التدينوية الإسلاموية وخلق الوعي الزائف:
✍🏿 : حب الدين حسين (حبو أرسطو)
من الضروري أن ندرك أن للدين أهمية في المجتمعات الأبوسي (المبدأ الأبيسي1) عكس ( الأموسي 2) والمجتمعات ما قبل الدولة البرجوازية، أو التي لم تتطور بعد إلي مجتمعات حديثة ومنها مجتمعاتنا السودانية. ونقصد بالأهمية هنا درجة التاثير السلبي الذي يلعبه الدين في حلبة الصراع السياسي بالإضافة إلى سهولة إختطافه من القلة على شاكلة (أهل الحل والعقد، هيئة علماء المسلمين….الخ).وإستخدامه كحصان طروادة لتمرير أجندة القلة على أنها مصالح الأمة!
أن الحديث عن الدين وتجلياتها في الفضاء السياسي في السودان فهو مهم لأسباب عدة وعلى سبيل المثال لا الحصر، السودان هو البلد الوحيد الذى أتيح له تطبيق الإسلام السياسي كنموذج للحكم في القرن الواحد والعشرين لمدة ثلاثين عاما وقدم اسوأ نموذج لإنتهاك حقوق الإنسان، وما زالت فتاوي الجهاد ضد مواطنيين السودانيين قائمة حتى ساعة كتابة هذا المقال، وعلى الرغم من إدعاء بثورة في ١٣ ديسمبر ٢٠١٨؛ وقد تبدل الحال إلا ان السودانيين لا يمكنهم أن يتناولوا أو يحللوا قضية أو موقف أو يبدوا رأيهم دون أن يلونوا قصتهم بغلاف ديني بغض النظر عن صحة مزاعمهم وتماسك منطق حججهم.
فالسودانيون كلما تقدم بهم الزمن إكتشفوا تعقيدات مشكلاتهم أكثر مما مضى، ما يوضح أن التقدم يعني تطور العلم وسهولة معالجة المشكلات ولكن في بلادنا كل شيء يجري عكس عقارب الساعة، ونعتقد أن الوعي الزائف الذي صنعته التدينوية الإسلاموية هي صاحبة الحظ في هذه المعضلة.
ونقصد بالتدينوية الإسلاموية هي نموذج للحكم تم تطبيقه تحت رأية الإسلام في السودان مستند على التراث العربي الاسلإمي (الشعبي، الأرثوذكسي) على الرغم من التعدد والتنوع الذي تذخر بهما البلاد ورغم التأكيدات الفكرية والسياسية والإدراية المعاصرة بإستحالة تطبيق نموذج كهذا وإحراز نتائج جيدة لمصلحة الإنسان مما أدى إلى الحالة البائسة وتردي الحياة على كافة المستويات كنتيجة منطقية لتلكم المقدمات.
أما الوعي الزائف فهو وعي ملتبس ومغلف على أنه حقيقة الأشياء كما يراه الفرد ولكن في الواقع هو ليس كذلك، تمت هندسته من السلطة بغرض الهيمنة والسيطرة حيث يجد المواطن صعوبة في التمييز بين الأشياء الحقيقية والكاذبة، وهى أشبه بالضمير السعيد الذي وصفه هاربرت ماركيوز في كتابه (الإنسان ذو البعد الواحد للإنسان المستبد تحت سلطة الراسمالية) والتقنية التي يرى أنه حر بمجرد ما توفرت له حرية إختيار بضاعة من جملة مجموعة البضائع!
نزعم أن التدينوية الإسلاموية إتخلقت في بلادنا لأسباب تاريخية وإجتماعية ونفسية جعل السودانيين غير قادرين على رؤية تعاستهم فإن الدين الإسلامي إستند على تراث فقير متناقض مع العلم والمعرفة والحضارة، وإنتشاره من ذاك المكان كان كفيل لصنع واقعنا المعاش، وتعود جذور التدينوية الإسلاموية إلى الأتي :
إرتكاز الدين الإسلامي للتراث الجاهلية العربية :شحيحة الإنتاج الفكري والحضاري، أى أن الثقافة القياسية والمفسرة والمعون المعاد إليها هى الجاهلية وهى نفسها فقيرة مقارنة بحضارات زمانها ناهيك عن المعاصرة، فمن الصعب أن يعطي إجابات عن حقيقة مشكلاتها ومشكلات الآخرين.
الوحي :وهو تقريري يصعب إثباتها بمبدأ العلم لإتكاءه على مبدأ الإيمان والتوكل وليس الإثبات.
النبع الصافي: حسب الزعم أبو علاء المودودي منظر الإسلاموية هو نفسه لا ينفصل بسببين أعلاهما مما ساهم في تعميق هذا الزيف وأبعد المسافة للوعي الحقيقي.
