إتجاهات التَّفكير (غير السليم) تجاه قضايا النِساء في السُّودان (3)

غادة حسن مردوم

مواصلة لما سبق من مقالات كتبتها من قبل بخصوص قضايا النساء – فإن النساء يعلمنَّ تماماً إن قضايا المرأة ونضالاتِها هي قضايا مُشتركة – أي قضايا عالمية ولا تنفصل عن بعضها وفقاً للوعي المُشترك بينهنَّ لتلك المشكلة. فأينما كانت المرأة موجودة، فهي ما زالت تُعاني من الإضطهاد والتمييز والتَّهميش لأن بنية المُجتمعات البشرية لا زالت (ذكورية) – والنظرة للأشياء لا زالت بذات (النظرة الذكورية) التي نتج عنها تشوُّهات مُجتمعية عميقة جداً تجاه قضايا النساء.
وعندما نتحدَّث في الحركة الشعبية لتحرير السُّودان – شمال عن نسبة الـ30% للنساء كتمييز إيجابي لهنَّ، فذلك لأن الحركة الشعبية تعلم إن النِضال والتَّحرير لا يكتمل ولا يتم الَّا بهنَّ – أي إن القيَّم والمباديء (حرية، عدالة، ومُساواة) – هي للجميع دونما تمييز على أساس (العِرق، اللون، اللغة، الدِّين، الجِهة، ..أو النوع) . مع الوضع في الإعتبار إن المُنافسة في النسبة المُتبقية (70%) لدينا الحق كنساء في المُنافسة عليها.
ولكننا نجد إن البعض لا يعرف خصوصية هذه النسبة، ولا أهميتها، ولا يدرك لماذا وضعت الحركة الشعبية هذه النسبة. وأنا لا إندهش في نقاشات وجلسات التحاور في مثل هذه القضايا ذات الأهمية البالغة. نحن نُفكِّر في كيفيه بناء أرضية مُشتركة. ولكننا للأسف نجد إن هنالك نساء رائدات ولديهنًّ الوعي بقضايا المرأة ويتحدَّثنَّ عن قضايا النساء بالمناطق التي تفتقر لأبسط مُقوِّمات الحياة المُتساوية مع النساء (صحابات الإمتيازات التَّاريخية) والتراتبية الإجتماعية المُشوَّهة. ودون إستصحاب المظالم التَّاريخية والمرارَات والتَّضحِيات. هذا فقط يحدُث عند النساء. هذا الواقع قد يكون مُبرَّراً، لأنهُنَّ فقط مُجرَّد نساء (ذكوريات) حريصات كل الحرص على أن لا يفقدنَّ (الإمتيازات التَّاريخية). وهنالك أُخريات تنازلنَّ عن الحقوق مُقابل أشياء – إمَّا لأنهنَّ مُتوهِّمَات، أو برغباتهِنَّ، أو مجبُرات للتغاضي عن جذور المُشكلة بمُبرِّرات واهية أو غير منطقية، أو لأنهنَّ إستسلمنَّ للواقع وصرنَّ يتناولنَّ القضية من باب الطموحات البسيطة – وبطريقة تفكير ضحلة للغاية.
من الجانب الآخر نجد نساء أُخريات يتحدَّثنَّ ويناقشنَّ قضايا المرأة بشكل عام، والسُّودان علي وجه الخصوص. صاحبات (الإمتيازات التاريخية) ينظرنَّ إلى نضالاتهِنَّ في السُّودان بإعتبار إن لديهُنَّ الفضل فيه. وبالطبع لهُنَّ الشكر لما قدمنَّ من خطوات – وبالمثل السُّوداني لقضية المرأة (البِكاء بحرُّوا أهلو).
ولكن لا بد أن تعلوا أصوات جميع النساء في قضيتهنَّ. لا ننكر تلك الأصوات التي علت آنذاك لتوفُّر الظروف الموضوعية لهنَّ. ولكن من ناحية أُخري، ولو نظرنا للقضية من وجهَة نظر (النوع) – فإن مفهوم النوع (اليد الواحدة ما بتصفِّق) – نجد إن القضية في أساسها (إجتماعية) – وقد ظهرت شخصيات من الرجال آنذاك أيضاً علَت أصواتهم في القضية. ولكن يبقَى السؤال ؟؟ أين كنَّا نحن الأكثر ضرراً عندما كانت الحركة النسويه تُطالب بحقوقها التي نُعتبرها وفقاً لذات (التراتُبية) نضالات منقوصة وغير شاملة لكل نساء السُّودان إذا نظرنا للنساء وفق (التراتُبية الإجتماعية) المفروضة من قبل المُجتمع التقليدي – وأجهزة الدَّولة.
