الهوية الثقافية ودورها في بناء الاستقرار السياسي في السودان

✍🏿: خالد عبدالله درجة - المحامى

 

إن الإنتماء هو أحد أشكال الإخلاص الذي يعبر عن إعتزاز الشخص بهويته،ومن الضروري أن يشعر إي إنسان بالإنتماء إلي بلده ولغته ، وكما أن الحياة الثقافية من أهم الركائز التي يعتمد عليها الإنسان في إدارة شؤون حياته وفهم العالم من حوله ، لذلك فإن الهوية الثقافية هي من الأشياء المهمة التي تشكل حياة الأفراد داخل المجتمعات المختلفة .

ما هي الهوية الثقافية؟
هي مجموعة من العادات والتقاليد والأعراف والمعتقدات والمثل العليا التي تشكل ثوابت وركائز اساسية تعبر عن ثقافة معينة لمجموعة من الناس أو لشخص معين وهذه الهوية تعني الإنسجام بينها وبين العقل من خلال نبذ التطرف العرقي والديني والطائفي والجهوي بكافة أشكاله ، ومن مكان لآخر حول العالم ، ومن ثم فإن الهوية الثقافية هي المصدر الرئيسي الذي يعبر عن الخصوصية التاريخية للأمة .

ولعل أغلب دول العالم المعاصر ذات ديمقراطيات كاملة full democracy وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد تجربة دولة كندا نجحت نجاحا باهرا ومزهلا في المحافظة على حقوق الأعراق والقوميات ، حيث وضعت منظومة متكاملة من القوانين تعرف باسم قوانين التعددية الثقافية multiculturalism act التي حافظت على التنوع الثقافي الفريد بجانب المحافظة على تنوعها البيئي والإقليمي الهائل ، وهذا الأمر ندعو أن ينطبق على السودان كنموذج أفريقي مصغر للتنوع البشري الثري الذي تلاقحت عبر هجرات تاريخية بين مجموعة سكان أصليين وجماعات مهاجره تصاهرت ، وأصبحت واندمجت في أعراف وتقاليد وقيم ومعتقدات ومثل راسخة عبر التاريخ ، وهي كلها تعد مقومات بناء دستور يستوعب كل المكونات ، في بلد تتسم بالتنوع والتعقيد في بنيتها الثقافية ، ذلك بسبب التقلبات السياسية التي اعاقت تشكيل وبناء دولة مستقرة ، سياسيا وإجتماعيا وإقتصاديا وثقافيا ، عبر عقود ظللنا نعاني منها جميعآ ، وجب علينا بل حتمت ظروف المرحلة التاريخية الحرجة إعادة مراجعة الذات ، والمضي قدما في تأسيس دستور يرسخ على أن هناك منظومة بشرية متكاملة ، يجب علينا وضعها في الإعتبار وهي دراسة تاريخ علم المعرفة عن جماعات السكان الأصليين environmental knowledge of indigenous people وتدريسها من علوم دراسة المعرفة البيئية والمعترف بها عالميا في المواثيق العالمية للحقوق والتي أقرها ميثاق الأمم المتحدة للسكان الأصليين ، وضمنتها في وثيقة إعلان الشعوب الأرض كل هذه النقاط الأساسية أرى في نظري أنها تشكل قوالب واطر frame لتأسيس دستور شامل تستوعب كافة المتناقضات ، علينا ونحن نحذو حذو الدول ذات الديمقراطيات المتقدمة علينا أن نستصحب معنا كل التجارب الحية ، سواء تلك التجارب التي أرست لها تاريخ أمم وشعوب وحضارات سودانية وما خلفتها من أفكار راسخة أصبحت اليوم جزءا من منظومة العرف الدولي ومن أبرزها قانون دالي العظيم ،دالي الذي أرسى القوانين العرفية والتي تدرس اليوم في أرقى الجامعات العالمية مثل جامعة هارفارد الأمريكية ، وتستخدم تلك القوانين في فض المنازعات الدولية، وكما تستخدم أيضا في المملكة المتحدة تحت منظومة ال common law .