عقدة الأصالة والنقص: المسلمين في السودان يصنفون أنفسهم على أنهم مسلمين درجة ثالثة ( مسلمي الجزيرة العربية1,مسلمي مصر والمغرب2، مسلمي السودان ومورتانيا ومالي3) وأن الإسلام في بواكير محمد وفي حتى أيام الصحابة كالزمن قياسي عجزت عن كسر الهرمية الإجتماعية التي يتربع القريشيون على عرشها، ومن ثم تأتي البقية الباقية.
فالذين هاجروا مع الإسلام جزء كبير منهم مجرد هاربين من قوانين الإسلام التي هددت مصالحهم في وطنهم الأم، اي الصعاليك الذين فتح لهم الإسلام أراضى واسعة للغنائم وليست للدعوة الإسلامية كما يدعي بعضهم، وبل أن بعضهم كانوا ليسوا بمؤمنين، بل وجدوا من هجرات الإسلامية فرصة لهروب من سيف الإسلام، وللتذكير بأن الأعراب هم أكثر الأقوام التي ترفض الإشتراطات التي تقوم عليها الواجبات مقابل الحقوق، مثل الضرائب والذكاة والعشور وغيرها من العتاوات.
بالإضافة إلي ذلك فالطرق الصوفية وزعماءها والتي يزعم أنزالفضل يعود لهم في نشر الإسلام في السودان وعلى رأسهم على الميرغني، فهو أيضا تثبت الدراسات التاريخية أنه أتى كوفد مقدمة للإستعمار التركي للمساعدة في إستعمار السودنيين بتخديرهم وذلك بنشر الوعي الزائف ولنمو الإغتراب والإستلاب. فكيف لنا أن نتصور حال الوعي الذي نشره هؤلاء الهاربين الذين وصلوا بلادنا!.
الأزمة النفسية التي تمظهرت في السلوك السياسي: كل هذه العوامل المذكورة أخذت نصيبها النفسي في نفوس كثير من السودانيين وترجمت في سلوكهم اليومي وأصبحت جزءا لا يتجزأ من اللاوعى ووعيهم اليومي وتجلت بكلياتها في جماعة الإسلام الأرثوذكسيي. وبحسب قول أستاذ علم النفس السياسي دايفد باتريك: ( إن البشر لا يرغبون في السلوك بطرائق تخالف إعتقاداتهم، لا يرغبون في وجود تضارب بين ما يحملونه من إعتقادات ويتجنبون المعلومات، أو المواقف التي تسبب ظهور هذه التناقضات في العلن) وهكذا يتهاوي الفرد السوداني في عدم الإتساق المعرفي ويسكنه النزوعية (dispositionism).
الإستعمار سواء الإنجليزي المصري أو العربي الإسلامي كليهما لعبا دورآ في تعميق وتوطين الوعي الزائف ولعب على حبال مصالحهم مما زاد الطين بلة.
وقد أدى هذا الزيف إلى أدلجة الإنسان السوداني وغياب أى هدف في حياته، بل أنتجت الإغتراب والإغتراب الذاتي ولم يعد قادرآ على جلب القوة من حياته الفيزيقية والروحية والفكرية.
ولم يعد قادرآ على خلق هذه القوة لذاته وفي ذاته وبل تحول لإنسان مستلب يعيش على رحمة الإشياء المزيفة (الجهاد, حوار العين، الموت لامريكا، الموت لاسرائيل، الموت لروسيا).
فما زال من السودانيين من يتصور أن الجهاد وقتل المختلف عنهم هو افضل مسلك لفوز بحور عين وتلذذ بمضاجعة لا ينضب؛ فاذا سئل المرء ما حاليا في أي مكان اخر حاليا كيف يتصور الجنة فانه لن يتصور الحور كالمسلمي التدينوية الإسلاموية من منطق رجولي بل يتصور من منطق مغاير جدآ وبل يضحك على السائل ويتسائل هل حقيقة يوجد في هذه العصر من يفكر بهذه الطريقة !.
جراء هذا التلوث بمحاذاة الحياة وجراء تتبع لأهداف متناقضة كحال تجربة بافلوف( فقد دربه المرء على الإحساس بالجوع عندما يرى دوائر وتجنب الأكل عندما يرى هليلج )وبمثلها يتمسك الفرد السوداني بالإسلاموية كالجوع وفي وقته يتمسك بموارد السودان كالطعام؛ وهو غير قادر عن إدراك هذه التناقض المقزز لانه تمت تنمية الزيف فيه وبل تحولت عنده الزيف حقيقة والعكس صحيح.
