الوليد مادبو، لا يري، لم يقرا ولا يسمع ولكن – (طال عمره) يقرر! (٢ – ٣)
✍🏿: بروفيسور خالد كودي
في الجزء الأول من الرد على الأمير الوليد آدم مادبو، أثبتنا أن طويل العمر مثله مثل معظم النخب السودانية من المتعلمين وأصحاب الحظوة بالميلاد، فشلوا جهلا أو إختيارا في تعريف وتسمية ماهية المشكلة السودانية بالظبط. فالدكتور كغيره ممن يحتالون على مجتمعاتهم ويضللونها بتسويف حقيقة أن بنية الدولة السودانية منذ الإستقلال كما إقترحتها النخب التي سيطرت علي السلطة والثروة لم، ولن تؤدي إلى بناء وطن حديث موحد خالي من الحروب و يتساوي فيه كل المواطنين في الحقوق والواجبات.
يقول طويل العمر:
(إن كادر حزب الأمة الذي أنتدب للقاء قيادات الحركة الشعبية مؤخراً لا يملك المقدرة الفكرية لنقد العلمانية – فالأريحية وحدها لا تكفي، وجماعة الحلو يتبنون الفكرة بصورة دوغمائية لا تراعي مستوى وعي المواطن أو دائرة إهتماماته المعيشية).
أولا، الحركة الشعبية لم تلتق بمنسوبي حزب الأمة أو غيرهم، وهي تتوقع منهم (نقد) العلمانية أو اي من رؤاها لبناء وطن عادل يسع الجميع، وإنما درجت الحركة الشعبية على اللقاء بكل الفاعلين في المسرح السياسي السوداني والتبادل معهم، وهذه من أبجديات عمل أى من المؤسسات في حقل بعينه. وكما تم مع من إلتقت بهم الحركة الشعبية من قبل، أصدر الطرفان بيان للراي العام، وقع فيه عن الحركة الشعبية سكرتير الشباب والطلاب الرفيق عادل شالوكا. ومثل هذه الإعلانات/مذكرة تفاهم والتي لا تعني أكثر من وثيقة علاقات عامة توضح الأطراف فيها أين تقف من القضايا المختلفة. وليس سرا أن للحركة الشعبية وحزب الأمة القومى مواقف متباينة تجاه جذور المشكلة السودانية والطريق للمستقبل، وهذا موضوع آخر!
ثانيا، في الفقرة التي تتحدث عن العلمانية و تقول (وجماعة الحلو يتبنون الفكرة بصورة دوغمائية لا تراعي مستوى وعي المواطن أو دائرة إهتماماته المعيشية)!
إن كان طويل العمر يعني المواطن في المناطق المحررة وأنصار رؤية السودان الجديد بعرض المشروع في مناطق سيطرة الحكومة، فهؤلاء واعين بأن العلمانية هي شرط المساواة في كل الحقوق والواجبات في وطنهم، و يناضلون على هذا الأساس لكى يروها واقعا في السودان.. أعتقد ان الوليد مادبو يعني المواطنين الذين لا يريدون أن يروا السودان دولة علمانية يتم فيها الفصل بين الدين والدولة. فموقف الكثير من قادة الرأى أن (السودانيين) مجتمع مسلم ومحافظ وحساس تجاه قضية العلمانية و فصل الدين عن الدولة، ولا بد من التدرج في الطرح حتي يتم إقناعه. أى أنه يتحدث عن المواطن السوداني الذي يتبني الدولة الثيوقراطية بدرجات مختلفة، وقد تكون (مستنيرة حتى)، وهي المجتمعات التي تتبني رؤية عمادها تجارب الثقافة العربية الإسلامية. وعقلية طويل العمر كغيره من النخب التي سيطرت علي السلطة والثروة منذ الإستقلال، ورسمت مستقبل السودان الذي أدى الي ما نحن عليه اليوم تضع قيم البعض أعلى عن البعض الاخر حتي وإن كانت قيم هولاء المصطفين تعني إهدار حقوق من يتميز عنهم إثنيا وثقافيا ودينيا. عقلية صلفة، متعالية ووصائية، وهي نفس عقلية (كرام القوم) الذين بعثوا بالمذكرة الشهيره في مارس ١٩٢٤ إلى مدير مخابرات المستعمر، ووقع عليها كل من علي الميرغني وعبد الرحمن المهدي والشريف زين العابدين الهندي، يستجدون فيها مدير المخابرات أن لا تصدر الحكومة أوراق العتق للأرقاء، لأن النخاسة ومن يعبروا عنهم – ممثلين في الثلاثة الموقعين على المذكرة – يحتاجون إلى عمل المسترقين من ناحية، ومن الناحية الأخرى يحتجون بأنه لو تم إعطاء المسترقين (الحرية) فإنهم سيسيئون إستخدامهما وسيصبحوا كسالى ويلجؤوا إلى الخمر وتلجا النساء إلى الدعارة وما إلى ذلك! وتقول المذكرة إن كان لا بد من إصدار أوراق العتق فيجب أن يتم تسليمها إلى الملاك أى النخاسة!!. وهنا يتجلى الوجه القبيح لأبطال السودان القوميين وهم يقدمون نموذجا للصلف والتعالي والوصايا.