وتتلخص المؤثرات التي تقف حجر عثرة تمنع من إمكانية تعبير المجتمعات عن هويتهم الأصلية وهذه المهددات تتمثل في الآتي:
1/عدم الرضا بصبغة الله في خلقه .
2/سياسات التفضيل والإقصاء وعدم الإعتراف بهوية مجتمعات تاريخية من خلال المناهج التعليمية التي تكرس على ذلك .
3/ممارسة سياسة الإستعلاء الثقافي الممنهج والغير مبرر وتمريرها عبر وسائل الإعلام وحرمان مجتمعات أخرى من الوصول لتلك المواقع الإعلامية والتعريف بهويتها ، مما جعل البعض يشعوون بالدونية وجعل الآخرين يغيرون إنتمائهم وأصولهم العرقية (ضحايا اللون المستعار) .
4/عدم الإعتراف بلغات الشعوب الأصيلة وتطويرها وإعتبارها (رطانات) أي لغات محلية .

إذن الحلول التي يمكن أن نتجاوز بها هذه المؤثرات تتمثل على النحو التالي:
_ العدالة والمساواة بين المجتمعات.
_ الحرية التامة للمجتمعات في إستخدام لغاتها .
_ تطوير اللغات المحلية وإحياء الثقافات السودانية.
_ إستخدام اللغات المحلية في المقررات الدراسية في المراحل الأولية بالنسبة لغير الناطقين بالعربية .
_ المواطنة أساس الحقوق والواجبات .
_ إكمال عملية السلام وتضمين مبادىء فوق الدستورية ضمن مواد الدستور الدائم .

ما مخزى الفخر بالهوية الثقافية؟
تختلف الهوية الثقافية من مجتمع لآخر بسبب إختلاف التوجهات الفكرية والأيديولوجية ،لذا فإن مزيج من اللغة والدين والتاريخ والثقافة المجتمعية ، ومن الضروري أن تكون هناك مظاهر الكبرياء متوفر ويتم الحفاظ عليها داخل المجتمع في الآتي:
ا_الفخر باللغة
تعتبر اللغة العنصر الأساسي للهوية الثقافية، فهي حياة شاملة لأي أمة لا يقتصر دورها على الكلمات التي يتم من خلالها تحقيق الفهم ، بل هو المخزن الذي يحتوي على المكونات العاطفية والعقلية والمعتقدات الراسخة داخل المجتمعات ، من وجهة النظر هذه فإن الحفاظ على اللغة والإعتزاز ببعضها البعض يعني إستمرارية وبقاء أي مجتمع ، واللغة جزء من هوية الفرد ، وحيث أنه من أهم المقومات التي تؤدي إلي وحدة الشعوب ، وعلى أي مجتمع من المجتمعات أن يفتخر بلغته ، والتي من خلالها يمكن أن يحافظ على هويته الثقافية .

ب_الإعتزاز بالتاريخ
إن تاريخ أي أمة أو قوم هو السجل الثابت لذكريات هذه الأمة وماضيها ، ولا يمكن أن تشعر بوجودها إلا عبر التاريخ الذي يوضح مساراتها ويعبر عنها ، ويميز التاريخ الجماعات البشرية عن بعضها البعض ، ومحو التاريخ معناه إخفاء هوية الأمة وتشويه معالمها ، بل يجب أن يكون هناك إعتزاز بالتاريخ الذي خلد هذه الأمة ، ولا بد من العمل على النهضة الفكرية التي تسعى إلي ترسيخ أسس التاريخ ، وعلى الأمم الأفريقية أن تدرك أهمية التاريخ في تحديد هويتهم الأفريقية والثقافية ، وذلك من خلال العلم والوعي بتاريخ المجتمعات وظروفها وتطوراتها وإنجازاتها ومن ثم الحفاظ على الهوية الثقافية.

ثقافة قبول الآخر:
يبدو تعبير ثقافة قبول الآخر غريبا على المجتمعات المحافظة ولأسباب سياسية يتسرع كثيرون في تصنيفه في خانة علمنة العقل المسلم او المتدين بدين سماوي ، وما تحيط بها من غموض أو سوء ظن ، ليس إلا لتقاطع مع بعض الأجندات الثقافية القادمة من الخارج وهو واقع لا مفر منه .