وإن هذه الظاهرة الدينية الزائفة هي التي تتجلى على كافة مسارح الصراع السياسي في السودان وتصعب مهمة امساك داء الازمة ومعالجة جذور المشكلة لدى الكثيرين لاسباب تتعلق بخراب الذي اصابت العقل والتفكير في السودان ولمسايرة منهجين في وقت واحد هي:
المنهج العلمي: هو منهج تحليلي ويبني فرضياته وتحليلاته على المقدمات الموضوعية والعلل المحققة، ثم الوصول الي النتائج استدلالآ دونما تناقض بين السبب والنتيجة.
منهج التقرير الايديولوجي: هو منهج يضرب بالواقع عرض الحائط ويبني فرضياته على مسلمات اعتقادية لا يخضعها صاحب هذا المنهج لمبدا السبب والنتيجة او لمعيار التحقق
واهم سمات هذا المنهج في الحوار هو الكيل بمكالين، حيث يقبل النتيجة اذا تماشت مع ايدلوجية صاحب المنهج ويرفضها اذا لم تتماش معها حتى لو كانت الأسباب واحدة) ابكر,14.
بالتحكم في نظام الاستعدادات والتصورات Habitués،ولإستناد الغالبية لمنهج التقرير الإيديولوجي التي تبنتها رجالات الدين والدولة لقد مات ضمير الإنسان الحر الذي يقاوم الامور بمبدأ العقلانية والنقد لذا فتتحول الصراعات الي شكليات وتترك أمهات القضايا وتؤجل تحت تبريرات مغلفة .
وبل حتى قضية مثل الإبادة الجماعية والتطهير العرقي اهتمام بها أقل من قضية دولارات في بيت البشير ، مع العلم ان البشير استولى على السودان بالإنقلاب في ثلاثين يونيو بما فيهم الناس والمال والموارد.ويذاع احاديث على شاكلة نحن لا نريد دولة علمانية بل نريد دولة خدمات!.
ولذا عندما يشاع الزيف ويتحول للسلطة الحاكمة كل شئ تتبدل فالنمطق إلي اللأمنطق والحقيقة الي كذب وهكذا الدواليك. حيث يتم إعارة المشكلات وتسكينه لوقت اخر لتتفاخم هي بدورها وتتأزم أكثر ويتغنى الناس (كان زمان ما كان ، ويا حليل الزمان؛) ويعيش الناس في زمن المسغبة الذي صنعوا بايديهم بطريقة مباشرة بتواطؤ أو بطريقة غير مباشرة بالصمت وبالجهل، وفي كلأ الحالتين هم مدانون ويتحملون وزر هذه الحالة البائسة ، التي لا يمكن أن تنصلح إلا بهزيمة الوعي الزائف، أو الإيديولوجية التي تزيف الوقائع وتقدم الموت في سبيل حور العين وانهار من العسل والخمر (المريسة) لذة للشاربين؛ ولذا لن تكون هذه المعركة قصيرة بل طويلة الأمد في سبيل تحرير إلانسان السوداني من وعيه الزائف حتى يستطيع ان يدرك حقيقة التدينوية الإسلاموية التي سجنته سنين طويلة في قرون الجهل ويفتح أفاقه للمستقبل.
النضال مستمر والنصر أكيد.
إيضاحات لبعض المصطلحات:
الأبيسي1: هو النظام الأبوي او البيطاريكي المتشدد سيادة فيه للرجل ويعتقد كافة ديانات التوحيدية هي بيطاركية بالإمتياز.
الأموسي2: هو النظام الأموي، أو الأمومي السيادة فيها للمراة ويؤرخ أنها أكثر عدلآ وتسمى أحيانآ المشاعي ويعتقد أن الديانات القديمة او الأولية هى ديانات أمومية.
النزوعية (dispositionism) مصطلح نفسي يقصد بها مقاربة (أو منظور) يعتبر فيه الفرد وما يحمله من قيم وإعتقادات، وخصائص شخصية العامل الأكثر أهمية في توجيه سلوكه.
المراجع:
الإنسان المستلب وآفاق تحرره، ايريك فورم، ترجمة وتعليق :د.حميد لشهب
جدلية المركز والهامش، قراءة جديدة في دفاتر الصراع في السودان، أبكر ادم اسماعيل ١٩٩٨.
كتاب (5) الأديان – معهد التدريب السياسي وإعداد القادة، المنهج الدراسي المؤقت للمستوى الثانوي ،الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال، فبراير ٢٠٠٩.
علم النفس السياسي ، دايفد باتريك هوتون، ترجمة : ياسمين حداد.
الثلاثاء: ٧ فبراير ٢٠٢٣