رفضوا الإنصياع له. النوبة أول شعب يتعرض للقتل الممنهج من قبل (المهدي) ||. مذكرات الأب (جوزيف أورفالدر).

جاتيقو أموجا دلمان

 

شنت الحرب على النوبة بأسلوب قاس للغاية. لقد إغتاظ الدراويش المتكبرين من المقاومة العنيدة لهؤلاء العبيد السود الفقراء حسبما إعتدوا أن يسموا النوبا. ففي إحدى المناسبات عندما حاول الدراويش بقيادة حمدان أبو عنجة ومن خلفه الجلابة صعود الجبل، سمح لهم النوبا بالتقدم إلى بعض الطريق ثم إنقضوا على الجلابة في الممر الجبلي الضيق. كان هؤلاء الجلابة مسلحين تسليحا سيئا فقتل أربعمائة رجلا منهم، ولما رأى ابو عنجة ذلك تقهقر وعندما دخل في الممر الجبلي توسل إليه الجرحى التعساء من الجلابة لحملهم معه ولكن رد رجال أبو عنجة بسخرية أن عليهم أن يموتوا فى سبيل الله. وتركوهم لرحمات حراب النوبا الحنونة … لعلي ألاحظ هنا إنه يوجد شعور عدائي بين السود والدراويش. فالعساكر السود يشتكون من أنهم يوضعون دائما في الصفوف الأمامية في المعارك .. وفي هجوم آخر تمكن الدراويش من الوصول إلى قرية النوبا، فأحرقوا الأكواخ وقتلوا عددا كبيرا منهم وأخذوا زوجاتهم وأطفالهم أسرى إلى الرهد حيث باعوهم كعبيد. وفي هذه المناسبة قطع النور عنقرة رؤوس ثلاثة من النوبا الذين إستسلموا بينما أمسك رجال (أبو عنجة) الأطفال الصغار من أرجلهم وضربوهم على الصخور حتى تطايرت أمخاخهم. وفي الرهد أقيمت زريبة خاصة لأسرى النوبا وحشروهم فيها كالماشية لبيعهم. هذه المخلوقات المسكينة تركت دون غطاء من الشمس والمطر وعانت بفظاعة من الجوع والعطش. ففي كل مساء يعطونهم حفنات من الذرة وقليلا من الماء ولكن ذلك لم يكن كافيا على الإطلاق وخلال بضعة أيام بدأت الأمهات يشاهدن أطفالهن يموتون ببطء من الجوع بينما تجمع الأطفال الرضع حول أمهاتهم بحثا عن الطعام دون جدوى. وفي كل صباح يأتي الحراس للتحقق من وجود جثث أموات أو أشخاص على وشك الوفاة، فيأمرون الأحياء التعساء الذين لديهم من القوة ما يجعلهم يقفون بالكاد على أقدامهم سحب موتاهم وأصدقائهم وأقربائهم الذين على وشك الوفاة .. الأمر سوف يستغرق وقتا طويلا للحديث عن جميع الجرائم الفظيعة وأعمال القسوة التى قاسى منها هؤلاء النوبا المساكين على أيدي الدراويش . لكن لماذا ؟! لأنهم حاولوا الإحتفاظ بحريتهم والدفاع عن أرض الآباء رافضين متابعة ذلك المزيف الكاذب الذي يسمي نفسه المهدي. لقد كان بين الأسرى في الزريبة رجل وزوجته وطفلان صغيران، كان منظر طفليه الجائعين يقطع نياط قلبه، وقد أثر عليه منظر جبال موطنه فأصبح يائسا ولعلمه إنه ربما يفصلونه عن زوجته وطفليه وبيعهم فى اليوم التالي إتخذ قرارا فظيعا، في منتصف الليل إحتضن زوجته وقبل طفليه الصغيرين ثم غرز سكينة فى كل واحد منهم مفضلا أن يموتوا من ان يباعوا عبيدا ثم اندفع خارج الزريبة وهرب، أطلق الحراس عليه النار وأخطأوه وهكذا نجح الرجل التعيس في الوصول إلى جباله المحبوبة ..
{عشرة سنوات من الأسر فى معسكر المهدى ١٨٨٢ – ١٨٩٢م}

الأب جوزيف اورفالدر

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.