إن الإعتقاد بأن هنالك مواطن لا يعي العلمانية/الفصل بين الدين والدولة وما تقدم له هذه القيمة الإنسانية الرفيعة من حرية هو إعتقاد متعالي وموغل فى الصلف، وبه من الوصايا ما يستحق التوبيخ عليها.
فان كان هنالك جزء من المجتمع لن يوافق على العلمانية/فصل الدين عن الدولة لأنه لا يعي، أو لأى سبب آخر، فليس من الموضوعي ولا الأخلاقي أن نرهن حريات الناس وحقوقهم الأساسية في وطنهم بوعي أو إقرار وإجازة أى كان – ولو كان المعترضون هولاء من اصحباب السلطة والثروة او في وضع اب (اغلبية ما) . هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى ومثلما سيناضل الناس لأجل تقويض القوانين التي تجرم إسترقاق البشر فإن النضال اليوم من أجل تقويض القوانين التي تفرق بين المسلم والغير مسلم وبين الرجال والنساء في كل الحقوق والواجبات وتضمن المساواة بين الجميع هو الموقف الأخلاقي الصحيح، أم تعتقد أن الناس ثائرة لتنصب الأمراء إلى ملوكا علينا!
الأمر يا طويل العمر ليس عن من يرفضون العلمانية لأنهم غير واعين سوى بمعيشتهم، وإنما عن من يريدوا ان يكونوا مواطنين من الدرجة الأولى في وطنهم لأنهم واعين بحقهم هذا، واعين بإنسانيتهم وكرامتهم، وواعين بالحقوق الأساسية التي نصت عليها المواثيق والقوانين الدولية، وواعين بأنه لا سبيل لبناء دولة حديثة في ظل وطن تحتال نخبه لتطبيق الشريعة الإسلامية بدرجة ما في قوانينها، أى الطريق إلى الدولة الوطنية الحديثة (النموذج الذى أسس بموجب إتفاقية ويستفاليا ١٦٤٨) يمر بعلمانيتها ولاسبيل الي غير هذا! فيا معالي الأمير، الذين يدعون و يناضلون لأجل علمانية الدولة يهدفون إلى ضمان الحقوق المتساوية في الوطن و في الإنسانية ويهدفون إلى قطع الطريق على أضغاث أحلام إعادة أمجاد العصور الوسطي وإلى الأبد. ويهدفون إلى قطع الطريق جهرا على دعاة إقامة دولة إسلامية تبدا جهادا بتسيير متحركات القادسية وكتائب الأقصى وما إليه… ليجاهد المهووسون دينا في غير المسلمين من أبناء وبنات السودان. و دعاة العلمانية والفصل بين الدين والدولة يهدفون إلى قطع الطريق أمام الحالمين بفرض الجزية وإعادة الدقنية… فلا يزال البعض في السودان يصدر الفتاوى بتكفير غير المسلمين، ويشرعن لأخذ الناس سبايا والسيطرة على أملاكهم كغنائم ويدفع بالقوانين الحدية المهينة والتي تستهدف غير المسلمين وتطبق عليهم بانتقائية، وما إلى ذلك!
ويقول الدكتور الاتي:
(من الناحية العملية الإجرائية، هل هناك مِشرط سحري يمكننا فصل الدين به عن الدولة (قد يكون موجوداً في شنطة أحدهم، أبحثوا عنه)؟ فكيف يمكن فصل القيم عن تصميم وتنفيذ السياسات؟ هل تشمل القيم الدين أم أن هناك قيماً عالمية يلزمنا الإحتكام إليها؟ إذا كان الدين هو حيلة الكثيرين للوصول إلى مرتقى الإنسانية، فما هو موقف الآخرين، جماعة الكجور مثلاً؟ إلى حين الوصول للإجابة على هذه الأسئلة الفلسفية الوجودية حتكون “عين المواطن” طلعت).)
ولأن الحركة الشعبية تتبنى العلمانية بما يعني فصل الدين عن الدولة ، وليس فصل الدين عن المجتمع، فلا يوجد مشرط سحري لفصل الدين عن الدولة في شنطة أيا من منسوبيها بالتأكيد. و يبدو أن طويل العمر يعتقد أن بعضا من البهلوانية و(خفة الدم) ستتغمط حقيقة أن دول منها تركيا، والسنغال، وألبانيا، وبوركينا فاسو، وكوسوفو، ودولة مالي، وأوزبكستان، ودولة تشاد، وغينيا – كوناكري، وقرغيزستان، ودولة كازاخستان، وأزربيجان، ودولة بنغلاديش، وطاجيكستان، و تركمانستان، كل هذه الدول اغلب سكانها مسلمين ودساتيرها علمانية – تفصل بين الدين والدولة، وحتى دستور اندونيسيا لا يعترف بأى دين رسمي وقد وصل سكان هذه الدول إلى هذا ليس بمشارط في حقائب قادتها ومفكريها ومثقفيها، وإنما لإدراكهم أن الطريق إلى دولة حديثة، لا حروب فيها، و يتساوى فيها المواطنون يشترط نظام يفصل بين الدين والدولة.
ونواصل مع طويل العمر في مقال قادم،،،