ثانياً: قدَّمت الحركة النسوية السودانية مطالب النساء (ذات الوضعية الإجتماعية والتراتبية الدونية) دون تلبية مطالبهنَّ وطموحاتهنَّ الحقيقية، وذلك لعدم مُشاركة نساء الهامِش للتَّعبير عن قضاياهُنَّ. فقد كان التعبير (نخبوي) يُعبِّر عن (النُخبة النسوية) فقط.
والآن نجد بعض النساء يتحدثنَّ عن إن نسبة مُشاركة النِساء في كافة مؤسَّسات الدَّولة يجب أن تصل إلى (50%) وإن المُشكلة تتمثَّل في (المُجتمع الذكوري) – ولكن هنالك أيضاً نساء (ذكوريات) هن زوجات وبنات الطبقة (المُسيِّطرة) وصرنَّ (كمبرادورات) للعقلية الذكورية، وهنَّ فقط مُساعِدات (لهذه العقلية) وليس لهُنَّ أي دور في صنع القرار نظراً لوضعيتِهنَّ في المجتمع الذكوري، أو وفقاً للدَّولة ذات المعايير المؤدلجة، أو (الدولة الدينية) – بمُختلف الأديان- ونحن لا نعتبِر إن مثل أولائك (النِسوَة) هنَّ ضحايا أو أبرياء، لأنهنَّ يدركنَّ تماماً أساس وطبيعة المُشكلة، ولكن لأنهنَّ يقدمنَّ التنازُلات – وهنا تاتي صعوبة الإعتراف بالواقع والمُشكلة، والمُشاركة في الحل غالباً ما تكون بشكل صوري فقط.
قضية أخرى مُهمَّة تطرح السؤال الآتي: هل يحِق للنساء المُنافسة في بقية النسبة (70%) – بعد خصم نسبة النساء (30%) في حالة الحركة الشعبية ؟ لأن النسبة الطبيعية هي (50%) للنساء والرجال، ولكن بمعايير التكنوقراط والجدارة والقُدرات – لا يمكن بلوغ النساء لهذه النسبة بسبب حرمان النساء من التعليم لعهود طويلة. والآن إلى حد ما هذه النسبة يمكن الوصول إليها في حالة نساء المدن، ومستحيلة بالنسبة لنساء الريف والهامش. لأن هذه المناطق تعاني من التهميش المستمر ولا تملك أبسط مُقوِّمات التعليم وفرص التَّدريب وبناء القُدرات للتنافس مع بقية (النسوة) من أصحاب (الإمتيازات). وهنَّ بالطبع يمتلكنَّ المعارف والقُدرات على حساب بقية النساء – هذا ما عدا النساء (المُرمَّزات تضليلياً). يمكن أن نجد هذا الصنف من النساء وفقاً للوضعية الإجتماعية المشوَّهة في السُّودان.
أخيراً: على جميع النساء أن يعلمنَّ إن هذه القضية هي قضية (إجتماعية) مُتداخلة وشائكة – وتحتاج للنظر إليها بعمق. وعندما نتناول قضايا النساء، لابد دوماً أن نستصحب معنا جميع إسهامات ونضالات النساء وتجاربهنَّ من مختلف الأعراق والثقافات – ومن كافة الجوانب (الإجتماعية، الثقافية، السياسية، والاقتصادية، ..إلخ). وذلك لإنتاج وعي مُشترك لقضية المرأة في الدَّولة السُودانية، ثم على مستوَى القارة (أفريقيا) ومن ثم العالم أجمع – لأن القضية هي (قضية عالمية) ومُشتركة في الأساس وفقاً للـ(نظرية التقاطعية) التي تحدَّث عنها من النسويات السودوايات أمثال: (كمبيرلي كرنشو – وبتريشيا كولينز) – وأخريات وضعنَّ (القضية النسوية) في إطار موضوعي وصحيح، وبنظرة ثاقبة – ولهنَّ كل الإحترام والتقدير.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.