مفهوم الهوية في المجتمعات والدول العربية وفلسفتها عند الدول الغربية (٢–٢)
✍🏾 الباحث: عبدالعزيز أحمد ديرو
تعرفنا في المقال الأول على المعاناة الحقيقة للإنسان العربي المعاصر من أزمة هوية وإنتماء عميق وتعرفنا أيضا بأن جذور تلك الأزمة تعود إلى وجود الإنسان العربي في ظل كيانات إجتماعية متعددة ومتعارضة تبدأ بالقبيلة والطائفة وتنتهي بالدين والإثنية.
وبعد إستعراضنا لكل تلك التعريفات المختلفة لمفهوم الهوية عند بعض المفكرين والباحثين الإجتماعيين المعاصرين، وما إقترحوه من حيث طبيعتها ومكوناتها وأبعادها، فدعونا نتساءل هل يمكن لنا أن نستخلص من كل هذه الإسهامات ما يمكن الاعتماد عليه لتوضيح ما المقصود بالضبط من إستعمال هذا المفهوم على تقديم خدمة منهجية في الفكر السوسيولوجي المعاصر؟ فالإجابة نعم، يمكن أن نستخلص من كل ما تقدم ما يلي: لقد ظهر مفهوم الهوية في بداية المرحلة فعلياً وبالتحديد في مجال العلاج النفسي، وقد إرتبط آنذاك ظاهريأً بـأزمة الهوية. وأن هذه العبارة لا تزال منتشرة في مجال العلوم الإنسانية، ولعل ذلك مؤشر على أهمية وحيوية الهوية كظاهرة وما تثيره من مشكلات في البحث السوسيولوجي والنفسي. إن مفهوم الهوية أصبح من المفاهيم المتداولة في حقل علم الإجتماع ولكن بشكل يطمح، في هذا المجال على الأقل، إلى إزالة الفوارق بين علمي النفس والإجتماع، ولذلك، فقد إعتبر مفهوم الهوية فرصة لتجاوز ثنائيتي : النفسي- الإجتماعى، والذاتي أو الموضوعي، بإعتباره يعطي الفرصة للنظر إلى الفرد، كوحدة للتحليل العلمي، من خلال مساره الشخصي ولكن تفاعله مع المؤسساتي والمجتمعي في الآن نفسه. إن الهوية تعبر عن شعور، وتمثل الفاعل الإجتماعى لذاته وللآخرين ولمجموعته. وللمجتمع ككل. – إن الهوية لا تتحدد بالوضعية ” الحقيقية” التي يعيشها الفرد أو الجماعة وإنما بطبيعة وعي الفاعل وشعوره بذاته وبالتمثلات التي يحملها عن وضعيته في مقابل الفاعلين الآخرين ومن خلال طموحاته وتطلعاتة ومشاريعه. – إن الهوية ليست ثابتة، وإن كانت في غالب الأحيان مستقرة نسبيا، فهي ظاهرة متغيرة عبر فترات تاريخ الفرد والجماعة.
وتوجد رؤيتان أساسيتان في علم الإجتماع يمكن أن ننظر من خلالهما لمفهوم الهوية، الأولي تميل إلى إعتبارها نتيجة للتنشئة الإجتماعية التي يخضع لها الفرد من خلال مساهمة وتأثير المؤسسات القائمة. والثانية تعتبر الهوية ناتجة عن الموقع الذي يوجد فيه الفرد أو الجماعة كفاعل إجتماعى تتحدد هويته بالعلاقة مع الآخرين وبقدرته علي فرض وجوده وإرغام الآخرين على الإعتراف به وبمصالحه في إطار نسق العلاقات الإجتماعية السائدة. يمكن الجمع بين تلك الرؤى, وإعتبار الهوية ناتجة عن الإلتقاء بين البعدين المذكورين سابقا: التنشئة الإجتماعية التي يتعرض لها الفاعل من جهة وتفاعله مع البناء الإجتماعى ومؤسساته المختلفة من جهة ثانية. فالهوية كما ذكر “دوبار ” ناتجة عن مسار تاريخي ولكنها في الوقت نفسه منتجة للتاريخ.
