المجلس العسكري والحرية والتغيير، وكانت مواقفهما متوافقة حتى في ملفات تمت الهيمنة عليها من الحكومة المدني مثل الملف الاقتصادي والعلاقات الخارجية، التي شهدت تمددا للرجلين الذين احتلا منصبي مجلس السيادة الأعلى، كما هندسا سويا للسيطرة على ملف مفاوضات السلام تحت مظلة رعاية المجلس للمفاوضات، بعيدا عن مؤثرات الحكومة المدنية، وفرضا اتفاق سلام جوبا بصيغته الراهنة، وبثغراته التي تمثل الترتيبات الأمنية ثغرته الاوضح. وقد نجحا في استمالة الحركات الموقعة لصفهما في اطار الترتيب للانقلاب على السلطة المدنية، كما نجحا في خلق تحالف أسهم في انقلاب القصر الذي نفذاه في ٢٥ اكتوبر ٢٠٢٢م.

• فما الذي استجد حتى تصبح قضية دمج الدعم السريع هي الأولوية العاجلة، والتي بدونها يصر برهان على عدم المضي في الاتفاق السياسي الذي وقع من قبل على اتفاقه الاطاري..؟!.

• في تقديري حدث تزامن لقضيتين وقادتا لهذه المواقف المتصلبة، بعضها تفاعلات داخلية في اوساط الجيش، وبعضها الأخر وثيق الصلة بتداعيات انقلاب ٢٥ اكتوبر؛ – المتغير الأول؛ ظلت المساحة التي يتحرك فيها قائد الدعم السريع وقواته وتوسع نشاطاته السياسية والاقتصادية تثير قلق قادة القوات المسلحة، كما قادت فعليا لاعتراضات وصلت حد التخطيط للانقلاب اكثر من مرة رفضا لهذا التمدد، وفق ما حملت اقوال قادة انقلاب المدرعات في المحكمة التي تجري لهم، والذين ظلوا يؤكدون ان دافعهم الاساسي للتحرك كان هو نشاط الدعم السريع، وتجاوزه للقوات المسلحة في اكثر من حالة رصدوا بعضا منها في اقوالهم، كل ذلك افرز مناخا ضاغطا على البرهان داخل الجيش باتجاه حسم هذه التجاوزات، واعادة تنظيم وضع هذه القوات التي باتت تتعامل كجيش ثان بالبلاد، بلا رقيب او حسيب.

– المتغير الثاني؛ هو تداعيات انقلاب ٢٥ اكتوبر وما تبين بعده من نشاط محموم لفلول المؤتمر الوطني وكوادره ذات الصلة بالعمل الفني (العسكري/ الأمني) على الساحة السياسية، وفي حزمة القرارات التي صدرت نسفا لقرارات لجنة تفكيك التمكين، والتي جات جميعها في مصلحة اعادة الوضع لما كان عليه، واعادة جميع المفصولين والغاء قرارات المصادرة، التي شملت اراض ومقار وممتلكات ومنقولات وحسابات المؤتمر الوطني والحركة الاسلامية وعناصرها من الافراد، مما اعتبره قائد الدعم السريع انحرافا في خطة الانقلاب، ودفعه للحديث علنا عن خطأ القيام بالانقلاب وانه ساهم في عودة الفلول من جديد، معتبرا ان نشاطهم المحموم يستهدف قواته بالاساس ويقود لمواجهة مع الجيش، وفي هذا الأطار تقرأ تصريحاته التي دعا فيها قواته لضبط النفس، وإن صفعوا على “الخد الايمن يديروا خدهم الايسر” وقاطعا باستعداده للمضي في العملية السياسية حتى أخر اشواطها، مما اعتبره الطرف الثاني تحالفا سياسيا جديدا بين القوى الموقعة على الاتفاق الاطاري مع هذه القوات. • هذه العناصر هي التي خلقت العقبات الراهنة بين الطرفين، حيث قادت لانهاء الثقة، وخلقت حالة استنفار مكتوم ظلت تحمل نذره تقارير قلقة، من جهات داخلية وخارجية شتى ترصد تطورات الملف، وتبين ملامحه في حالة الانتشار العسكري للطرفين.

• لقد تجاوزت الحالة الراهنة حالة الصراع المدني/ المدني، والصراع المدني/ العسكري، لحالة صراع عسكري/ عسكري، وهي التناقضات التي افرزها انقلاب اكتوبر بتضارب مصالح اطرافه، لذلك فان حالة التعبئة المنظورة والتصعيد الميداني المحسوب، هي جزء من صميم عملية التفاوض التي يقوم بها الطرفان، وهي تجسيد لسياسة “حافة الهاوية”، إذ يسعى كل طرف لايصال رسالة لخصمه بأنه يستطيع المضي لأخر الخيارات، بما فيها خوض الحرب ومعركة كسر العظم، بينما كل طرف يدرك أفضل من غيره، تعقيدات توازن الضعف التي تحكم خطواته وتقيده، وهو يدرك ان خطوة واحدة خاطئة، كفيلة بانزال خسارة فادحة بكل الاطراف وسيكون هو أول الخاسرين فيها، ولن ينجو الطرف الثاني من عقابيلها، وساعتها لن تفلح القوى الاقليمية والدولية التي تنفخ أشرعته، في تجنيبه نتائجها المروعة.

• وأخيرا؛ لقد انهار هذا الانقلاب تحت ضربات الحركة الجماهيرية وحصارها المستمر له، وبسبب الحصار الدولي الذي جرده من أي مساحة للتحرك الخارجي، ولم يتبق منه الإ أدواته القمعية التي تبقيه على السلطة، كما كشفت فترة حكمه انه لم يكن يحتكم على أي مشروع سياسي خلاف تنفيذ مخططات المؤتمر الوطني المحلول وحماية قادته، وعملية التسوية الجارية حاليا تمثل مخرجا من ورطة العزلة الشاملة التي تحيط به، وهي بكل حال افضل بالنسبة لهم من خيار اسقاطهم بهبة شعبية شاملة، ويدرك جميع قادته ذلك، ولذلك سينتهي الموقف الراهن، باتفاق بين الجيش والدعم السريع، وسيمضي مسار الاتفاق الاطاري بكل عزلته واشكالاته، لسبب أهم..
وهو انه ليس بين كل الأطراف المتصارعة حاليا من لديه القدرة ولا الاستعداد لاحداث اختراق في توازن القوى لمصلحته، ولسبب ثان في غاية الأهمية وهو عدم قدرة هذه الأطراف على مواجهة القوى التي تقف من خلف العملية الجارية، وتهندس مسار عملية التسوية، وتستثمر فيها بكل ثقلها السياسي والدبلوماسي وعلاقاتها الدولية.

• ستنتهي مرحلة “عض الاصابع” هذي قريبا، باتفاق ينال فيه كل طرف مبتغاه، لتواجه اطراف الاتفاق المتشاكسة حقائق الواقع، حينما تكتشف انها صارعت لانفاذ اتفاق يفتقر للدعم الشعبي والسند السياسي، وستواجه معضلتها الحقيقية عندها، وستكون المعضلة التي لن تستطيع ضبط معادلاتها، هي الشارع الذي يستعد لجولات جديدة من النزال.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.