ما هو مفهوم قبول الآخر؟
مفهوم قبول الآخر يعني إحترام الآخر وتقديره وتفهم ما لديه من مجموع المفاهيم وأفكار وقيم وتقاليد…..الخ ، كذلك فإن تقبل الآخر يرتبط بتقبل الذات بكل ما فيها من ضعف وقوة ، فإذا تقبلت ذاتي ونفسي فليس من الصعب أو بلا شك أنني سأتقبل الآخرين .
ومن الملاحظ أن هناك بعض من الأسئلة المهمة لا بد أن نثيرها هنا كي تقرب لنا المسافة لفهم طرح قبول الآخر وهي على النحو التالي:
_ماهي أسباب عدم تقبل الآخرين؟
_ما أهمية تقبل الإختلاف؟
_ما هو الإختلاف بين الناس؟
_ماذا قال الله تعالى عن الإختلاف؟
_الإختلاف في الرأي لايفسد القضية أو الصداقة لماذا؟
_إذن كيف نتعامل مع الإختلاف؟
_كيف تتصرف إزاء شخص يخالفك الرأي في قضية ما؟
كيف يمكن تقبل الآخر؟

ما هي أسباب عدم تقبل الآخر؟
إن الجهل هو أبرز مسببات التطرف وعدم تقبل الآخر ، ولذلك نقول عدم العلم وغياب الوعي ولغة الحوار وإنسداد قنوات الإتصال مع الآخر هي أيضا من أسباب عدم التقبل، وبالتالي التطرف عن المجتمع ، فطالما يوجد هناك متسع لسماع آراء مختلفة فهذا يمكن الشخص من تكوين إنطباعات مختلفة ووسطية ، بدلا من تلقي التعليمات من جانب واحد .

ما هي أهمية تقبل الإختلاف ؟
الإختلاف في الرأي والراي الآخر والمعتقد يعكس ظواهر إنسانية إيجابية ومتحضرة لأنها نتاج تجارب شخصية ومجتمعية كونت منثورا خاصا حول موضع ما وهذا شيء مفيد .

ماهو الإختلاف بين الناس؟
الخلاف هو إحدى المصطلحات التي تشير إلي التناقض أو الإختلاف أو التباين في وجهات النظر حول موضوع معين أو آراء أو معتقدات شخصية ويكون الخلاف بين شخصين أو أكثر ، وهذا يؤدي إلى التباين والإحتكاك والتصادم بين الطرفين أو الأطراف وقد تكون هذه الأطراف عبارة عن افراد أو قرى أو مناطق أو دول (كالخلاف بين الروس والأوكران والفلسطينيين واليهود الى …. الخ) .

ماذا قال الله تعالى عن الإختلاف؟
الآية 13 من سورة الحجرات .

الإختلاف في الرأي لايفسد القضية أو الصداقة لماذا؟

هذا السؤال يوافق المقولة المشهورة
(الإختلاف في الرأي لايفسد للود قضية) هذه العبارة يؤكد أن لكل شخص رأيا ووجهة نظر خاصة ويختلف من شخص لآخر ، وعلى كل إنسان أن يحترم كل وجهات نظر الآخرين .

إذن كيف نتعامل مع الإختلاف؟
لايمكن لأحد أن ينكر الإختلاف في وجهة النظر والرأي بل ينبغي تقبل جميع الآراء والأفكار المختلفة ، ويجب أن يكون ذلك بالأسلوب اللين والكلمة الطيبة لا بأسلوب الهتر ورفع الصوت والصياح وعدم الإحترام .

كيف تتصرف إزاء شخص يخالفك الرأي في قضية ما؟
إن إختلاف الآراء والمصالح ليس بالضرورة شيئآ سلبيا ، بل قد يكون الإختلاف والحوار الصحي سببا في نجاحنا بطرق لم نتوقعها قط لذا لا داعي نتجنب الجدل والنقاش .

كيف يمكن تقبل الآخر؟
_ الإهتمام بمشاعر الآخرين وإحتياجاتهم وآلامهم وأفراحهم هو من أهم أسرار قبول الآخر .
_ أمتدح الآخرين وأشعرهم بتقديرك لهم .
_تعلم فن الإبتسامة.

في الختام هذه الورقة تعتبر أول محاولة لي عن هذا الموضوع وهي عبارة عن جهد متواضع وطرح مختصر ومنقوص غير مكتمل عن الهوية نضع بين أيديكم لإثراء النقاش بينكم وتطويرها بإضافاتكم ونقدكم البناء.

12 يناير 2023م

تعليق 1
  1. Skyhode يقول

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.