نتناول في هذا المقال اليوم أيضا مفهوم الهوية من حيث النشأة والتطور في تاريخ أوروبا الحديث
عرفت مسألة “الهوّية” خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بأوروبا تطورا واضحًا في مجال اللغة والفكر والقانون، وتكرس هذا التطور في واقع المجالات السوشيوثقافية والسياسية عبر دول العالم، وخاصة عند الشعوب المُستعمرة، بصفتها مطلبا مشروعا يرتبط بل ويؤسس لتقرير المصير من خلال الإستقلال. كما أصبحت الهوية إشكالية قائمة تثير النقـاشات في الأوساط الأكاديمية، وبالتحديد في العلوم الإجتماعية بمختلف فروعها لكون أن مفهوم الهوية من المفاهيم المعقدة والمتناقضة التي يكثر إستخدامهما ويصعب تعريفها وتحديدها بدقة. لذلك يمكن الجزم بأن الهوية كمفهوم، تقع في مفترق الطرق بين مجالات بحثية ومعرفية متعددة. ومن خلال هذا المقال، نقدم قراءة نقدية سوسيو-أنثروبولوجية لهذا المفهوم، وللظروف المحيطة بإعادة إنبعاثه في التاريخ الحديث في العالم بشكل عام، وفي أوروبا بوجه الخصوص، لما لهذه القارة من أهمية في التحولات الفلسفية والفكرية المصاحبة لإعادة التشكيل السياسي والثقافي للعالم. وعليه فإن هذا البحث هو مقاربة سوسيو-ثقافية لمفهوم ومسار تشكل الهوّية وأهم المحطات والمسارات التاريخية التي ساعدت في تكوينها.
مفهوم الهوية في الفلسفة:
هي حقيقة الشئ المطلقة والتي تشتمل على صفاته الجوهرية التي تميزه عن غيره. كما أنها خاصية مطابقة الشئ لنفسه أو مثيله، ومن هنا فإن الهوية، الثقافية لمجتمع ما تعتبر القدر الثابت الجوهري والمشترك من الميزات والسمات العامة التي تميز كل حضارة أو مجتمع عن الآخر.
هوية الشعوب والأمم:
من المستحيل أن تجد شعبأ من غير هوية، وهذا الأمر يدحض زعم (داريوس شيغان) الذي قال عن الهوية بأنها عبارة عن صورة مغلوطة للذات. أثبتت الدراسات السوسيولوجية أن لكل مجتمع أو أمة عددا من الخصائص، والسمات الإجتماعية والمعيشية، والنفسية، والتاريخية المتماثلة، وهذه السمات تعبر عن كيان ينصهر فيه أفراد منسجمون ومتشابهون بتأثير من هذه الميزات والخصائص التي تجمع ما بينهم.
تمثل الهوية أيضا رابطة روحية ضميرية بين الفرد وشعبه، بمقتضاها يسعي إلي أعلاء شأن هذا الشعب ورفع مكانتها بين الأمم. كما تحتم هذه الرابطة علي الفرد أن يعيش مدركاً لمقومات ذاتية تخص شعبه، وأن يسعي دوما إلي الحفاظ علي تلك المقومات في مواجهة أسباب التحلل والإنهيار، وذلك إلي جانب إعتزاز الفرد برموز شعبه وإجلالها واحترامها والولاء لها. وتمثل أبرز مقومات هوية الشعب في الدين، اللغة، السلالة، والتاريخ، في حين يشكل العلم أحد رموز الهوية.
وهنالك من يعرفها بأنها مجموعة من الخصائص والمميزات العقدية والأخلاقية والثقافية والرمزية التي ينفرد بها شعب من الشعوب وأمه من الأمم.
ملامح أزمة الهوية:
يشير الباحث كيغين هوست Kevin Hewisen إلي أن مفهوم الأزمة بحاجة إلي دراسة وفهم المدخل والعوامل التي أدت إلي حدوثها، ولا يدرس بمعزل عن سياقاته الإجتماعية وأطره الأيديولوجية. اما الباحث جون توملسون John Tomlinson، فيري أن الهوية الثقافية كانت نوعاً من الكنز الإجتماعي الذي تمتلكه الجماعات المحلية، ولكنه شئ هش يحتاج إلى الحماية والحفاظ عليه، وبعد أن اكتسحت العولمة العالم.
الهوية الدينية: في بعض الأحيان تشكل إطاراً جامعاُ ومكملاً للهوية الوطنية وفي أحيان أخرى يحصل العكس، فإذا بحثنا عن الأمثلة المشابهة فالعراق يمكن أن يكون مثالاً أو نموذجاً للحالة الأولي بينما يوغسلافيا السابقة أو جمهورية البوسنة والهرسك الحالية تعد نموذجاً ومثالاً للحالة المعاكسة، والإطار الديني هو واقع الأمر أوسع واقوي من الإطار القومي.
بعض من المصادر:
١- أحمد وهبان، الصراعات العرفية وإستقرار العالم المعاصر: دراسة في الأقليات والجماعات والحركات الفرعية (أليكس لتكنولوجيا المعلومات الإسكندرية، الطبيعة الخامسة ٢٠٠٧) ص ٧٩ – ٨٩
٢- بكار عبدالكريم، العولمة، ( عمان: دار الأعلام ٢٠٠٢) ص ٨٤
٣- سالم فاطمة الزهراء، نحو هوية ثقافية عربية إسلامية (القاهرة دار العالم العربي ٢٠٠٨).
٤- منفستو الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال ٢٠١٧
٥- محاضرات للدكتور جون قرنق عن الهوية السودانية
هل للهوية اصل ثابت؟