سلسلة حوارات إقرأ.. فكر … ناقش
: إبراهيم خاطر مهدى
الحلقة (3)
مفهوم ما بعد الإستعمار
“الثوري الحقيقي هو الذي توجهه المشاعر العظيمة للمحبة”
”The true revolutionarist is guided by great feelings of love”
تشي جيفارا
بعد أن توقفنا بشئ من المعقولية علي بعض المفاهيم المفتاحية (الشعوب الأصيلة والمهاجرين، ومفهوم الإستعمار) ننتقل لمفهوم آخر هو مابعد الإستعمار Post- colonialism ودولة مابعد الإستعمار.
ما بعد الإستعمار Post-colonialism
ظل غياب ما بعد الإستعمار عن التعليم مثله، ومثل المنطق والفلسفة في السودان؛ سمة مميزة لمؤسسات التعليم والمعرفة، ربما بسبب التغييب المتعمد، حتي لا يتم فهم ما يدور . لكن في غاية الأمر، هناك جدل يدور حول: هل ما حدث بفعل خروج المستعمر يمكن تسميته “إستقلال” في الدول التي خرج منها المستعمِر، أم أنه شكلي فقط؟ البعض يعتقد في أن الدول التي استقلت ومازالت تعمل فيها المؤسسات التي تركها المستعمِر هي مازالت؛ تؤكد إستمرار الإستعمار. وآخرون يقولون؛ أن الدول التي استقلت لا تعيش إلا في ظل المستعمِر ومعه نظرية الإستقلال “Dependency theory”. بينما؛ يعتقد البقية في أن خروج عساكر المستعمِر، يعني نهاية الإستعمار.
علي العموم يمكن تعريف: “مابعد الإستعمار، بأنه “حقل من المعارف التي تهتم بالعلاقة بين الستعمِر(Colonizer) والمستعمَر (Colonized) في أيَّ مكان وأيَّ زمان.
يستهدف هذا الحقل من العلوم؛ كافة الدراسات من منجزات العلوم الاجتماعية، مثل؛ الاقتصاد السياسي، العلوم السياسية، الأنثربولوجيا، السيكولوجيا، النقد الأدبي، علم الاجتماع، النظريات النسوية، الدراسات الثقافية، والتاريخ…”. للإرتكاز علي إستبصارات تلك العلوم في تحديد العلاقة بين المُستعمِر و المُستعمَر، وما تفرزهـ، تلك العلاقات من آثار سالبة؛ في إطار علاقة الإنسان بأخيه الإنسان.
ما يهمنا في هذا الحوار هو مفهوم أساسي من المفاهيم المفتاحية في تحليل الصراع في دولة ما بعد الإستعمار Post- Colonial State ، ألا وهو: ((الكمبرادور)) … فماذا يعني؟
نحت كوامي نكروما عام 1965 تعبير (طبقة الوكلاء – Comprador) وهم أتباع يوهمهم الإستعمار بكونهم شركاء له وأنداداً. أما في دراسات ما بعد الإستعمار؛ مصطلح كمبرادور لغويا جاء من كلمة برتغالية تعني السماسرة، الذين يقومون بتوصيل البضائع من الموردين الأجانب الي التجار المحليين ، ويعَرِفُونه بالبرجوازية المحلية التي تستفيد من الإستعمار.
وإصطلاحاً “هم الفئة أو الشريحة أو الجماعة؛ التي تتعاون مع المستعمِر”Colonizer” وتعيش في ظله وتكبر بمعوناته المادية والمعنوية، وبطبيعة الحال في أية إستعمار عندما يخرج سلمياً؛ يُسَـلِّم السلطة لهذا الكمبرادور.
وفي ذلك يري د. شريف حرير، وسيرجي ثيدوت في كتاب السودان الإنهيار أو النهضة؛ أن النخبة النيلية الحاكمة في السودان؛ هي عبارة عن مستعمِر داخلي InternalColonizer ، حيث يخلق الإستعمار دائماً طبقة محلية لتمرير سياساته ، وفي بعض الدول التي تتعدد فيها القوميات يعتمد علي قومية واحدة لتسيطر علي الدولة وتصبح مجرد وكيل له.
هذه القومية المستعمِرة في السودان قام البعض بتسميتها ب (الجلابة) وبالتالي الكومبرادور في هذه الحالة ليس مجرد إصابات فردية كما في الكثير من الدول الأفريقية ، بل جماعة ثقافية إثنية تتكون من شقين “شق ليبرالي علماني” يمثله كثير من مثقفيها، وآخر “طائفي تقليدي” يمثله رجالات الطرق الصوفية ، وزعماء الطوائف الدينية، وزعماء القبائل.
نتيجة لذلك اندلعت الثورة في السودان للتحرر من ذلك الإستعمار الداخلي.
لكن بعد ظهور الحركات المطلبية في الهامش السوداني الحالي بالإضافة لحركات الكفاح المسلح، حدث كثير من الإنحرافات والإخفاقات والتشوهات في مفهوم الثورة (أهدافها ومبادئها وغاياتها) وكيفية عملية التحرر من الهيمنة بكافة أشكالها وصولاً إلي إزالة التهميش وبناء دولة المواطنة.
تلك الإنحرافات تعتبر السبب الأساسي في ظهور قيادات إنتهازية علي طول وعرض الهامش السوداني، تسيطر علي تلك التنظيمات وتخدم مصالحها الخاصة (أسرية، قبلية، جهوية …الخ) وتوهم الجماهير المهمشة بكافة درجات تهميشها؛ بأنها تناضل من أجلهم، الأمر الذي أدى إلي تغييب الصراع الأساسي قياسا علي الأهداف والمبادئ المعلنة، وأصبح كل إنتهازي ناضج أو مازال في طور التكوين؛ يمتطي جياد القبلية من أجل التحريض ضد الآخر القبلي، الإثني و الجهوي، وبث خطابات الكراهية وتدبيج التقارير المزيفة ضد الشرفاء لحشد المؤيدين من أجل تأمين بقاءه في السلطة لأطول فترة ممكنة.
لكل ذلك نري أن ما يدور الآن من صراع في السودان، هو صراع إنتهازية بإمتياز.
فما هو الحل الذي يحقق دولة المواطنة في السودان ويحسن إدارة التنوع المعاصر؟
المراجع:
1- أبكر آدم إسماعيل؛ نظريات مابعد الإستعمار، ورقة دراسية، معهد التدريب السياسي والقيادي – الخرطوم 2009م
2- نقوقي واثينقو، تصفية إستعمار العقل.
3- بالإضافة لبعض المراجع المذكورة في الحلقة الأولى.
نواصل…
18 يناير 2023م